عذرا السيد الرئيس لم تحسن التقدير محمد بوقنطار

عيب الآخذين بناصية الحكم الإسلامي السلو والنسيان، ذلك أن الذاكرة الفكرية والتاريخية للإسلاميين بدت مأخوذة بنشوة الانتصار الذي حققته بآليات نفخ في بوقها العلمانيون لعقود طويلة، إذ صوروها حلا لكل مشكل؛ وفرجا من كل كرب؛ ومرضاة لكل طرف كيفما كان الطيف وأيّما كان الانتساب.
فالرئيس المصري محمد مرسي وهو يقيل المشير الذي تربى في كنف مبارك ونمى وترعرع في خدمة الأجندة الصهيوصليبية، لم يختر ولم يجد كبديل له إلا واحدا من الذين جلسوا على كرسي المخابرات العسكرية طويلا في عهد المخلوع مبارك، زد على هذا تدبير ملف النائب العام في جو قضاء فاسد وغمرة قضاة مفسدين، وهو بهذا وبغيره لم يسمع أو لم يقرأ ما سطره الكواكبي في طبائعه حينما تكلم عن المستبد وأعوانه مشيرا إلى أن المستبد لا يأمن على بابه إلا من وثق به أنه أظلم منه للناس وأبعد منه عن أعدائه، وهو بهذا الاختيار والتهور بدى كالمستجير من الرمضاء بالنار.
وحتى لا نحمل الرجل ما لا يطيق هو وجماعته نفتح باب المعذرة، إذ كل من عاش لحظة سقوط نظام مبارك وتهاوي أوراق استبداده وما صاحب ذلك من تدخل فاحش وسادي لجهازي الشرطة وأمن الدولة في مقابل إمساك الجيش عن التدخل في حيادية وتجرد قرأها هو وبعض المتهورين السياسيين على أنها إشارة واضحة لتخلي مؤسسة الجيش عن الرمز والمؤسس والرفيق، بل ذهب البعض بعيدا إذ رأى في هذا الإمساك اصطفافا لهذه المؤسسة إلى جانب الشعب القانع المعتر الذي سئم الوقوف طويلا في طوابير الاشتراكية الطوباوية يستجدي الخبز الحافي والفراخ النافقة، والأكيد أن الحقيقة كانت غير ذلك، فلا ذلك الإمساك ولا تلك الحيادية والتجرد في ضوء ما آلت إليه الأمور بعد 30 يونيو كان على الحق والصدق إمساكا وتجردا وحيادية.
ولعل الكثير من المنصفين باتت اليوم أجزاء كبيرة من الحقيقة في حاويات أذهانهم، وإن كان هذا قد احتاج سيلا من الدماء البريئة وركاما من قرابين المصريين، نقلهم هذا الامتلاك بمزاياه إلى فتح باب السؤال على مصراعيه، سؤال يبحث في ماهية وسر ذلك الإمساك الذي اختاره الجيش ومؤسسة الضباط الأحرار يوم 25 يناير والذي قام بنسفه بعد 30 يونيو ليقوم بصب العذاب على “الغلابة” المصريين صبا.
فهل كان مبعث ذلك الإمساك هو الانتصار للمظلوم من الظالم والانحياز إلى صف الشعب المقهور، أم أن الأمر لا يعدو أن كان ويكون أوامر إقليمية أملتها مصالح غربية، على رأسها الحفاظ على الصورة السريالية لثورة أحرار عبد الناصر حين تم الاستيلاء على الحكم من طرف مجموعة من الضباط يومه 23 من يوليو عام 1952م، بزعم تحقيق مجموعة مبادئ اقتداء بالنموذج الغربي في الحكامة، يوم كانت الشعوب بما انقدح في وجدانها من شعارات سرابية نسجت حول شخصية الزعيم العظيم تنظر إلى ذلك الانقلاب على كونه كان “ثورة مباركة”، وهي الصورة التي فقدها خلال ثورة 25 يناير وربما إلى الأبد جهاز أمن الدولة ومعه الشرطة وشعارها الملغوم شعار “الشرطة في خدمة الشعب”.
