قراءة في كتاب: “عن تدبير الشأن الديني والتطرف، أية هفوات وأية مفارقات؟” إعداد: مصطفى الحسناوي

صدر للدكتور محمد وراضي، كتاب “عن تدبير الشأن الديني والتطرف أية هفوات وأية مفارقات” الكتاب الجديد لا يخرج عن الثلاثية التي يتناولها الدكتور في كتاباته، وأقصد ما يسميه الدكتور: الفكر الظلامي الديني، والفكر الظلامي السلطوي، والفكر الظلامي الحزبي، هذه الثلاثية التي تناولها الدكتور مجتمعة في بعض كتاباته، أو تناول كل عنصر منها على حدة، في كتابات أخرى، يعتبرها المسؤولة عن تخلفنا وتخبطنا وانحرافنا.
في كتابه الأخير يتعرض الدكتور محمد وراضي، للفكر الظلامي الديني، ويقصد به الانحرافات والضلالات التي أدخلتها الطرق الصوفية في الدين الإسلامي، يُذكر أن للدكتور كتابا بعنوان “عرقلة الفكر الظلامي الديني للنهضة المغربية” كما أن الدكتوراه التي أعدها كانت بعنوان: “التصوف الطرقي بالمغرب المعاصر سوس نموذجا”. وهما مؤلفان تناول فيهما نماذج للانحراف المغربي في مجال التدين، بطريقة العرض والسرد، بخلاف كتابه الأخير الذي هو دراسة تحليلية لمسألة تدبير الشأن الديني في المغرب، دون أن يتخلى الدكتور عن طريقته في استعراض المخالفات والانحرافات والبدع الصوفية، والتذكير بها في كل وقت وحين.
تناول الدكتور في مقدمة الكتاب مسألة مدنية الدولة الإسلامية، مفندا شبه العلمانيين الذين يسعون لقطع الطريق أمام أي محاولة للنهوض بالأمة، والتصدي لأي مشروع إسلامي تحريري نهضوي. وهم في هذا التصدي وهذه الحرب يتحالفون مع الفكر الظلامي الديني والسلطوي والحزبي.
بعد ذلك خص عنوان الكتاب، بتحليل دقيق لمفاهيمه وعناصره، لغة واصطلاحا، ضاربا الأمثلة من التاريخ الغابر والواقع المعاش، فتحدث عن ماهية التدبير التي هي التفكير في أمر ما وسياسته والنظر في عاقبته.
وتحدث عن الشأن الديني من الناحية اللغوية والاصطلاحية أيضا، معتبرا الحديث عن تنظيم للشأن الديني حصريا في الدول العربية، هو حديث عن عمل تآمري في وسط موبوء خاضع لضغوط خارجية وأخرى داخلية، حيث تطرق للدور الغربي عموما والأمريكي بشكل خاص، بكثير من التفصيل، في فصل خاص عنونه بـ:”الحضور الغربي في الشأن الديني المغربي”.
وتحدث عن التطرف بشكل عام، الذي يقصد به تجاوز الحدود، متسائلا إذا كانت حدود الدين عندنا محترمة، لا يتخطاها أي كان؟ أم أن حدود القانون الوضعي هي التي حظيت بالاحترام والاهتمام في دولة يصرح دستورها، أن الإسلام دين الدولة.
ثم عمم الدكتور مفهوم التطرف ليشمل التطرف العلماني، وتطرف الطرق الصوفية، وتطرف الدولة، فهو -بالنسبة له- كميراث تقتسمه أطراف عدة.
ويعتبر الدكتور وراضي، أن ما يسمى تدبيرا للشأن الديني إنما هو إخلال بالدين وتطرف صارخ في التعامل معه، لا تفعيلا له أو حماية وفق الوحيين، ولا حتى وفق الدستور، محذرا من مغبة التعامل مع هذه المقاربة كبضاعة مغربية ومنتوج يتم تسويقه داخل جدران الزوايا والأضرحة من تجمعات خرافية ومواسم شركية، أو على مسارح ومنصات الطرب والغناء؛ فيما بات يعرف بالموسيقى الروحية، بتغطية إعلامية رسمية للدولة الموصوفة بالحديثة والحداثية.
لقد شدد المؤلف على أن التدبير الحقيقي للشأن الديني هو باتباع صاحب الرسالة واقتفاء أثره، فاتباع سنته القولية والفعلية والتقريرية هو تدبير حقيقي وفعلي.
لدى تساؤله عن الدين المراد تدبير شأنه، تطرق صاحب الكتاب، لمسألتين هما العمدة في قضية التدبير هذه، بل في ما يسمى بالإسلام المغربي.
المسألة الأولى أن الدولة المغربية وقع اختيارها على ثلاث علماء لتلقي الدين في شقه العقدي والفقهي والسلوكي على أيديهم.
المسألة الثانية في هؤلاء الثلاثة الغنية والكفاية تجنبا لتداخل الآراء واختلاطها، فيكتفى بهم وحدهم ويوصد الباب عمن دونهم.
مناقشة المسألتين المذكورتين استغرقتا كل الكتاب تقريبا، حيث تناول الموضوع من عدة جهات وزوايا:
جهة التسليم لأخذ الدين والتدين عن هذا الثلاثي، فانتقد هذا الطرح المفروض على الناس، معتبرا أن الدولة تفرض وسطاء على الشعب لفهم الدين.
ثم انتقد هذا التوجه واعتبره غير صحيح، أي التزام الدولة بهذا الثلاثي مستعرضا عددا من المخالفات والمغالطات، ومعتبرا أن الأمر لا يعدو أن يكون لعبة سياسية وبرنامجا مدروسا ومسطرا من أجل الضبط والسيطرة والتحكم في هذا المجال.
وقد خصص الدكتور وراضي جل فصول الكتاب كما أسلفت للبرهنة على هذه المغالطة، فتطرق لمخالفة الإمام مالك لما نحن عليه، وتعرض للفرق بين مذهبه وفقهه، وهي المغالطة التي تروج لها الدولة من أننا على مذهب مالك، إذ مذهبه يتضمن العقيدة الإسلامية أيضا، والتي تخالفها الدولة المغربية والقائمون على الشأن الديني، ليتساءل هل المغاربة مالكيون؟ ثم ليسترسل في الإجابة باستفاضة ويبرهن فيها أن المغاربة لا علاقة لهم بالإمام مالك، من خلال مخالفته في الموقف من الصوفية والطرقية وقراءة القرآن جماعة، والدعاء على هيئة الاجتماع، وصيغ الأذكار، وطريقة الصلاة والآذان والجنائز والاحتفال بالمولد النبوي والمواسم وغيرها، دون الإشارة إلى القوانين المؤطرة والمسيرة والمنظمة لباقي المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية والتجارية والقانونية والعلاقات الدولية، التي لن تجد فيها أي ذكر للمذهب المالكي.
وحسب رأي الدكتور وراضي؛ فالمغاربة لم يخالفوا مالكا وحده بل خالفوا الجنيد أيضا، حيث ختم كتابه بأمثلة لضلالات وانحرافات عدد من الطرق وشيوخ الصوفية كالتجاني والقادرية والشاذلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *