ما وراء تعزية بوش وشيراك في نجيب محفوظ!!! هل تمنح جائزة نوبل لأدبائنا حبا في سواد عيونهم!؟ بقلم: إبراهيم أنفلوس

رحل نجيب يوم 31 غشت من عام 2006 وتركت وفاته ضجة كبيرة في الإعلام بأنواعه، وانهمرت عليه المدائح والإشادات من كل حدب وصوب، وفي ظل سيطرة هذه الدعاية الإعلامية، تختفي كثير من الحقائق التي لابد من الوقوف عليها، وتضيع ملامح الحدث في غبش الدعاية، ومن أجل ذلك وجب على كل صاحب قدرة أن يبين للناس الأوجه الأخرى التي خفيت عليهم، وذلك لتعزيز الوعي وتعميقه بدلا من تسطيحه ودفعه إلى سوق الشائعات الرائجة.
رحل نجيب، ذلكم الروائي العبقري، والأديب المصري، الذي أشاد به الغرب وأصعده منصة الريادة، وعلق له وسام القيادة، بعد حياة صاخبة مليئة بالشهرة المفضوحة في العالم، ومسيرة طويلة في تسويد الأوراق بما لا يرجع على الأمة بأي نفع، بل كان ضررها وإثمها أكثر من نفعها، حتى أصبحت تلك الروايات -على انحلالها وانحرافها- مقررا يدرس في مدارس بعض الدول الإسلامية، وكأن كتب الأدب عُدمت، وكأن أئمة المسلمين لم يتركوا تراثا من الأدب العربي الإسلامي للأمة، لكنها الخطة الشيطانية التي تريد صنع أدب عربي بإشراف غربي، تلبّس به على سذّج المثقفين، ومدّعي الأدب، محاولة من خلاله قطع المسلمين عن تراثهم النقي، وربطهم بثقافة محدثة تقطر بالأفكار الهدامة، والأخلاق الفاسدة.
رحل نجيب، والكل يتكلم عنه ويشيد به وبرواياته، وكل متتبع للقنوات الفضائية يرى تعزية بوش وشيراك وغيرهما وحزنهم عليه، والكل قد يعلم أن الغرب أناله جائزة “نوبل” واحتفى به بعد روايته الأثيمة (أولاد حارتنا)، ولكن القليل من يسأل لماذا هذه الضجة؟ وماذا وراء الأكمة؟
ولهذه الأسئلة فنَجيبُ يجيب، حيث سئل بعد فشله في محاولته الأولى لنيل الجائزة: إذا منحت لك جائزة “نوبل” هل سترفضها مثلما فعل سارتر؟ فأجاب: “نعم سأرفض هذه الجائزة لو منحوني إياها، لأن البعض اعتقد أنني أدعو إلى السلام و(كامب ديفيد) من أجل الحصول على جائزة “نوبل” التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية”. وبمجرد حصوله عليها بادر إلى قبولها وفرح وافتخر بذلك، وصار يثني ويمدح، وبذلك يعترف على نفسه بأنه مساند للصهيونية العالمية.
أرجع فأتساءل: هل حَظِيَ نجيب بهذه البطولة الموهومة، من أجل تحريره القدس أو العراق أو أي شعب مسلم من أيدي المحتلين الغزاة المغتصبين، الذين يتمتعون بتعذيب وقتل وتشريد المسلمين؟!
إن الغرب لا يشجع من الأدباء إلا من يمتثل لنشر أفكاره العلمانية في مجتمعاتنا، ويعيد إنتاج فكر أدباء الثورة على الكنيسة، وينشر الانحلال والرذيلة إيمانا منه أن هذه هي أقرب الطرق إلى تغيير منهج التفكير لدى المسلمين، وقبولهم بالعلمانية شرعة ومنهاجا.
فهل كان نجيب محفوظ سيعطى جائزة “نوبل” للأدب لولا إساءته الأدب مع الله؟! وهل كان أدباء آخرون من أمثال (الطاهر بنجلون) المغربي الذي حاز جوائز دولية كجائزة “كونكور” عن روايته “ليلة القدر” nuit sacrée`؟! و(سلمان رشدي) و(تسنيمة نسرين) الذين حظوا بالتقدير الغربي لولا الجرأة على عقيدة المسلمين، والتطاول على مقدساتهم.
من هو نجيب:
حصل نجيب محفوظ على إجازة في الفلسفة، وتقلّد عدة مناصب منها عمله مستشاراً لوزير الثقافة وعضوا في المجلس الأعلى القومي للثقافة، نال وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى.
تقلب في انتماءاته فعاش وفديا في العهد الملكي حين كان حزب الوفد بارزاً، واشتراكيا في عهد عبد الناصر، ونادى بالسلام مع اليهود في زمن السادات، ثم ليبراليا في العهد الأخير، وفي خلال ذلك كله لم يتخل عن إيمانه بالعلمانية ومعاداته لتحكيم الإسلام في الحياة، وكراهيته للدعوات الإسلامية المنادية بذلك، كما لم يتخل عن إيمانه بالنموذج الغربي والاعتزاز بالأصل الفرعوني.
كما حصل على جائزة رابطة التضامن الفرنسية العربية، وفي سنة 1989 مُنح جائزة “نوبل” بعد روايته “أولاد حارتنا”، وقد بادر بتهنئته فور فوزه وزير خارجية الدولة الصهيونية “شمعون بيريز”، كما احتفى به سفير الدولة الصهيونية في القاهرة.
