من شعر التوحيد

قال أبو نواس :
إلهنا ما أعدلك … مليك كل مَن ملك
لبيك قد لبيت لك … لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك
والليل لما أن حلك … والسابحات في الفلك
على مجاري المنسلك … ما خاب عبد أمّلك
أنت له حين سلك … لولاك يا رب هلك
ما خاب عبد أمّلك … أنت له حيث سلك
لولاك يا ربي هلك … كل نبي وملك
يا مُخطئا ما أغفلك … عجل وبادر أجلك
واختم بخير عملك … ولا تسوف أملك
لبيك قد لبيت لك … لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك

وقال أمية بن أبي الصلت :
لكَ الحمدُ والنّعماء والملك ربنا … فلا شيء أعلى منك مجداً وامجداُ
مليك على عرض السّماءِ مهيمنٌ … لعزّته تعنوا الوجوه وتسجدُ
فسبحان من لا يعرفُ الخلقُ قدره …ومنْ هو فوقَ العرش فردٌ موحّدُ
هو الله باري الخلقِ والخلقُ كلّهم … إماءٌ له طوعاً جميعاً وأعبدُ
مليكُ السَّموات الشّداد وأرضها … يدومُ ويبقى والخليقةُ تنفدُ
وقال أيضا:ً
إلهُ العالمينَ وكلَّ أرض … ورب الرَّاسيات من الجبال
بناها وابتنى سبعا شداداً … بلا عمدٍ يربنَ ولا رجالِ
وسوَّاها وزينها بنور … من الشمس المضيئةِ والهلالِ
ومن شهب تلألأ في دجاها … مراميها أشدُّ من النَّصالِ
وشقّ الأرض فانبجستْ عيونا … وأنهاراً من العذب الزُّلالِ
وبارك في نواحيها وزكّى … بها ما كان من حرثٍ ومعالٍ
فكلُّ معمّر لا بدّ يوماً … وذي دنيا يصيرُ إلى زوالٍ
ويفني بعد جدته ويبلى … سوى الباقي المقدّس ذي الجلالِ

وتلك الأمثال
أُريها السُّهى وتريني الْقَمَر:
السُّهى كَوْكَب صَغِير خَفِي فِي نُجُوم بَنَات نعش. وَأَصل المثل: أَن رجلا كَانَ يكلم امْرَأَة بالخفي الغامض من الْكَلَام وَهِي تكَلمه بالواضح الْبَين، فَضرب السهى وَالْقَمَر مثلا لكَلامه وكلامها. يضْرب لمن اقترح على صَاحبه شَيْئا فَأَجَابَهُ بِخِلاف مُرَاده. قَالَ الشاعر:
شَكَوْنَا إليه خراب السوَاد … فَحرم فِينَا لُحُوم الْبَقر
فَكُنَّا كَمَا قَالَ من قبلنَا … أريها السها وتريني الْقَمَر
استنوق الْجمل:
كَانَ طرفَة عِنْد بعض الْمُلُوك وَالْمُسَيب بن علس ينشده
وَقد أتناسى الْهم عِنْد احتضاره … بناج عَلَيْهِ الصيعرية مكدم
كميت كناز اللَّحْم أَو حميرية … مواشكة تَنْفِي الْحَصَى بمثلم
فَقَالَ طرفَة ذَلِك، لأن الكناز من صِفَات الْإِنَاث وَقيل إِن الصيعرية سمة لا يوسم بهَا إِلَّا النوق خَاصَّة فَكَانَ قَوْله استنوق الْجمل عِنْدهَا.
يضْرب للمخلط الَّذِي يكون فِي حَدِيث ثمَّ ينْتَقل إِلَى غَيره ويخلطه بِهِ.

