بعض العناصر المتعلقة بإصلاح الأسس المؤسساتية للمسؤولية المالية
وهذه من الأمور المهمة التي تستلزم الوقوف عندها، وذلك لأن الإطار القانوني المنظم لهذه المسؤولية يجب أن يكون أكثر ملاءمة لتطلعات الممارسين لوظيفة المحاسب العمومي، لكي يكون العمل أكثر شفافية ومصداقية.
وإذا كان اختصاص المجلس الأعلى للحسابات، حسب ظهير 14 شتنبر 1979، والذي تم نسخه بظهير 13 يونيو 2002، المنظم للمحاكم المالية يتحدد في رقابة حسابات المحاسبين العموميين، فإن هذه الرقابة تثير العديد من المشاكل، وتقتضي التفكير في إعادة النظر في أسسها في إطار يسمح بتسيير أفضل، واستمرارية جهاز مكلف بممارسة مهام الحفاظ على المال العام.
لقد حدد الفصل 25 من الظهير المنظم للمحاكم المالية نوعية العلاقة بين كل من المجلس الأعلى للحسابات والمحاسبين العموميين، والمتمثلة في النظر في حساباتهم، والتي من خلالها يتم إصدار مجموعة قرارات، كقرارات العجز التي تمتد إلى الذمة المالية لهؤلاء الموظفين، على اعتبار أن مسؤولية المحاسبين العموميين “مسؤولية شخصية ومالية”.
فأول إشكال يثيره القانون المنظم للمحاكم المالية، فكرة وصف المحاسبين العموميين بالمتقاضين أمام هذا المجلس، فرغم تأكيد النص صراحة على اختصاص هذا المجلس، فإن الأمر على خلاف ذلك في الواقع، بحيث يصبح لهذا الموظف العمومي صفة المتقاضي لمجرد اكتساب صفة محاسب عمومي.
إضافة إلى الملاحظة الخاصة بمسألة التقاضي أمام المجلس الأعلى للحسابات، هناك مسألة ينبغي إقرارها، وتخص مسألة تقادم النظر في حسابات المحاسبين العموميين من قبل المجلس الأعلى للحسابات، والتي تختلف عن آجال التقادم التي تشهدها باقي أنواع المسؤوليات، في حين أن مساءلة المحاسبين العموميين تمتد إلى ما بعد وفاتهم، ولذا أصبح من الضروري إقرار أجل أقصى للنظر في حساباتهم، ويترتب على انقضائه تقادم المسؤولية المالية وإبراء ذمة هؤلاء الموظفين.
وفي إطار التعاون مع المحاكم المالية ينبغي خلق لجان تشاورية تضم من بين أعضائها ممثلين عن المحاسبين العموميين وأعضاء هذه المحاكم، وذلك لتدارس المشاكل التي قد تنتج عن النظر في حسابات المحاسبين، وإيجاد أرضية للنقاش والتفاهم، لتفادي كل ما من شأنه أن يكرس المسؤولية المالية.
فالتغيرات على مستوى المحاكم المالية(1) أصبحت ضرورة ملحة بشكل تراعى فيه مصلحة المجتمع من خلال حماية المال العام، وأيضا حماية مصلحة المحاسبين العموميين.
بعض العناصر المتعلقة بإصلاح الشروط المادية والموضوعية للمحاسب العمومي
– أولا: إصلاح الشروط المادية للمحاسب العمومي
إن الحرص على المال العام، وتسهيل مهام المحاسبين العموميين عند ممارسة مهامهم، يقتضي إعادة النظر في العديد من الشروط المادية المرتبطة بهذه المهمة.
وهذه العناصر يمكن تحديدها في إمكانات مادية صرفة، كالبنايات التي يعمل فيها هؤلاء الموظفون، بحيث ينبغي تحصينها بالشكل الكافي والقادر على حماية الأموال العامة، وأيضا الاهتمام بالعناصر الحديثة في ميدان المراقبة، كالمنبهات الصوتية وعناصر المراقبة الإلكترونية، ووجود حراس دائمين، ولعل ما ينبغي التفكير فيه مسألة نقل الأموال العمومية، خاصة وأن أغلب المحاسبين العموميين لا يتوفرون على وسائل نقل هذه الأموال(2).
وفي هذا الإطار، ومن أجل التخفيف من مسؤولية المحاسب العمومي، لابد من اعتماد ميكانيزمات جديدة قادرة على تطوير مهام المحاسب العمومي الكلاسيكية، وتحقيق مردودية أفضل.
فالمعطيات الجديدة أصبحت تقتضي المساهمة الفعالة في ميدان تحصيل المداخيل من خلال اعتماد أفكار جديدة كما هو الشأن في فرنسا، من خلال عرض فكرة الاقتطاع المباشر لمبلغ الضريبة من حساب المكلف، وفكرة الأداء الشهري للضريبة، ومن خلال مساهمة عناصر أخرى في هذا الشأن وخاصة بنك المغرب(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- لزيادة التفصيل في ما يتعلق بإيجابيات وسلبيات مدونة المحاكم المالية ينظر «الرقابة العليا على المال العام الوظائف والإكراهات» لأستاذنا الدكتور محمد حركات، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد: 14 يونيو 2002.
(2)- Circulaire du Premier Ministre n° 4/98, Du 20 Février 1998, concernant la gestion et Fonctionnement du parc automobile des administrations publiques.
(3)- Voir: AL Maliya, Bulletin D’information du Ministère de l’économie et des Finances N° 23, Mai 2000, p: 29.