قضايا و إجابات عن مقاومة أهل السنة للفلسفة اليونانية

سابعا: هل تجنى أهل السنة على العقل في مقاومتهم للفلسفة اليونانية؟:
ربما يقول بعض أهل العلم أن السنيين قد تجنّوا على العقل وغمطوا حقه عندما تصدّوا للفلسفة اليونانية وقاوموها بشتى الطرق، فهل هذا صحيح؟. أولا لا شك أن في الفلسفة اليونانية جانب عقلي صحيح في الطبيعيات والرياضيات وغيرها، إلى جانب كثرة الأخطاء أيضا في الطبيعيات والمنطقيات أيضا، وهذا أمر أقر به علماء أهل السنة، لكنهم ذكروا أن جانبها الميتافيزيقي قد سيطر عليها وأفسدها ولطخها بشركياته وضلالاته، فأفسدت هي أيضا العقل وصرفته عن مجاله الصحيح، وزجّت به في غيبيات وهمية، وملأته بالخرافات والضلالات والشبهات، وأبعدته عن المنطق الاستقرائي التجريبي، وأغرقته في الظنون والتجريدات في ظل المنطق الأرسطي العقيم؛ وبناء على ذلك يتبين لنا أن الفلسفة اليونانية هي التي أفسدت كثيرا من العقول وحمّلتها ما لا تُطيق، وأبعدتها عن مصدر الهداية الربانية خلال العصر الإسلامي.
وثانيا إن ما قام به أهل السنة، هو ليس حربا على العقل ولا تجنيا عليه وطعنا فيه ولا تقزيما له، وإنما هو إنقاذ له من الأهواء والانحرافات والضلالات، وانتصار له وللحقيقة وللدين ضد الأساطير والظنون والشبهات والأهواء، وذلك أن العقل السليم والفلسفة الصحيحة هما اللذان يُوصلان الإنسان إلى عبادة ربه والخضوع له والالتزام بشريعته، وهذا قمة الفلسفة والعقلانية والموضوعية العلمية، فالتصدي للفلسفة اليونانية ومقاومتها وانتقادها، وتخليص الإنسان منها، هو من ضروريات الشرع الحكيم، والعقل الصريح، والعلم الصحيح.
وختاما لهذا الفصل يتبين منه أن ترجمة العلوم القديمة إلى اللغة العربية، لم تكن ضرورية للمجتمع الإسلامي، وإنها أضرت به أكثر مما نفعته، وأن عدم قيام أهل السنة والفلاسفة بالفصل التام بين علوم الفلسفة اليونانية من جهة وبينها وبين إلهياتها ومنطقها من جهة ثانية، كان له الأثر السيئ الفتاك على الفكر الإسلامي، وحال دون قيام علوم طبيعية ورياضية وفلكية ذات إطار إسلامي علمي استقرائي تجريبي من جهة، ومستقلة عن ميتافيزيقا اليونان ومنطقها من جهة ثانية.
وتبين أيضا أن مقاومة أهل السنة للفلسفة اليونانية لها ما يُوجبها ويُبررها شرعا وعقلا، علما وواقعا، أمام سلبية فلاسفة المسلمين وانهزاميتهم تجاهها، وتجنيهم على الدين والعقل، فكانت مقاومتهم لها ولرجالها إنقاذا للعقل وانتصارا للحقيقة.
الخاتمة
قال الكاتب: توصلتُ من خلال بحثي هذا إلى طائفة كبيرة من النتائج والملاحظات، ذكرتها في مواضعها المناسبة من فصول هذا الكتاب، والتي منها أن ترجمة الفلسفة اليونانية إلى اللغة العربية تمت بطريقة خاطئة، فكان ضررها أكثر من نفعها، وأنها أفسدت عقائد وسلوكيات معظم فلاسفة المسلمين الذين حوّلتهم إلى سلبيين انهزاميين مقلدين متعصبين لها ولرجالها.
ومنها أيضا أن مقاومة أهل السنة للفلسفة اليونانية قد تنوّعت وسائلها وساهمت كلها في التصدي لها ولأتباعها، وهي وإن لم تنتصر عليها نصرا نهائيا حاسما كاملا، فإنها حققت نصرا كبيرا فعالا، كسر شوكتها، وحدّ من نشاطها، ونفّر الناس منها، وأبعد خطرها على الدين والعقل.
وتبين أيضا أن شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، كان على رأس علماء أهل السنة في التصدي للفلسفة اليونانية، فانتقدها في إلهياتها ورجالها ومنطقها وتراثها، وفق منهج شرعي عقلي علمي جمع بين الهدم والبناء، وتراثه الفلسفي في نقدها شاهد على ذلك ما يزال ينتظر المختصين ليدرسوه وينقدوه ويُظهرون ما له وما عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *