سواد الليل لا يتبعه إلا ضوء الصبح، وإن الصبح من رحم الظلماء مسراه. فقد اشتدت عتمة الباطل وازور ليل الفسوق، واحلولكت ظلمة الفجور، وتأججت نار الفسقة الفجرة، وانتهى ما بيدهم من وقود يوقدون به على نار الفتنة والضلال، فلا نراه إلا صبح الحق أوشك على السطوع، وانبلاج ضوء الخير على مقربة من قلوب المتلهفين.
فإن من قدر الله وسنته في الكون أنه ما أن يسود الشر ويطغى حتى يهيئ الله للأمة من يعيدها لجادة الصواب، ويبصرها بمواقع الخطى على درب الهدى والحق، فقد حكى لنا القرآن عن قوم نوح وعاد وثمود ولوط وأصحاب مدين وقرونا كثيرة بلغت ذروة الضلال والانحلال فجاء الأنبياء مصححين للمسار، ومعيدين البشرية إلى رب العباد.
ومن تأمل في واقع المسلمين اليوم من المحيط إلى الخليج يرى تكالب المفسدين على اختلاف الملل والنحل والمذاهب على الإسلام والمسلمين، وقد استنفذوا كل السبل والوسائل، ما يخطر منها على بال وما لم يخطر، فتنوعت الفتن والأهواء، وتعددت الشبه والشهوات، وبألف لون وألف شكل، كل ما طلع منها سهم إلا وكان أشد وقعا مما سبقه، بل إن من الغرائب التي ركبها أعداء الدين والملة للصد عن التدين الصحيح، تثير الدهشة والحيرة، وتشد القلب وتوقف الشعر، ترى فيها الاصرار العجيب من هؤلاء الذين يحاربون الله في دينه وخلقه وكونه.
نشروا الفساد والإباحية والخنا وغسلوا الأدمغة وطبعوا الشعوب مع المنكر، ومع كل هذا وما سخر له من الإمكانيات والجهود والأموال والأوقات، لم يكفهم ذلك حتى تقمصوا دور العلماء والدعاة وصدروا للناس أشباه العلماء ينثرون عبر الأثير بلاوي وأباطيل باسم الفتاوى والاجتهادات وجعلوا منهم ضحكة ومسخرة عند العوام!
وفي مقابل تشويه سمعة العلماء الربانيين المصلحين الذين يحملون هم الدين بصدق، حتى إذا تكلموا نفر منهم جماهير المسلمين المغيبين بفعل تأثير سحر الإعلام الداعر الماجن الذي حمل على عاتقه أن يحرق الأخضر واليابس، وأن يخوض حربا بلا هوادة لاستنزاف القيم واستئصال الأخلاق حتى ونحن في الشهر الفضيل الذي تصفد فيه الشياطين ومردة الجن، وتجتهد فيه شياطين الإنس ومردتها حتى تحول بين المسلمين وبين أوبة جماعية إلى التدين الصحيح القائم على نبذ الشهوات والأهواء والغرائز التي يقتات عليها الإعلام الماجن والتي هي رأس ماله، عليها يحيا وعليها يموت.
لقد حقق الفسدة كثيرا مما سعوا إليه، فسار الفساد الأخلاقي والعقدي والفكري هو الصورة الطاغية على المشهد العام، فشاع الظلم والقهر والتحكم، وجاهر الناس بالمعاصي وانتهكوا حرمات الأماكن والأزمان، ودونك ما يحصل في هذا الشهر الفضيل وبجوار بيوت الله، ناهيكم عن موبقات جسيمة صارت خبرا مألوفا في المجتمع من قبيل زنى المحارم وقتل الأصول وغيرها مما يندى له جبين من لا زال في قلبه ذرة من حياء، ورغم كل هذا لم يعد يروق لزمرة الفساد وجود قلة قليلة تتدثر بدثار الوقار والطهر، ممن سلم من شرك فسادهم واستعصى عليهم تدجينه وتفسيقه فتكالبوا عليهم وتنادوا أن أخرجوهم من قريتكم لأنهم أناس يتطهرون.
فحيكت الحيل وسبكت التهم، وتداعوا كل من جهته ليحولوا بين هذه الفئة وبين أن يكون لهم موقع قدم، أو صوت مسموع، ولا حتى شكل وسمت يعرفون به في المجتمعات الإسلامية، حتى لا يكونوا دعاة أخلاق وفضائل ولو بسمتهم وسلوكهم على الأقل، أي حقد دفين وأي بغض هذا للفضيلة فاقوا به الشياطين.
مظاهر أغزر من أن تذكر، ووقائع أوضح من أن تشهر، تؤكد بالملموس أن ليل الباطل اشتد سواده، وزواله حان أوانه، وأهل الباطل قد نفذ ما بأيديهم من حيل، وأنهم ما زالوا يعيشون على نهج قديم في محاربة الحق، دون أن يدركوا، أو من شدة الغباء، ولربما كونها إرهاصات نهاية عهد وبداية آخر، ولله في تدبير كونه غرائب وعجائب لا تخطر على بال.
ولذلك فمواجهة الحق بعنف دليل على نفاذ الصبر وافتقاد الأناة والسكون الذي كانوا يشتغلون به منذ عقود، حيث يفسدون بوضع برامج وخطط على مهل وبكل أريحية، فالقلق باد واضح لما يروه من وميض نار الحق تحت رماد باطلهم.
إلى أن يطلع فجر الهدى يحمل في تباشيره التقى والحياء، والستر والوفاء، والطهر والكرامة، والعزة والشهامة، نقول لشرذمة الفساد كفى فإن للباطل جولة وللحق صولة، فعودوا إلى رشدكم وتوبوا إلى ربكم، وكونوا أنصارا لله كحواريي عيسى، واستسلموا للحق كسحرة فرعون، ولا تقنطوا من رحمة الله فإن الله يغفر الذنوب جميعا.