اسبانيا تحتل العرائش والمولى عبد الحفيظ يحتج
لقد أدى اجتياح الجيوش الفرنسية للعاصمة المغربية فاس إلى ظهور الاتفاق الإسباني الفرنسي الموقع في 3 أكتوبر 1904، بتقسيم المغرب بين فرنسا وإسبانيا، بحيث تستولي الأخيرة على شمال المغرب انطلاقا من الضفتين الشماليتين لنهري ملوية ولكوس، إضافة إلى جنوب الصحراء المغربية ومنطقة إفني، وقد انكشف ذلك بواسطة جريدة «Le Matin» في 8 نونبر 1911، تاركين لطنجة في الشمال الطابع الدولي، حيث حُدِّد بخط فاصل ينطلق من مصب ملوية في البحر ويصعد مع مرجة الوادي ليصل ملتقى واد يناون وسبو وحوض كرت وواد ورغة، حتى يصل جبل «مولاي بوشتا»، ويصعد من الشمال جهة المحيط الأطلسي من «الكلتة الزرقا» مع واد لكوس.
وتجدر الإشارة إلى أنه في غضون شهر ماي 1911 أقامت إسبانيا مركز مراقبة في «دشر الصافية»، وفي 12 ماي 1911 تمت تقوية وضعية قواتها في «الجبل الأسود» على بعد 16 كلم من تطوان، وفي الشهر الموالي يوم 5 منه تم إنزال قوات إسبانية بالعرائش لتعويض طابور البوليس هناك، حيث بلغ عددها 600 رجل وذلك يوم 8 منه، ويوم 9 تم توجيه 350 رجلا من مشاة البحرية و100 رجل من طابور البوليس إلى القصر حيث احتلته دون مشاكل، مما حدا بفرنسا إلى توجيه احتجاج لإسبانيا بتاريخ 11 يونيو 1911 دون أن تهتم به حيث استمرت في إقامة ثكنات عسكرية لتأكيد احتلالها (Protectorat de la France au Maroc – Edouard De Gard – الصفحة 42 وما بعدها).
جاء في رسالة من دوبيليي إلى وزير الخارجية الفرنسية من طنجة بتاريخ 16/6/1911 رقم: 387 ص. 365:
بتاريخ 13 يونيو 1911 بعث لي كيار بما يلي:
وصلت هذا المساء رسالة إلى دار المخزن، تخبر بأن إسبانيا أنزلت قوات لها بميناء العرائش، وقد طلبني مولاي حفيظ على وجه السرعة للحضور لديه، ولما وصلت وجدته منفعلا جدا، وقد حرر في الحال احتجاجا للدول الكبرى عرضه علي، وقد ناقشت معه الوضع وبينت له أنه لا علاقة بين البعثة العسكرية الفرنسية التي احتلت فاس ومكناس والنواحي وذلك الإنزال الذي تم بالعرائش، باعتبار أن التواجد العسكري الفرنسي الذي تم، جاء بطلب رسمي من المخزن، وذلك من أجل دفع خطر حقيقي أوجدته حركة مولاي الزين تحت وصاية البربر الذين نهبوا المدينة، وهددوا بالقضاء على المعمرين الأجانب بالتأكيد، عكس ما يظن بعض الأجانب الذين يعيشون بعيدا عن الاحتكاك بالأهالي، وقد صار المخزن العاصي بالتأكيد تحت سلطة البربر المتعبين ولم يتحرك ضد استقلالهم بالسلطة.
لقد أوجد الإنزال الإسباني خطرا حقا، ولكنه لن ينجح في بلوغ مراميه، فالأمن في العرائش والقصر مستتب، في تحد لثوار اجبالة الذين استعظم نفوذهم مما يبعث على القلق في الغرب، حقا إن ذلك الإنزال يعتبر نوعا من التدخل التحكمي المضاد لمؤتمر الجزيرة، الضامن لاحترام سلطة الحكومة المغربية وسيادة سلطان المغرب، ومقابل هذا التوضيح التبريري الذي ألقي على مسامع السلطان، الذي يُظهر استنكار التواجد الإسباني في العرائش، طلب قائد القوات المخزنية عدم التدخل ضد الإنزال.
جاء في رسالة من وزير الخارجية الفرنسية إلى دوبيليي من باريس بتاريخ 17 يونيو 1911 رقم: 389 ص. 366، ما يلي:
أطلب منك أن توصي بشكل خاص القبطان مورو بأن لا يقوم بأي تدخل خاص يمكن أن يتولد عنه نزاع بين القوات الإسبانية والقوات الشريفة في القصر؛ نحن حددنا بالتدقيق خدمات أولئك الضباط، ونعتمد على وفائهم بما بعثناهم من أجل تجنب ما يمكن أن يؤدي لمضاعفات غاضبة.
وفي 19 يونيو 1911 بعث دوبيليي لوزير الخارجية الفرنسية برسالة رقم: 392 ص. 386، جاء بها:
أخبرك بأن القبطان مورو، يوجد في جنوب لكوس بـ«بوجناح»، هذه النقطة التي تبعد بحوالي ثلاثة أرباع الساعة عن القصر خارج المنطقة الإسبانية، ومعه محلة مكونة من 200 رجل قدموا من مزغان مع ليوطنا تريت، من بعثتنا العسكرية، وقد انضاف إلى هذه المحلة حوالي 200 فارس تابعين للقائد الشرقاوي من ناحية سوق أربعاء الغرب.
القوات الإسبانية بالقصر تتكون من حوالي 600 رجل قدموا من العرائش على دفعتين، 400 جاؤوا يوم 10 و200 جاؤوا يوم 15، وهناك حوالي 200 رجل من محلة الريسوني بنفس المدينة.
فالفرنسيون لم يكتفوا باحتلال البلاد بل تواطؤوا مع الإسبان لاحتلاله، ومنعوا قواته من الدفاع عن المدن التي يرابطون بها، عن طريق المدربين الفرنسيين الذين يقودون تلك القوات، ولم تبق إلا المقاومة الشعبية التي فعلا ستغير مخططات الغزو وتجعل العملية تهدئة باسم السلطان.
جاء في رسالة من وزير الحرب الفرنسي إلى موانيي قائد قوات الغزو النازلة بالدار البيضاء في رسالة من باريس بتاريخ 20 يونيو 1911 رقم: 393 ص. 386:
يجب أن تقوم بعملياتك من ناحية الشمال والغرب حيث القبائل التي أعلنت طاعتها وخضوعها لتهدئة بني امطير وصفرو، وحربهم إذا ما تمادوا في إبداء علامات القوة، وكان التفاوض غير مجد وبئيس، وفي هذا الإطار، ومن أجل إظهار احتلالنا لفاس، تجنب التوسع هنا أو هناك؛ ولتأكيد صرامة التهدئة تطلب منك الحكومة نقل معسكرك إلى «راس الما»، ولا تترك بفاس سوى القوات المخزنية اللازمة من أجل حماية المدينة.
وبعث دوبيليي إلى وزير الخارجية من طنجة برسالة رقم: 409، بتاريخ 26 يونيو 1911 ص. 379، جاء بها:
توصلت من كيار بتقرير مؤرخ في 22 من الجاري حول وضعية المخزن وقبائل ناحية فاس.
ملحق
من كيار إلى دوبيليي فاس 22 يونيو 1911:
هدوء القبائل تام بشكل نهائي، أعيان زرهون وشرفاء زاوية مولاي إدريس أعلنوا الطاعة والخضوع النهائي، نفس الأمر بالنسبة للبهاليل ومدينة صفرو في الغرب، اشراردة وبني احسن هم أيضا خضعوا وأعلنوا الطاعة، هناك بعض الفخذات بعثت أعيانها إلى فاس، وقد كانت تلك الفخذات قد استدعت قادة المراكز لتموينهم فبقوا عندهم لاستطلاع رأي زمور وانتظار عودة من توجهوا إلى فاس.
بنو امطير بقي وضعهم متصلبا لآخر يوم، وقد تبعهم في ذلك بعض القبائل العربية غرب سايس؛ ادخيسة واولاد انصير، هناك إعاقة للمواصلات التي تحاول إقامتها مع مكناس بعد دخول الجنرال موانيي إليها، لكن منذ أيام ظهرت في بني امطير حركة قوية تدعو للخضوع والطاعة، وكذا في آيت عياش وآيت شخمان الذين بعثوا لي بممثلين لطلب تسهيل عملية خضوعهم واستقبال أعيانهم لأخذهم إلى فاس.
فخذات أخرى لبني امطير القريبين من مكناس بعثوا بنفس الطلب إلى الشريف لمراني الذي أجابهم بقبول طلبهم، وأن المخزن منح الأمان لكل الممثلين الذين يريدون الذهاب إلى فاس، لكن لا يقبل إلا الخضوع التام لكل الفخذة، فإذا ما كان هناك بعض المنشقين عن رأي الجماعة فلا.
الجنرال موانيي توجه إلى مكناس، وسيصل إليها يوم السبت، وبعدها سيتوجه إلى قصبة الحاجب مركز مقاومة بني امطير، وهناك استقبل آخر الخاضعين من المحرضين الذين قادوا حركات الانشقاق، وبعدها سيدخل فاس ويترك بالحاجب حامية من الطابور الشريف تتكون من 1500 رجل بقيادة القبطان كلاي الذي يعرف المنطقة، حيث كان مع المحلة من قبل.
أعتقد أن الوضع سيتطلب بعض الوقت لتهدئة المنطقة تماما في بني امكيلد وزيان، لكن المعلومات التي توصلت بها مؤخرا تفيد بأنه يجب مواصلة ربط الاتصال مع ممثلي تلك القبائل الذين لا يعرفون عنا كل شيء ولا عن المخزن، وكل ما يعرفون هو أننا سنقوم بغزو قبائل الأطلس، وأننا لن نرجع لناحيتهم في حالة ما إذا قدموا لقتالنا، أعتقد أنهم سيبقون على الحياد.
موانيي سيمر في عودته إلى فاس على صفرو حيث توجد آخر فخدة متمردة من آيت يوسي مناهضة للمخزن الشريف، وأعتقد أن ذلك لن يطرح أية مشكلة، المجال مهيأ للقائد محمد بن عمر اليوسي الذي أعلن خضوعه الشخصي للمخزن، السلطان ترك في صفرو حامية من 500 رجل ومدفعين بقيادة ليوطنا هيجو درفيل من بعثتنا العسكرية.
أعتقد أن خضوع ناحية فاس سيكون تاما في منتصف يوليوز، لأن القبائل ستلتزم بوعد المخزن لها بإلغاء ديونه عليها وإقامة الترتيب، نحن سنتابع ذلك لنرى ما إذا كان المخزن سيفي بوعده لهم أم لا.
يجب ألا ننسى بأن قبائل البادية مقتولة بسبب فقدها الرجال والخيل في المعارك التي خاضتها، مما جعل القبائل تتطلع للسلم لتعويض خسائرها، المواصلات بين تازة وشرق المغرب تبقى هامة مثل الماضي إذا ما تم مباشرة غزو الدسول والبرانس وغياتة وبني وراين، فسيكون مسارا طويلا وصعبا تجاوز تحذير الحكومة.
في هذه الأحوال من الأحسن عدم التدخل في الضفة اليمنى لسبو حتى لا ينفجر الوضع إذا ما تحركت القوات إلى الأمام أو تراجعت أمام قوة القبائل البربرية في الشرق، وهو رأي الجنرال موانيي الذي يريد تنظيم الجيش الشريف على ما يرام في بضعة أيام قبل أن يغادر فاس تاركا بها قوة معسكرة بدار الدبيبغ، ليقيم بمكناس كي يستعد لعملياته ضد زمور، قصد تطهير طريق الرباط مكناس حتى تكون آمنة في عودته من الرباط إلى مكناس.
الموقف الصعب الذي يقف في وجه ذلك المخطط هو عدم تنظيم المخزن إداريا، وغياب الموارد المالية لديه، مما سيجعله يعود لفرض الترتيب الذي تأباه القبائل وترفض الانقياد لمن ينزله بها.
وفي رسالة من محمد المقري إلى وزير الخارجية الفرنسية من باريس في 26 يونيو 1911 رقم: 410 ص. 381، جاء بها:
لقد وقعت الاتفاق المالي يوم 16 مارس 1911، المتعلق بتنظيم القوات الشريفة والأشغال العامة وأداء مستحقات الديون الخاصة، ولي الشرف بإخباركم بتوصلي من المخزن برسالة شريفة مؤرخة في ربيع الثاني الموافق لـ8 أبريل من العام الجاري أجاز لي فيها العاهل المغربي بقبول الاتفاق المالي المتعلق بالمسألة.
وحرر بباريس في 1 رجب 1329، موافق 16 يونيو 1911.