على مستوى تنفيذ النفقات العمومية، فإن الأمر أيضا يقتضي اعتماد بعض الوسائل الجديدة، كتقليص أجل النظر في أوامر الأداء من خلال سلوك مسطرة قانونية تخف فيها عناصر المراقبة، واعتماد تقنيات حديثة في هذا الشأن، وهذا ما سعت إليه المراسيم الأخيرة سواء المتعلقة بمراقبة الدولة مثل مرسوم المدونة الجديدة للصفقات العمومية لسنة 2007، ومرسوم مراقبة نفقات الدولة لسنة 2008، أو ما يتعلق بمراقبة الجماعات المحلية مثل مرسوم المحاسبة العمومية للجماعات المحلية وهيئاتها لسنة 2010.
وإلى جانب هذه الإمكانيات، فإنه من الضروري الاهتمام بالجانب المعلوماتي في المجال الوثائقي، من خلال خلق اتصال دائم بين كل من المصالح المركزية والمصالح الخارجية، وحل المشاكل التي قد تنشأ بين كل من الآمرين بالصرف والمحاسبين العموميين.
فالإمكانيات المادية على اختلاف أشكالها، ستسهم بشكل فعال في التخفيف من مسؤولية المحاسبين العموميين وتطوير مهامهم، بالشكل الذي سيمكن من تنفيذ السياسة المالية المتبعة من طرف الدولة في أحسن الظروف.
وإذا كانت مهام المحاسب العمومي تختلف عن المهام التي يقوم بها باقي موظفي الدولة، إضافة إلى طبيعة مسؤوليته المرتبطة بذمته المالية، فإن الواقع العملي وكثرة المهام المرتبطة بممارسة هذه الوظيفة أصبح يقتضي إعادة النظر في الامتيازات المادية(*) الممنوحة لهؤلاء الموظفين، وخاصة ما يتعلق بإعادة النظر في راتبهم وكذلك المكافآت المقدمة لهم، كما أنه يتعين إعادة النظر في ترقيتهم وإخضاعهم لمسطرة خاصة، بدل إخضاعهم للمسطرة العادية التي يتضمنها النظام الخاص بالموظفين العموميين.
ومن أجل إعطاء ديناميكية أكثر لمؤسسة المحاسبين العموميين، لا بد من إقرار إجراءات مادية تحفيزية مقابل الضغط النفسي والمادي الذي يشهده هؤلاء الموظفون في عملهم اليومي، والحيلولة دون نفور الأطر الشابة من هذه المهمة.
كما أصبح من الضروري إحداث نظام خاص لهذه الفئة من الموظفين من خلاله يتم فيه تحديد حقوقهم وواجباتهم، وبالتالي يشكل ضمانات معنوية في مواجهة المشاكل التي يتعرضون لها في محيطهم الخارجي، وبالتالي يعمل على خلق ضمانات جديرة بحماية المحاسبين العموميين في حالة مساءلتهم.
– ثانيا: إصلاح الشروط الموضوعية للمحاسب العمومي
إن المقصود بالشروط الموضوعية في مجال المسؤولية المالية للمحاسبين العموميين: الاهتمام بالأشخاص موضوع هذه المسؤولية من خلال اختيار الأشخاص القادرين على ممارسة المهمة، وإخضاعهم لتكوين قائم على فكرة مواجهة التطورات التي يشهدها العالم اليوم.
أ- وجوب إعادة النظر في اختيار المحاسبين العموميين
إن الاهتمام بممارسة مهام المحاسب العمومي، ونظرا لطبيعة المسؤولية التي تعرفها هذه المهمة، لا يقتضي فقط إعادة النظر في الإمكانيات المادية الموضوعة رهن إشارة هؤلاء الموظفين، من إمكانيات تقنية ووسائل قادرة على تحقيق مردودية أفضل، بل يتعين بالإضافة إلى ذلك إعادة النظر في طريقة اختيار المحاسبين العموميين، من خلال اتباع مسطرة قائمة على معايير ثقافية وموضوعية، والاعتماد على عنصر الشهادات وأيضا التجربة الميدانية التي ستساعد على إعداد محاسب عمومي قادر على حل المشاكل التي قد يعرفها محيطه، ويسهم في احترام القواعد القانونية الخاصة بالمحاسبة العمومية، والحفاظ على المال العام.
ولتحقيق هذه الغاية، لابد من خلق مراكز لتكوين المحاسبين العموميين، والتكوين ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار كل المستجدات الحسابية والقانونية، إضافة إلى اعتماد فكرة التكوين المستمر الذي يؤدي إلى الاستمرارية والتناسق بين ما هو ميداني وما هو مستحدث على مستوى القواعد المالية، كما أنه يتعين خلق مراكز للتكوين على مستوى الجهات بدل تمركزها في العاصمة الإدارية، وإعداد أطر مهامها الأساسية التكوين في مجال التسيير المالي العام أو المحلي.
وعن مسألة الاختيار لا يمكن إغفال الدور الاستشاري الذي ينبغي أن يمارسه المحاسب العمومي، فالمشاكل التي يعرفها محيطه تفترض فيه الاطلاع ليس فقط على قواعد المحاسبة العمومية، وإنما الاهتمام باختصاصات علمية أخرى، من أجل إسداء الرأي بشأن قرض، أو تكلفة مشروع، أو حول كيفية إخراج هيئة مالية مسيرة من مشاكل العجز التي تعاني منها، لذلك أصبح من الضروري العمل على اختيار الأطر الكفأة التي تعتبر في الواقع العنصر الفعال في مجال التسيير المالي العام، والقادرة على التخفيف من حدة المسؤولية المالية وحماية مصلحة المجتمع، والحوار والتشاور مع سلط القرار في مجال المساءلة، وهنا ينبغي التذكير بالمقترحات الخاصة بتحديث الإدارة في فرنسا، إذ أكدت هذه المقترحات على أن العنصر الأساسي في هذه العملية هو الاهتمام بالموظف نفسه أي العنصر البشري أكثر من الاهتمام بالتقنيات الأخرى.
يتبع..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)- Voir: Abdelfattah Bennani .op .cit , p: 59