والرواية رمزية تجرّأ فيها على الله سبحانه وتعالى وأنبيائه عليهم السلام، واستطاع أن يقول بالرمز كل ما عجز عن قوله صراحة. بدأ نشرها مسلسلة في جريدة الأهرام، ثم على إثر توقيفها لفتوى علماء الأزهر في مصر، طبعت في كتاب عن دار الآداب ببيروت.. وملخصها لايخرج عن فكرة الصراع بين العلم والدين، ثم تكون النهاية بانتصار العلم، ويعني به الاشتراكية الإلحادية.
وتدور الرواية وأحداثها في دائرة استخفاف وسخرية بالله تعالى وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام؛ فإن الحارة رمز للدنيا وأولاد الحارة هم البشر من لدن آدم عليه السلام إلى العصر الحاضر، و”الجبلاوي” المتسلط في الرواية رمز لله سبحانه وتعالى، و”قاسم” رمز لمحمد صلى الله عليه وسلم، وجعله مدمن خمر وحشيش وصاحب نساء، و”جبل” رمز لموسى عليه السلام لأن الله كلمه في الجبل، و”رفاعة” رمز لعيسى عليه السلام لأن الله رفعه، وجعل “عرفة” رمزًا للعلم الذي يقتل “الجبلاوي”!! نعوذ بالله من الخذلان.
وقد ترجمت روايته هذه إلى اللغة السويدية بعنوان: “موت الإله” وفكرة موت الإله كما يقول الأستاذ المهنا: “فكرة فلسفية غربية، كتب عنها نجيب محفوظ في بداية حياته مقالات عدة، وخاصة عندما كان يدرس الفلسفة، وهي مستقاة من مقالات وكتب لسلامة موسى” النصراني الحاقد على الإسلام، ومنه استفاد نجيب وجهته: الفرعونية والماركسية.
حيث يقول: “كان لسلامة موسى أثر قوي في تفكيري، فقد وجهني إلى شيئين مهمين، هما العلم والاشتراكية، ومنذ دخلا مخي لم يخرجا منه إلى الآن”.
ويقول: “كان سلامة موسى هو الراعي والمربي الأدبي لي.. إنه أستاذي العظيم”.
وعلى الرغم من الضجة التي تولدت عن هذه الرواية، والغضب الذي ثار على نجيب، حيث وصل الأمر إلى محاولة اغتياله؛ فإن نجيب يتبجح بروايته ويقول: “إن “الثلاثية” و”أولاد حارتنا” و”الحرافيش” هم أحب أعمالي إلى نفسي”.
رواياته وصبغتها:
صدر له ما يقارب الخمسين مؤلفا، ترجم معظمها إلى باقي اللغات العالمية، منها: الشحاذ، ثرثرة فوق النيل، رادوبيس، خان الخليلي، عبث الأقدار، الحرافيش.. الخ
يقول الأستاذ أنور الجندي: “الجنس واضح في معظم روايات نجيب محفوظ، شأنه في ذلك شأن إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي، ولكنه عند محفوظ أشد خطورة؛ فهو يجعله نتيجة للفقر، ولا يرى للمرأة إذا جاعت إلا طريقاً واحداً، هو أن تبيع عرضها”.
يعتمد نجيب محفوظ في معظم رواياته على اللغة الرمزية، مستفيدًا من دراسته الفلسفية، وهذه الرمزية تتيح له أن يبوح بفكره الماركسي، ولمزه للإسلام بواسطة الرموز التي لا تُدرك إلا بعد التأمل.
يقول نجيب:
– “إني مناهض للرجعية، وإن المثل الأعلى الذي أقترحه على الجيل الحالي هو الاشتراكية”.
– “أوروبا تمكنت من حل المشكلة الجنسية بطريقتها الخاصة، تجد أن البنت عمرها 15-16 تلتقي في حرية تامة مع أي شاب، لا مشكلة جنسية ولا مشكلة عفاف ولا بكارة، وحتى إذا أثمرت العلاقة طفلاً، فالطفل يذهب إلى الدولة كي تربيه إذا كانت أمه لا تريده”.
وللقارئ الكريم كامل النظر في الحكم على هذا الرجل ورواياته!!
والقصد من هذا المقال تحذير من كان ضحية الدعاية المزيفة ممن أُعجب بكتابات نجيب، وتحذير أصحاب الأقلام، وحماة التراث، وتذكيرهم بمثل هذا اليوم الذي رحل فيه نجيب، فكل الناس سيرحل، وكل من ذاق من كأس الحياة لابد أن يذوق طعم الممات؛ قال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت}.
وما من كاتب إلا سيفنى *** ويَبْقى الدهرَ ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء *** يسرك في القيامة أن تراه
فإياك إياك أيها الكاتب أن تورّث كتاباً أو ورقة أو سطراً، تموت وتبلى عظامك، وتبقى تبعاته وآثامه عليك.
وختاماً أقول: إن مشكلة الأمة هو ضعف التصفية، وانعدام الموازين الشرعية، التي تمكّن كل واحد أن يعرف ما يستحقّ أن يقرأ وما لا يستحقّ، حتى لا يتسلل جرثوم إلى جسم الأمة المنهك بالأمراض، فنحن في زمن تُخَلّف فيه الأقلام كل يوم أطنانا من زبالات الأفكار، وفضلات العقول من انحلال وخلاعة، وتشكيك بالثوابت وزندقة. والله المستعان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *