أولياء الضلالة طارق برغاني

لم تخل أمة من أناس غلف القلوب، مرضى النفوس، ظلاميي الفكر لم يتطرق نور الإيمان إلى قلوبهم، ولم تصف نفوسهم بأنواره، و لم تطهر أرواحهم بهديه، اختاروا الوقوف في وجه الدين و تترسوا بمن والاهم وناصرهم عليه، فناصبوه العداء جهارا بكل ما أوتوا من وسائل مادية و فكرية في التأثير على أتباعهم ضد الحق، واتخذوا من موقفهم المعادي لما شرعه الله ورسله، مطية لاعتلاء منصة الشهرة والخطابة والقيادة، هؤلاء الداعون إلى الضلالة المجتهدون في انتقاص تعاليم الديانة، آثروا دنياهم على آخرتهم واقتصر بهم المآل إلى حظ يسير من الدنيا يعقبه عذاب مقيم في الآخرة، يقول الله تعالى: “اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” البقرة: 257، وصفهم القرآن الكريم بالشياطين في مكرهم وتلبيسهم الذي لا يخلو من شرور ومفاسد، وهم على فئتين من الخلق، شياطين إنس وشياطين جن، وإن كانت الفئة الأخيرة أصل الفتن والشرور ومقتصرة في أفعالها على الوسوسة والتزيين والغواية، يقول الله تعالى: “وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ” فصلت: 25، “وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ” الزخرف: 36، فإن أفعال الفئة الأولى قد بلغت من الشرور ما يفوق التصور، باعتبارها الآلة الفاعلة والأداة المنفذة لمظاهر الفساد والقتل والبلاء المتجسدة على وجه الأرض، وأمثال هؤلاء، فرعون وذي نواس الحميري وبختنصر ومسيلمة الكذاب والمسيح الدجال وذو السويقتين وغيرهم كثير، يقول الله تعالى: “قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ” البقرة: 30.
هذا التحالف الخفي والتواطؤ السري بين شرار الخلق من الجن والإنس لم تسلم من شروره البشرية منذ بداية ظهورها، واستمر على امتداد عصور التاريخ إلى يومنا هذا، يقول الله تعالى: “وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ” الأنعام: 129، فابتدع الإنسان بإيعاز من الشيطان صنوف الشرك واتخاذ الأنداد، فقد ذَكر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربِّه تبارك وتعالى أنه قال: “إني خلقتُ عبادي حُنفاءَ و أنهم أتتْهم الشياطينُ فاجتالتْهم عن دينِهم، وحرَّمتْ عليهم ما أحللْتُ لهم، و أمرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أُنزِلْ به سلطانًا” غاية المرام: 9 (صحيح)، وعمد الإنسان إلى قتل أخيه الإنسان طغيانا وظلما في مواجهات فردية وجماعية، رغم إقرار تحريم القتل بغير مسوغ شرعي في الشرائع السماوية، يقول الله تعالى: “مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ” المائدة: 32، وتجرأ الإنسان على حرمات الله، فانتهك الأعراض واستعبد أخاه الإنسان وأذله بالفقر والمجاعات والأمراض بغير موجب حق وبلا مبرر أخلاقي أو سند شرعي، متخذا في ذلك عددا من الوسائل كالاحتيال والسرقة والتدليس والتخويف والنهب وإهلاك الحرث والنسل، يقول عز وجل: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ” البقرة: 204، 205، وحارب دعوة الرسل إلى التوحيد وعبادة الله جهارا وأراد أن يطفئ نور الله وإخماد مشكاة الهدى بالسلاح والتضليل والكذب، وبذل في ذلك شتى سبل التأثير في فئام من البشر، فاستجابوا لضلالته وخضعوا لأمره خوفا أو طمعا أو جهلا أو اتفاقا أو نفاقا، فنزلوا على رأيه وأخذوا بمذهبه بمعاداة الدين ومحاربة أهله والصد عن سبيل الله وإشاعة المفاسد وإفشاء المنكرات، يقول الله تعالى: “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ” الأنعام: 112، 113، وكثيرا ما يزين أولياء الباطل لأتباعهم أباطيلهم في صور مبادئ إصلاحية وشعارات براقة وخطب رنانة ليلبسوا عليهم الحق بالباطل، ويعدوهم بنيل المكاسب وتحقيق الإنجازات وما وعودهم في الحقيقة إلا تغريرا بهم، يقول الله تعالى: “قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ” غافر: 29، ويقول الحق سبحانه: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ ” البقرة: 11، 12.
وكل مظاهر هذا التضليل إنما هي سراب دنيا عابرة، وهؤلاء المترفين من القوم من السادة والكبراء، إنما هم إلى زوال وأولئك الأتباع الضالين المضلين إنما مكسبهم عاجل وعذابهم آجل وإن طالت بهم الأيام، فلن يغني عنهم أولياؤهم من الله شيئا وإنما سيلعن بعضهم بعضا، يقول الله تعالى: “وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا” الأحزاب: 67، 68، وسيتبرأ بعضهم من بعض، يقول الله تعالى: “إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ” البقرة: 166، 167، ويتنكر بعضهم لبعض، بعد أن استيقنت أنفسهم شر المآل وشهدت أبصارهم هول المصير، وذلك هو الخسران المبين، يقول الله تعالى: “وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ ۖ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الْإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ۚ قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ” الأنعام: 128.
اللهم اجعلنا دعاة للخير والصلاح، وجنب الأمة شرور أهل الفتن والضلال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *