بعث دوبيليي من طنجة في 7غشت 1911، إلى وزير الخارجية رسالة رقم: 463، جاء بها ما يلي:
أبعث إليكم بتقرير عام لكيار حول عصيان قبائل ناحية فاس، وكذلك مذكرة محررة من بريموند في الموضوع:
الملحق الأول
سبب وهدف العصيان
لقد سبق لي أن أرسلت في مراسلاتي السابقة وصفا مطولا لأسباب العصيان، لذلك سأكون مختصرا هنا.
منذ توجه المقري لطنجة ومدريد في شهر غشت الأخير، عوضه السلطان في إدارة المخزن بالوزير الكبير الكلاوي، حيث بدأ يفقد شعبيته تدريجيا، فاتهم بالخيانة كل من تقلد المسؤولية وعزله، لكن السبب الحاسم للهيجان والعصيان هو قيام الوزير الكبير بابتزاز وتعنيف الأعوان المبعوثين للقبائل من أجل تحصيل الضرائب الفاحشة المنافية للشرع.
هذه التصرفات أغضبت خاصة رجال السلطة والأغنياء الذين هم ضحاياها، فحركوا القوات الشعبية لمواجهة مولاي حفيظ القائد السابق للحرب المقدسة؛ وللتقارب مع أوربا وجب عليه تنظيم العسكر، إلا أن الناس يقولون بأنه وضعه تحت أوامر المسيحيين حتى يتمكنوا من السلطة لإخضاع القبائل تحت حكمهم، كما استغلوا أيضا قيامه بقتل جندي وأهلي من لحياينة في شهر يناير الأخير بتهمة الفرار من الجندية وسرقة أدوات عسكرية، هذه المزاعم أعطت الثوار مبررا لما سيأتي، الوقت كان مهيئا لأن المحلة القديمة تجووزت، وأعضاء القوات الجديدة المأمورة من طرف ضباطنا قد وصل تعدادها 2800 رجل.
أشير إلى أنه في 25 فبراير عقد ثوار القبائل اجتماعا لهم بأكوراي لوضع الموقف النهائي من مواجهة السلطان، وبعد هذا الاجتماع أرسلوا ممثلين عنهم لبعض القبائل في النواحي التي يمكن أن تقف ضد المخزن، بني امطير الذين هم على رأس الحركة نصحوا بالانتظار حتى عيد المولد النبوي 14 مارس، ويرسلوا حسب العادة ثوار القبائل لحضور الحفل التقليدي بالمصلى، وأثناء الصلاة يقوم الفرسان المنتمون للقوات النظامية باحتجاز السلطان، لكن المفوضين من طرف با قدور وبا عبرين خلفاء لكلاوي عند اشراردة واحجاوة فجروا الوضع قبل أن ينتهي الاتفاق بين قبائل النواحي.
إرسال المحلة لشراردة
قرر السلطان على وجه الاستعجال تجهيز قوات وإرسالها إلى الحجرة الواقفة لضمان المواصلات مع طنجة، معتقدا أنها ثورة محدودة في ناحية اشراردة واحجاوة، لكلاوي نفسه لم يعط أهمية لتلك التحركات والتي سبق أن راسلتكم حولها، فهو غير مستاء لأنه سبق له أن رأى القبائل تضع ترجمة الإصلاحات وتنفذها، فهو يلعب دورين: يبعث ممثليه إلى البربر للعمل على تحريضهم ضد بعثتنا العسكرية، ويعمل مع السلطان ضدهم.
والحقيقة أن التصرف العام يعمل حقيقة ضد السلطان ووزيره، أغلب القبائل ما زالت أيضا غير مهتمة، غزو اشراردة تم بنجاح دون كثير من التأخرات الخاصة التي تعرقل العمليات من 15 مارس إلى أخر أبريل، المحلة غادرت فاس يوم 28 فبراير 1911، تحت إشراف وزير الحرب، والحقيقة أنها تحت قيادة قائد بعثتنا العسكرية، وهي مكونة من 2600 رجل، بمعنى كل القوات تقريبا، ولم يبق بفاس سوى حوالي 200 رجل من القوات النظامية، والطابور الأسود للحراسة الشخصية للسلطان.
لن أتحدث في هذا التقرير عن العمليات لأنها ستكون محل تقرير لقائد بعثتنا العسكرية، سأشير فقط إلى أن المحلة عادت بنصر على لوداية يوم 3 مارس، ويوم 7 منه وصلت قرب دار القائد حفيظ حيث كان عليها التوقف للاستراحة، فتكبدت خسارة حقيقية مع اشراردة، لكن في هذه المعركة الأخيرة تأكد التصريح بأن كل القبائل المجاورة تقريبا اتفقت مع العصاة المتمردين، بحيث لم يقاتل جنود السلطان شراردة فقط، ولكن أيضا بنو امطير وعرب سايس وسكان جبال زرهون.
بالرغم من هذه النجاحات الأولى التي أدهشت الشعب، فخذات اشراردة الأكثر توعدا وتهديدا من طرف المحلة انقادت للمفاوضات، لكن في الهدف المنظور والظاهر للتحرك طوال الوقت، لكن قبائل أخرى لم تفصح عن رأيها ولم تتحدث بمطالبها.
من ناحيتي أنا فقد استعملت علاقاتي مع القائد إدريس العيساوي وبوزيان الملياني باعتبارهما أصحاب السلطات في اولاد عيسى من أجل منع قبائلهم من تجاوز مجالسهم، وبفضلهم بقيت المواصلات البريدية سالكة طوال شهر مارس.
تهديد بني امطير لفاس وعسكرتهم براس الما
تهيأ فرسان بني امطير للقيام بحركة جديدة قصد خوض معركة في 7 مارس 1911 بشراردة دون حماس يذكر، معلنين أنهم يريدون مهاجمة القوات النظامية المؤطرة من قبل المدربين الأوربيين، لكن إذا كانوا قليلي العدد فلن يقووا على الاستيلاء على البلد، أو قطع المواصلات وعرقلة المحلة في نفس الوقت، وقطع تموين مدينة فاس بالطعام والعتاد.
لنترك اشراردة واحجاوة يعالجون دفاعهم ضد المحلة، ونرجع لبني امطير وعرب سايس الذين عسكروا يوم 11 مارس في راس الما على بعد 13 كلم من فاس في الجنوب الغربي، وقد انتشر فرسانهم في الناحية وأحرقوا حقول المخزن وانزالت فرجي، وأرغموا اولاد الحاج بسايس على الانضمام إليهم، وفي الغد جاء بضع مئات من فرسان البربر للبرهنة على وجودهم حيث وصلوا لأسوار القصر فردوا عنه بواسطة امخازنية دار المخزن وخدام الوزير.
أعيان الثوار براس الما هم القايد عقا البودماني عن البربر وبوزوما عن عرب سايس، الاثنان تعرضا للاعتقال منذ مدة قريبة ظلما من طرف لكلاوي، لقد أدى إحراق انزالة فرجي وتمركز الثوار قرب المدينة العاصمة للتقليل من قيمة المخزن الذي بدأ البحث في مهاجمة اشراردة الثائرين عليه، هؤلاء إذا ما وجدوا فراغا حول المعسكر سيجدون مع بني احسن للحصول على مساعدات القبائل المجاورة لعرقلة تحرك المحلة مستفيدين من صعوبة المسالك الطينية المغمورة بالمياه وارتفاع منسوب المجاري المائية المعرقلة للحركة والجولان.
مفاوضات مع بني امطير وفشل بعثة لمتوكي وهزيمة 26 مارس
لقد أصبحت وضعية المخزن صعبة، ولم يعد مولاي حفيظ يثق في أحد، وسار كبرياءه يتآكل مع مرور الوقت، لكلاوي تَصَنّع قيامه ببعض الحركات، وقد ضمنتها في تقريري عن لقائي مع السلطان في 15 مارس، حيث عرضت عليه الوضعية التي يوجد عليها، ناصحا إياه بالتفاوض مع قائد الثوار والقيام باستنكار قنبلة القبائل التي كانت ضد ذلك، وأن ينتهج سياسة مهادنة.
في هذه الأثناء التي تم خلالها الانطلاق في المفاوضات مع بني امطير، أخطأ السلطان في تكليف لمتوكي بتدبير أوضاع لكلاوي لدى المتمردين طالبا منهم التراجع عن مطالبهم، مع أن المفاوضات كانت قريبة من تحقيق الغاية التي انطلقت من أجلها.
عقا البودماني وبوزوما بعثا بممثلين لطلب الأمان الذي قبل، لكن جماعة من المتمردين الغاضبين لم يقبلوا سلاما يكرس بقاء الوزير الكبير لكلاوي والمدربين الفرنسيين، وبعد تحرير أسراهم البرابرة خانوا الوعد الذي أعطوه للمتمردين.