وفي ظل هذا الفقد لم يكن للغرب ومعه فلول الدولة العميقة أن تغامر وتقامر في رهانها بالمؤسسة العسكرية، سيما وأن ثورة يناير تميزت بعنصر البغثة والمفاجأة أولا، وأنها ثورة شعبية لم يكن لها رأس يمكن الأخذ بناصيته أو مساومته أو حتى قراءة خواطره واستشراف مقاصده ثانيا، أضف إلى هذا ما صاحب هذه الثورة من تفسيرات لم تتجاوز عتبة البدائية حيث جاءت متأثرة بصور عاش النظام السابق يروج لها عن شعبه ثم عن عياله الذين يجيدون اللهو وراء جهاز الكمبيوتر، بل وحتى بعد نجاح الثورة في الإطاحة برأس مبارك وجره ووريثه للمحاكمة لم يفت الفلول أن يروجوا لفكرة أن النجاح جاء في ثوب حداثي اسمه “الفيسبوك” وهي نافذة غربية لم تكن لتعطي للجالسين في غرفة التخطيط لما بعد الثورة المؤشرات الكافية التي تصرح ولا تلمح بأن تركة الحكم الفرعوني يمكن أن تؤول إلى الورثة الإسلاميين من إخوان وسلفيين، بل لم تكن لتعطي حتى بعد جلوس الإخوان على عرش الكنانة الصورة الحقيقية عن هذا الجلوس، وأنه ليس إلا جلوس في إطار الحق المتاح لابد أن يليه ويتبعه وقوف وتمكين يوصل الإسلاميين ويبلغهم حقهم المنشود حق إقامة خلافة على منهاج النبوة ولو بعد حين وإن أول الغيث قطرة.
وجدير بالإشارة أن إمساك العسكر أول الأمر لا يمكن أن نقرأه حصرا وقصرا من جهة أنه إمساك ساهم فيه سوء تخمين النخبة العسكرية والعلمانية المدنية فقط، بل لابد أن نضيف لخلطته أن العسكر بما يملكه من قوة عددية وعتادية ظل يمسك بزمام الأمور ولو من بعيد لازمه في ذلك شعور الأنا بكونه قادر على الاستدراك أنّى شاء وبالشكل الذي يقتلع به أي ضرس أسهم في صداع كيان دولته العميقة.
وهذا الذي حصل حذو القذة بالقذة حيث جاء الانقلاب خاطفا ضاربا بأصول ديموقراطية المستصرخين بدبابته، متلوا بمجازر أحدثتها فوهات خونة الجيش في نحور الساجدين العزل المطالبين بعودة الشرعية، وما صاحب فض الاعتصامين بعد ذلك من مذابح يندى لها جبين الإنسانية.
ومرة أخرى نجد أنفسنا مدفوعين بعد رفع حجاب المعذرة إلى أن نعيب على السيد الرئيس محمد مرسي كونه أخطأ التقدير بخصوص حجم وحياة وحقيقة الاستبداد ولم يقرأ للكواكبي مرة ثانية وهو يصف داء الاستبداد قائلا “لو كان الاستبداد رجلا وأراد أن ينتسب لقال: أنا الشر وأبي الظلم وأمي الإساءة وأخي الغدر” فماذا يمكن للمرء أن ينتظر من رجل هذا نسبه وهذه نسبته إلا ما رأيناه من جماعة السيسي وطغمة جبهة الإغراق.
رؤية تجعلنا نوقع على هذه السطور بإمضاء نقول في ذيله أن فكرة العسكر والشرطة ومعهما علمانية الإفلاس لو كانت من إيحاء إبليس وأزه ووسوسته لكان قد انتقم من آدم في أبنائه عظيم الانتقام، ولكان قد قاد بشيء من حرفية المكر والتلبيس رجال العود والرهق ممن صدق عليهم إبليس ظنه إلى مصيرهم المشؤوم حيث قول الله عز وجل: (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ، لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *