من أعظم آثار الزواج إنجاب الأولاد، وهم أمانة عند مَن ولّي أمرهم من الوالدين أو غيرهما، فواجب شرعًا أداء هذه الأمانة بتربية الأولاد على هدي الإسلام، وتعليمهم ما يلمهم في أمور دينهم ودنياهم.
وأول واجب غرس عقيدة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وتعميق التوحيد الخالص في نفوسهم، حتى يخالط بشاشة قلوبهم، وإشاعة أركان الإسلام في نفوسهم، والوصية بالصلاة، وتعاهدهم بصقل مواهبهم، وتنمية غرائزهم بفضائل الأخلاق، ومحاسن الآداب، وحفظهم عن قرناء السوء وأخلاط الردى.
وهذه المعالم التربوية معلومة من الدين بالضرورة، ولأهميتها أفردها العلماء بالتصنيف، وتتابعوا على ذكر أحكام المواليد في مثاني التآليف الفقهية وغيرها.
وهذه التربية من سُنن الأنبياء، وأخلاق الأصفياء.
وانظر إلى هذه الموعظة الجامعة، والوصية الموعبة النافعة، من لقمان لابنه.. قد انتظمت هذه الموعظة من الوالد لولده أصول التربية، وتكوين الولد، وهي ظاهرة لمن تأملها..
وقال الله عز شأنه: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا..} [التحريم: 6].
فالولد من أبيه، فيشمله لفظ: {أنفسكم}، والولد من الأهل فيشمله: {وأهليكم} [التحريم:6]، وعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه في تفسير هذه الآية، أنه قال: (علموهم وأدبوهم) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب [العيال: 1/495].
والذرية الصالحة من دعاء المؤمنين كما في قول الله تعالى: {والذين يقولون ربنا هبْ لنَا من أزْواجِنَا وذُرِّياتنا قرةَ أعينٍ واجْعلنَا للمتِّقينَ إِمَامًا} [الفرقان:74].
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: (الرجل يرى زوجته وولده مطيعين لله عز وجل، وأي شيء أقر لعينه من أن يرى زوجته وولده يطيعون الله -عز و جل-. ابن أبي الدنيا في كتاب [العيال: 2/ 617].
..وجليٌّ من هذه النصوص، وجوب تربية الأولاد على الإسلام، وأنها أمانة في أعناق أوليائهم، وأنها من حق الأولاد على أوليائهم من الآباء والأوصياء وغيرهم، وأنها من صالح الأعمال التي يتقرب بها الوالدان إلى ربهم، ويستمر ثوابها كاستمرار الصدقة الجارية، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية)، وأن المفرط في هذه الأمانة آثم عاصٍ لله تعالى، يحمل وزر معصيته أمام ربه، ثم أمام عباده.
عن حميد الضَّبعي قال: كُنَّا نسمع أن أقوامًا سحبهم عيالاتهم على المهالك. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب [العيال: 2/ 622].
والله سبحانه يقول: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوًا لكم فاحذروهم..} [التغابن: 14].
ومن عداوتهم للوالدين: التفريط في تربيتهم، لما يؤول إليه من التأثيم.
قال مقاتل بن محمد العتكي: حضرت مع أبي وأخي عند أبي إسحاق -إبراهيم الحربي-، فقال إبراهيم الحربي لأبي: هؤلاء أولادك؟ قال: نعم، قال: احذر لا يرونك حيث نهاك الله فتسقط من أعينهم. صفة الصفوة؛ لابن الجوزي.
والشأن هنا في تشخيص البدايات المضرة، والأوليات المضلة التي يواجهها الأطفال، الذين بلغوا مرحلة التمييز بين الأشياء بالتفريق بين النافع والضار، والتمييز يختلف باختلاف قدرات الأطفال، وهي تلك البدايات التي يتساهل فيها في تربية الذرية بدافع العاطفة والوجدان، حتى إذا بلغ المولود رشده كان قد استمرأ هذه الأذايا، وخالطت دمه وقلبه، وكسرت حاجز النفرة بينه وبين ما يضره أو يضله، فيبقى الوالدان والأولياء في اضطراب ونكد، ومكابدة في العودة بهم إلى طريق السلامة..
فصار حقًا علينا بيان هذا الأصل، الذي يقوم على أسس الفطرة، والعقيدة الصحيحة، والعقل السليم، في دائرة الكتاب والسنة، ولفت نظر الأولياء إليه، ليكون وعاءً للتربية الأولية للمواليد، وحفظهم من البدايات المضرة بدينهم ودنياهم، فمن هذه البدايات المضرة بالفضائل، لا سيما الحجاب. حراسة الفضيلة للدكتور بكر أبو زيد رحمه الله.
قال العلاَّمة ابن القَيِّم -رحمه الله-: “فمَن أهمَلَ تعليم ولده ما ينفعه، وترَكه سُدًى، فقد أساء إليه غايةَ الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادُهم من قِبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترْك تعليمهم فرائضَ الدين وسُننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولَم ينفعوا آباءَهم كبارًا” تحفة المودود؛ لابن القيم، ص:229.