يوم 21 مارس قبيلة أيت يوسي حلوا في مكان بني امطير، وتقدم فرسانهم لعين السمار، حيث عسكروا هناك محاصرين المدينة من الجنوب.
وبعد أيام، أي في 26 مارس أخبر السلطان بأن قائد البربر استولى على مكناس منتهزا فرصة إفراغ معسكر راس الما موهما المراقبين بأنه تحرك لمساعدة محلة بن الجيلالي المكونة من جنود غير نظاميين كانوا يعملون سابقا في الجبل، والتي يبلغ عدد أفرادها حوالي 1000 رجل، لا نظام لهم ولا التزام يخضعون له.
من جهة أخرى، الكولونيل منجان جاء ليدخل فاس مع مدربين بعدما ترك الكومندان بريموند على رأس محلة اشراردة، كل القوات تواجدت بفاس استعدادا للتحرك، لكنهم أبانوا عن أداء سيء، فأضحوا تائهين. ليوطنا اسدير ولاجودان بيزاني تخلى عنهما رجالهما بعدما ضعفوا وسقطوا قتلى أو أسرى.
هذا التحدي ترك دويا كبيرا في القبائل، فتمت محاصرة المدينة حصارا تاما خانقا بين الفينة والأخرى.
ارتداد اولاد جامع، محاصرة فاس، استدعاء كلون بريموند
بعد انتصار 26 مارس 1911، بعث الثوار ممثلين لهم إلى سائر القبائل، واضعين ضغوطا على اولاد جامع بإحراق بعض الدواوير باحثين خاصة عن المفكرين الذين يقيمون بالمدينة وله تأثير على سكان المدينة
في هذا الوضع وقعت معركة 2أإفريل1911 حيث هوجمت المدينة من الجنوب من قبل أي تيوسي ومن الغرب والشمال من طرف بني امطير، غير أن المهاجمين تراجعوا بفضل حذر الكولونيل منجان الذي اقتصد في الدفاعات محتفظا بالقوات في مخبأ المدافع محصن بجانب القصر، لكن تكون رعب بالمدينة جعل الحالة المعنوية تصير مقلقة
في 4 أبريل بعث السلطان بشريف لاستقدام القبائل المحايدة في الشرق للدخول إلى فاس مصحوبين بجماعة من الفرسان والمشاة من بني وراين وبني سدان، هؤلاء الأخيرين انضموا للتسجيل في صفوف العسكر مما زاد في عدد القوات، وبعد يومين من ذلك تضاعف عدد المنتسبين للقوات النظامية مما زاد من معاناة المدينة، فسرقت بعض المتاجر وزاد هلع الأوربيين بعد مقتل أحدهم.
قائد الأمن لم يخف تعاطفه مع الثوار، وأخذ يساوم المخزن ويعلن بعجرفة غريبة المبالغ والإتاوات التي يراها كواجب للحماية فأصيب السكان المدنيين بذعر شديد من جراء إلحاحه، يوم 9 أبريل أعلن ارتداده، وعودته لقبيلته بعدما سلب كل من وجده بين أسوار المدينة وقنطرة سبو.
أيضا في هذا التاريخ انضم اولاد جامع للثورة المسلحة مرتدين عن تأييدهم للمخزن وتبعهم في ذلك اشراكة، وبذلك صارت المواصلات صعبة وزاد حصار المدينة، استقدم بنغبريط لفاس مخفورا من قبل فرسان اولاد عيسى، حاول السلطان استدعاء محلة بريموند للدفاع عن المدينة، رجوع كولون اشراردة سيخلق ضغطا محزنا في القبائل، لكن سيفيد في مقاومة السلطة بفاس.
الاتصالات ستصير صعبة بشكل كبير بدء من آخر شهر مارس، معلوماتنا سيئة للغاية، اعتقدنا أن محلة كبيرة أعلن جمعها في مراكش قد وصلت إلى مهدية، لكن الأمطار أعاقت تحركها من هناك، السلطان طلب من الحكومة الفرنسية دعم هذه المحلة بحركة من الشاوية (انظر رسالتي في 10 فبراير) ساعي البريد الحامل لتلك الرسالة قتل، ولم أجد من أبعث معه بنسخة أخرى إليك لمدة طويلة.
يتبع..