آيات تفهم على غير وجهها سورة الجن إبراهيم الصغير

– قوله تعالى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً} (الآية:3).
كلمة {جد ربنا} لا تعني الجد أي أب الأب -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- فهو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد.
قال القرطبي: الجد في اللغة: العظمة والجلال، ومنه قول أنس: كان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران جَدَّ في عيوننا، أي عظم وجل.
فمعنى: جَدُّ ربنا أي عظمته وجلاله، قاله عكرمة ومجاهد وقتادة؛ وقال أنس بن مالك والحسن وعكرمة أيضا: غناه، ومنه قيل للحظ جد، ورجل مجدود أي محظوظ، وفي الحديث: «ولا ينفع ذا الجد منك الجد».
قال أبو عبيدة والخليل: أي ذا الغنى، منك الغنى، إنما تنفعه الطاعة؛ وقال ابن عباس: قدرته.
– قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً} (الآية:4).
{سفيهنا} ليس الذي لا يحسن التصرف، بل هو إبليس.
في تفسير القرطبي: «والسفيه هنا إبليس في قول مجاهد وابن جريج وقتادة».
قال الإمام الطبري: «يقول عز وجل مخبرا عن قيل النفر من الجن الذين استمعوا القرآن: {وأنه كان يقول سفيهنا} وهو إبليس».
قال الماوردي: «{وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا} فيه قولان، أحدهما: جاهلنا وهم العصاة منا، قال قتادة: عصاه سفيه الجن كما عصاه سفيه الإنس؛ الثاني: أنه إبليس، قاله مجاهد وقتادة ورواه أبو بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم».
– قوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} (الآية:8).
هل المقصود هنا اللمس الحقيقي أم ماذا؟
قال الطبري: «وقوله: {وأنا لمسنا السماء} يقول عز وجل مخبرا عن قيل هؤلاء النفر: وأنا طلبنا السماء وأردناها».
قال القرطبي: «قوله تعالى: {وأنا لمسنا السماء} هذا من قول الجن، أي طلبنا خبرها كما جرت عادتنا فوجدناها قد ملئت حرسا شديدا، أي حفظة».
قال صاحب النكث والعيون: «{وأنا لمسنا السماء} فيه وجهان، أحدهما: طلبنا السماء، والعرب تعبر عن الطلب باللمس تقول جئت ألمس الرزق وألتمس الرزق؛ الثاني: قاربنا السماء، فإن الملموس مقارَب».
قال العلامة بن عاشور: «واللمس: حقيقته الجس باليد، ويطلق مجازا على اختبار أمر، لأن إحساس اليد أقوى إحساس، فشبه به الاختبار على طريق الاستعارة، كما أطلق مرادفه وهو المس على الاختبار في قول يزيد بن الحكم الكلابي:
مَسَسْنَا مِنَ الْآبَاءِ شَيْئاً فَكُلُّنَا ****إِلَى نَسَبٍ فِي قَوْمِهِ غَيْرِ وَاضِعِ
أي اختبرنا نسب آبائنا وآبائكم فكنا جميعا كرام الآباء».
قال العلامة السعدي: «{وأنا لمسنا السماء} أي: أتيناها واختبرناها».
– قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً} (14).
{القاسطون} تفهم على غير وجهها، لتشابهها مع {المقسطون}.
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل النفر من الجن: {وأنا منا المسلمون} الذين قد خضعوا لله بالطاعة، {ومنا القاسطون} وهم الجائرون عن الإسلام وقصد السبيل».
قال القرطبي: «قوله تعالى: {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون} أي وأنا بعد استماع القرآن مختلفون، فمنا من أسلم ومنا من كفر؛ والقاسط: الجائر، لأنه عادل عن الحق، والمقسط: العادل، لأنه عادل إلى الحق، يقال: قسط: أي جار، وأقسط: إذا عدل».
فالقاسطون ضد المقسطين.
{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً}.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *