مصطفى العلوي و”الوهابية البنكرانية”! الجزء الأول الدكتور محمد وراضي

ارتبط المقال الأسبوعي “الحقيقة الضائعة” بقيدوم الصحفيين المغاربة: الكاتب المرموق مصطفى العلوي. إنه منذ أعوام طوال، يحسن ربط القراء بموضوعات لم تكن لهم بها معرفة مسبقة. أو كانت لهم بها في حدود، عندها يتأرجح لديهم الشك على اليقين. بحيث إنه بأسلوبه المتميز الذي طالما مزج فيه بين الجد والهزل، يكشف عن مستور، هو عنده الحقيقة الخافية أمرها عن الكثيرين. فيكون القراء المجدون قد خرجوا من مقاله بمعلومات لها وزنها التاريخي والسياسي على الخصوص.
وأعرف أنه كاتب بحاثة، يدرك تمام الإدراك كيف أن الكتابة مسؤولية، وأنه -كتأكيد منه لهذا الإدراك- يثبت مصادره، ويعرف بمراجعه. واثقا من نفسه وبنفسه. حريصا أشد ما يكون الحرص على أن لا يكون هدفا لنبال النبالين. أو مرمى لرماة المقذوفات والمحروقات! ما دام لم يقع في مزلقة أو في مزالق. فيقدم للقراء ما اعتبره حقيقة، بينما هو في واقع أمره عند الآخرين مجرد باطل وقبضة ريح!
ولنراجع جريدته الصادرة بتاريخ 28 مارس 2013م تحت عدد 734، للوقوف فيها على أكثر من مزلقة، وفي واضحة النهار، وبكثير من الاعتزاز! وبما أن الباطل أصبح عنده في ذلك العدد حقيقة لا غبار عليها، فإنني أجد نفسي ملزما بإخباره كيف أن المساهمة في الترويج لما لم نتيقن من معرفتنا به تضليل للرأي العام، عبر القراء المواظبين على قراءة “الحقيقة الضائعة”. فقد تعودوا على تصديق صاحبها. وكيف لا يصدقونه ويأتمنونه، وهو من جملة المنوطة بهم الأمانة الصحفية كنقطة ارتكاز للسلطة الرابعة؟
فما الذي وقع للرجل؟
وما الذي دفع به إلى الدخول في متاهة مظلمة غامضة؟
هذه التي سوف نحاول تقريب صورتها إلى القراء بلسان عربي مبين.
نسأله ونسأل قراء مقاله الأسبوعي، ومعهم كافة المغاربة والمسلمون أنى وجدوا: ما الأفضل في الدين: قول الرسول وفعله وتقريره؟ أم قول وفعل وتقرير غيره فيه؟ وهل بناء الأضرحة ورفع القباب عليها وزيارتها، والذبح عندها، والتوسل بأصحابها سنة من سنن جد العلويين والأدارسة والكتانيين، وجد كل مدع بأنه شريف إلى البيت النبوي ينتمي؟ أم هي مجرد فكر ضلالي ظلامي يلخصه ما سمي بالمحدثات أو بالمبتدعات؟
وهل يجرؤ صاحب قضيتنا، أو يجرؤ أي كان غيره على الادعاء بأن أقوال وأفعال وتقريرات غير الرسول في الدين، متقدمة من حيث الأفضلية على أقواله وعلى أفعاله وعلى تقريراته -صلى الله عليه وسلم-؟
لقد حز في نفس الرجل أن يقول بنكيران -ودفن جنازة الراحل إدريس بنعلي جار على قدم وساق- “اللهم صل على محمد”. بينما المغاربة منذ أجيال -كما قال- يصلون على الرسول بقولهم: “اللهم صل على سيدنا محمد”.
ثم تساءل: “ما هو المدلول الذي يقصده الوزير القدوة من حذف وصف سيدنا عن الرسول محمد، وهو يعرف أنه قطعت عبر التاريخ ملايين الرؤوس ممن رفضوا تقديس اسم الرسول”؟؟؟
فلأول مرة نسمع بأن ملايين الرؤوس قد قطعت، لأن أصحابها يكتفون حين الصلاة على المختار بالقول: “اللهم صل على محمد”! في حين أن الإخلاص للرسول من منظور المغاربة، يفرض عدم إسقاط “سيدنا” من أية صيغة تتم الصلاة بها عليه! مع أن صاحبنا في زعمه هذا المختلق لم يثبت مصدر ما ادعاه! ولا قدم مراجعه! إنها منه مزلقة تثير من السخرية بقدر ما تثيره من الدهشة والاستغراب!!!
عندما نزل على الرسول قوله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً”، سأل الصحابة معلمهم عن كيفية الصلاة عليه. فأجابهم صلى الله عليه وسلم إلى ما طلبوه، كما ورد عند مالك في الموطأ بقوله: “قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد”.
وفي بقية كتب الحديث أو كتب السنن، لم نجد إماما واحدا من الأئمة يسوق صيغة من صيغ الصلاة على المختار هكذا: “اللهم صل على سيدنا محمد” وإنما يسوقها بدون إثبات لفظة “سيدنا” فيقول: “اللهم صل على محمد”.
وإجماع الأئمة الذي سجلناه هنا، إنما هو نتيجة للاقتناع بكون الرسول قدوة، وللاقتناع بكوننا ملزمين باتباعه، وللاقتناع بأننا واعون بوجاهة قوله: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”. (يطلب الحديث عند مسلم في صحيحه). أي إن من ابتدع في الدين ما ليس فيه، إن بحذف، وإن بزيادة، رد عليه ما أحدثه ورفض منه بتوجيه نبوي يعرفه المحدثون والعلماء أعز ما تكون المعرفة.
وإلا، فهل كان صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى من يصفه بـ”سيدنا” والحال أنه سيد رغم أنف خصوم دينه. ثم إن كونه سيدا هو في اتباع نهجه! أو في التسنن بسننه. وهذا ما لم نجد له تطبيقا في الواقع، ونحن نمارس -كما ندعي- مسمى التدين. حتى من طرف الرسميين المتبجحين المتفانين على حد زعمهم في خدمة المعروف لديهم بتدبير الشأن الديني!
فليكن معروفا لقيدوم الصحفيين المغاربة بأن الصواب هو قولنا: “اللهم صل على محمد”، وليس هو قولنا: “اللهم صل على سيدنا محمد”. وما فعله بنكيران وإلى جواره الوزير مصطفى الخلفي، لم يكن بدعة. ولا من إملاءات الوهابية على أحد! وإنما هو من صميم ما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لصحبه الكرام البررة، ثم إنه من صميم ما عليه كبار الأئمة بدون ما استثناء، وفي مقدمتهم إمامنا مالك. والإمام متبوع مقتدى به.
يعني بكل بساطة أن من يقولون: “اللهم صل على سيدنا محمد” يخالفون سنته صلى الله عليه وسلم. وهم في الوقت نفسه يتقاطعون مع ما عليه مالك وكبار أصحابه وتلامذته. فصح أن محمد بن عبد الوهاب النجدي في هذه القضية على حق. وصح أن مخالفيه فيها من مغاربة ومن غير مغاربة على خطإ جسيم!!!
لكن بنكيران والخلفي، وكل من حضروا جنازة المتوفي إدريس بن علي رحمه الله وغفر له، لم ينجوا من الانغماس في المبتدعات التي لا علاقة لها بأقوال الرسول، ولا بأفعاله، ولا بتقريراته، ولا علاقة لها بمذهب مالك.
فطقوس الجنائز عندنا غريبة تماما عن الإسلام الحق! فالذين يتقدمون الجنازة يطلبون للميت من ربهم الرحمة والغفران في صمت مهيب، بعيدا عن الصياح بأذكار من جملتها “كلمة الإخلاص” أو “الشهادتين”. إضافة إلى بدعية قراءة القرآن والميت يحتضر. وقراءته والميت يجري دفنه أو جرى دفنه. بينما المطلوب هو الدعاء له وهو يدفن. والدعاء له بعد دفنه، وإن لم يتم الحضور إلى المقبرة. وهذا مذهب مالك الذي وقفنا عليه في “الموطأ” وفي “المدونة الكبرى” وفي مؤلفات أخرى مالكية غيرها معروفة للعلماء ولطلاب العلم بالمغرب. إلى حد أنها داخلة ضمن المواد التي يتم تدريسها حتى الآن في المدارس العتيقة. وأنا شخصيا من طلبة تلك المدارس.
يكفي الرجوع إلى “جواهر الإكليل شرح مختصر العلامة الشيخ خليل، في مذهب الإمام مالك إمام دار التنزيل”، وإلى “الدر الثمين والمورد المعين” وإلى “الخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية”. يكفي الرجوع إليها للتأكد من كون بدع الجنائز إنما أحدثها عندنا جاهلون بالدين! أو هي من إحداث المصرين على تحريفه أو على تشويهه!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *