…………………………… بل يستفاد القطع من نصوص
تضافر استقراؤها في معنى ……………………………..
«بل يستفاد القطع» بذلك فيه «من نصوص» شرعية كلها.
«تضافر» تعاضد واتفق «استقراؤها في» إفادة واقتضاء «معنى» واحد معين، كإفادة النصوص الشرعية على قطع وجوب حفظ النفس، وإفادة ما تواتر عن الصحابة من العمل بخبر الواحد وجوب العمل به، ومثل هذا كل ما تضافرت النصوص الشرعية على إثباته.
…………………………… فجاوزت للقطع فيه الظنا
فالاجتـمـاع فيـه بـالإطـلاق **ما لا يكون مع الافتـراق
وهو كذي تواتر في المعنى **كجـود حـاتـم بحيث عنـا
شأن ثبوت القطـع بالصـلاة ** ………………………..
«فجاوزت» بمقتضاها وحكمها «للقطع فيه» أي في هذا الذي تضافرت على إثباته «الظنا» الذي يفيده فيه ظني واحد.
«فالاجتماع فيه» من القوة «بالإطلاق» سواء كان اجتماعا معنويا -كاجتماع الأدلة على حكم ما- أو حسيا -كاجتماع الناس على حمل صخرة مثلا- «ما لا يكون مع» حصول «الافتراق»، وهذا بيِّن، والحس والتجربة يشهدان عليه.
«و» ذلك أن تضافر الأدلة الظنية ورفعها إياه إلى القطع «هو كذي» أي كخبر ذي «تواتر في المعنى» أي في الحكم والصورة «كجود حاتم» الطائي، فإنه قد ثبت بأخبار الآحاد في الأصل، وهي لا تفيد إلا الظن، ثم لما تواترت الأخبار ارتقى الحكم فيه من الظن إلى القطع «بحيث عنا» أي في أي محل عرض ذكره.
فالناس يقطعون بثبوته كما يقطعون بوجود مكة وبغداد وشجاعة علي رضي الله عنه، في كون شأن ثبوت هذا مثل «شأن ثبوت القطع» والجزم «بـ» وجوب «الصلاة» وبهيئتها التي تؤدى بها اليوم في بلاد أهل السنة.
…………………………. **والـحـج والصـيــام والـزكــاة
وعـدم اعـتـبــار هـذا أدى ** قوما لأن هدوا النصوص هدا
«و» ثبوت القطع بوجوب «الحج» وكونه على هذه الهيئة التي يؤديه عليها أهل السنة في الجملة «و» ثبوت القطع بوجوب «الصيام» وثبوت القطع بوجوب إخراج «الزكاة» على من تجب عليه.
وكل ذلك إنما يحصل بتضافر الأدلة الظنية عليه، فصار اعتبار هذا الذي تقدم ذكره من أن الأدلة الظنية إذا تضافرت على أمر مفيدا القطع فيه «وعدم اعتبار هذا أدّى» أي أوصل «قوما» من المتأخرين «لأن هدّوا» أي هدموا وردّوا «النصوص» المستدل بها في هذا العلم على حدتها وانفرادها من غير ضم النصوص الأخرى التي تعضدها في الدلالة على ما دلت عليه في بناء المسائل الأصولية، وإنما ردوها وهدموها لأنهم رأوا أنها أدلة ظنية وهي لا تفيد القطع، فلا يستدل بها في الأصول، ولو اعتبروا هذا الذي تقدم ذكره ما وقعوا في هذا الهدم والرد.
قال الشاطبي في هذا: «وإذا تكاثرت على الناظر الأدلة، عضد بعضها بعضا فصارت بمجموعها مفيدة للقطع، فكذلك الأمر في مآخذ الأدلة في هذا الكتاب وهي مآخذ الأصول، إلا أن المتقدمين من الأصوليين ربما تركوا ذكر هذا المعنى والتنبيه عليه، فحصل إغفاله من بعض المتأخرين، فاستشكل الاستدلال بالآيات على حدتها وبالأحاديث على انفرادها، إذ لم يأخذها مآخذ الاجتماع فكر عليها بالاعتراض نصا نصا، واستضعف الاستدلال بها على قواعد الأصول المراد منها القطع»(1).
وفي اعتـبــاره في الاستـدلال **رفع لما يعرض من إشكال
ألا ترى الخمس الضروريات **…………………………..
«وفي اعتباره» أي في اعتبار أن الأدلة إذا عضد بعضها بعضا صارت بمجموعها مفيدة للقطع «في الاستدلال» بما ذكر من النصوص «رفع» وإزالة «لما يعرض» في هذا الشأن «من إشكال» وهو كيف يستدل بالظني في إثبات القطعي؟ وهو ما أجيب عنه بما تقدم، وهو أن الظنيات إذا تضافرت على أمر أفادت فيه القطع.
«ألا ترى» أن «الخمس الضروريات» وهي الدين والنفس والمال والعقل والعرض، ووصفها بالضروريات لأن حفظها شرعا ضروري.
……………………… معلومة القطع على البتات
لا بدلـيـل واحـد معيـن ** بل جملة أفضت إلى التيقن
وهي «معلومة» أن حكمها «القطع» من جهة أنها ضرورية بلا ريب، بل «على البتات» أي القطع والجزم.
لأن ذلك «لا» يحصل «بدليل» واحد «معين» في إفادة هذا الحكم «بل» ذلك يحصل بـ«جملة» أدلة متضافرة عليه لا تنحصر في باب واحد، وهي التي «أفضت» أوصلت «إلى التيقن» والقطع به.
قال الشاطبي: «ودليل ذلك استقراء الشريعة والنظر في أدلتها الكلية والجزئية، وما انطوت عليه من هذه الأمور العامة، على حد الاستقراء المعنوي الذي لا يثبت بدليل خاص بل بأدلة منضاف بعضها إلى بعض، مختلفة الأغراض بحيث ينتظم من مجموعها أمر واحد تجتمع عليه تلك الأدلة، على حد ما ثبت عند العامة من جود حاتم وشجاعة علي -رضي الله عنه- وما أشبه ذلك فلم يعتمد الناس في إثبات قصد الشارع في هذه القواعد على دليل مخصوص، ولا على وجه مخصوص بل حصل لهم ذلك من الظواهر والعمومات، والمطلقات والمقيدات، والجزئيات الخاصة، في أعيان مختلفة ووقائع مختلفة، في كل باب من أبواب الفقه، وكل نوع من أنواعه، حتى ألفوا أدلة الشريعة كلها دائرة على الحفظ على تلك القواعد، هذا مع ما ينضاف الى ذلك من قرائن أحوال منقولة وغير منقولة»(2).
وسائر القواعد الشرعية بهذه المثابة المرعية
وباعتبار حالة المجموع ……………………
«وسائر القواعد» التي تبنى عليها الأحكام الشرعية درجة ثبوتها «بهذه المثابة» أي المقام والمنزلة «المرعية» في إثبات القطع في هذه الضروريات، فالأمر المفضي إلى القطع في ذلك كله واحد، وهو تضافر الأدلة عليه.
«و» إذا تقرر هذا فإنه «باعتبار» ومقتضى «حالة المجموع» الذي يعتمد في الأصول على الوجه الذي تقدم يحصل ويتحقق
……………………. **تباين الأصول للفروع
«تباين» وافتراق «الأصول» من جهة ما تبنى عليه ومن جهة قطعية «الفروع» لأنها يكتفى في إثبات أحكامها بالدليل الظني كما هو معلوم، وإن كان ظن المجتهد منزلا منزلة العلم في حقه، فإنه ظن باعتبار حقيقته وماهيته المجردة من ذلك الاعتبار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-(1) الموافقات، ج.1/ ص.25.
-(2) نفس المصدر السابق، ج.2/ ص.39.
يتبع..