فوائد
قال الشاعر
لكل داء دواء يستطب به … إلا الحماقة أعيت من يداويها
قال ابن الجوزي: “معنى الحمق والتغفيل هو الغلط في الوسيلة والطريق إلى المطلوب مع صحة المقصود، بخلاف الجنون، فإنه عبارة عن الخلل في الوسيلة والمقصود جميعاً، فالأحمق مقصوده صحيح، ولكن سلوكه الطريق فاسد ورويته في الطريق الموصل إلى الغرض غير صحيحة، والمجنون أصل إشارته فاسد، فهو يختار ما لا يُختار، ويبين هذا ما سنذكره عن بعض المغفلين، فمن ذلك: أن طائراً طار من أمير، فأمر أن يغلق باب المدينة! فمقصود هذا الرجل حفظ الطائر…
والحمق غريزة: عن أبي إسحاق قال: إذا بلغك أن غنياً افتقر فصدق، وإذ بلغك أن فقيراً استغنى فصدق، وإذا بلغك أن حياً مات فصدق، وإذا بلغك أن أحمق استفاد عقلاً فلا تصدق”. من (أخبار الحمقى والمغفلين).

سحر البيان
خطر اللسان
كان يقال: مقتل الرجل بين فكّيه.
وقال بعض البلغاء: اللسان أجرح جوارح الإنسان.
وقال آخر: اللسان سبع صغير الجِرم كبير الجُرم.
وكان ابن مسعود، رضي الله عنه يقول: والذي لا إله إلا هو ما على الأرض شيء أحق بطول السجن من اللسان.
وقال بعض العرب لرجل وهو يعظه في حفظ اللسان: إياك أن يضرب لسانك عنقك.
وقد قيل:
إحذر لسانك أيّها الإنسان … لا يلدغنّك إنّه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه … كانت تهاب لقاءه الفرسان
وقال أبو محمد بن اليزيدي:
حتف الفتى لسانه … في جده ولعبه
بين اللهات مسكنه … ركب في مركبه
وقال آخر:
جراحات السّنان لها التئام … لا يلتام ما جرح اللسان
وقال ابن المعتز:
أيا ربّ ألسنة كالسيوف … تقطّع أعناق أصحابها
وكم قد دهى المرء من نفسه … فلا تؤكلن بأنيابها
وفي الحديث: “ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم”.
وقال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.

تعريف الأدب
قال ابن خلدون ـرحمه اللهـ في المقدمة: “هذا العلم لا موضوع له ينظر في إثبات عوارضه أو نفيها، وإنما المقصود منه عند أهل اللسان ثمرته، وهي الإجادة في فني المنظوم والمنثور على أساليب العرب ومناحيهم، فيجمعون لذلك من كلام العرب ما عساه تحصل به الملكة، من شعر عالي الطبقة، وسجع متساو في الإجادة، ومسائل من اللغة والنحو مبثوثة أثناء ذلك متفرقة يستقري منها الناظر في الغالب معظم قوانين العربية، مع ذكر بعض من أيام العرب ليفهم به ما يقع في أشعارهم منها، وكذلك ذكر المهم من الأنساب الشهيرة، والأخبار العامة. والمقصود بذلك كله أن لا يخفى على الناظر فيه شيء من كلام العرب وأساليبهم ومناحي بلاغتهم إذا تصفحه… ثم إنهم إذا أرادوا حد هذا الفن قالوا: الأدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارها والأخذ من كل علم بطرف”.

فسحة الواحة
قدم أعرابي على بعض أقاربه بالبصرة، فدفعوا له ثوباً ليقطع منه قميصاً، فدفع الثوب إلى الخياط فقدر عليه ثم خرق منه، قال: لم خرقت ثوبي؟ قال: لا يجوز خياطته إلا بتخريقه، وكان مع الأعرابي هراوة فشج بها الخياط، فرمى بالثوب وهرب، فتبعه الأعرابي وأنشد يقول:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله … فيما مضى من سالف الأحقاب
من فعل عِلج جئته ليخيط لي … ثوباً فخرقه كفعل مصاب
فعلوته بهراوةٍ كانت معي … فسعى وأدبر هارباً للباب
أيشق ثوبي ثم يقعد آمناً … كلا ومنزل سورة الأحزاب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *