-5 ومن كراماته قوله: «إن بعض الإخوان كان متهما بأمر قبيح، فأراد أن يهرب، فكرهت هروبه من أجل ثبوت الدعوى فيه بسبب هروبه (حتى لا تثبت عليه الدعوى بسبب فراره)؛ فقلت له: «لا تهرب أنا ضامنك، والله شيء لا جرى لك»!! فأتى صاحب المخزن، وقبض كثيرا من الجماعة وهو من جملتهم، ثم أعطاهم العكاز كلهم (تعرضوا للضرب بالعصا) إلا هو، وبعد ما مد في الأرض، جاء رجل فحلف عليه بالحرام! ما هو إلا رجل مسكين، فسرح بفضل الله لا بالمسكنة التي شهد له بها (وبضمان الدرقاوي المتقدم)! ولعنة الله على من كذب، والسلام»!
-6 ومن كراماته قوله: «إني كنت ماش بسوق الرصيف إلى جهة العيون، إذ لقيني رجل من قرابتي وعلى وجهه الغيار الكبير! فقلت له: ما لك؟ وإلى أين تريد؟ فقال: سبني فلان الفلاني وطرشني، وهذا أثر الطرش في وجهي، وأنا داعيه إلى الحاكم، فقلت له: إن كنت صادقا في قولك، فالله ينتقم منه في هذه الساعة! فقال لي: وإن كنت كاذبا فالله ينتقم مني في هذه الساعة؛ فتحقق لي أن الظلم من جهة صاحب دعوته (أي المدعى عليه)، فرددته عن المشي إلى الحاكم، وقلت له: فوض أمرك إلى الله تر عجبا؛ فإذا بصاحب دعوته قبض في ذلك الوقت وأكل الزلاط! وسجن ما شاء الله، ثم سرح، فقتل نفسا فكبله الحاكم وبعثه إلى بلد بعيدة، فسجن سنة كاملة ثم سرح، وكان أمر الله مفعولا؛ والسلام»!
كل ذلك ببركة ولي الله العربي الدرقاوي الشريف الحسني! أما أن ينفى قاتل النفس إلى بلد بعيدة حيث سجن لعام واحد فقط! ثم يطلق سراحه، فحكاية فيها نظر! ربما لم يتعرض لا للقتل ولا للمؤبد ببركة نفس الولي المجاب الدعوات!
-7 ومن كراماته قوله: «كنت أدرب الصبيان هناك بحومة العيون (يعني أنه لا يعد من العلماء)، وأنا أتلو القرآن العظيم، والصبيان يقرؤون ألواحهم أمامي، إذ وجدت نفسي بسفينة بالبحر بمدينة تونس حرسها الله، وأنا أتلو القرآن العظيم كما أتلوه بالمكتب أمام الصبيان، ومن كان بالسفينة، كلا منهم يتحلى بتلاوتي، فإذا بسفن عديدة للنصارى قد بادرت إلينا لتأخذنا، فتعلق بي حينئذ كل من كان معي بالسفينة! إذ كنت عندهم من أولياء الله تعالى حقا! فغطى الله وصفي بوصفه ونعتي بنعته (أي أنه تحلى حينها بصفاته عز وجل!)، فدفعت السفينة إذ ذاك إلى السفن (المهاجمة) وأحطت بها بسطوتي وعنايتي (التي هي سطوة الله وعنايته!)، فبعضها غرق وبعضها كسرت! وبعضها أسرت (بمن فيها!)؛ والله غالب على أمره.
ثم بعد ذلك وجدت نفسي بمكتبي (بعد العودة من أحلام اليقظة!)، وحالي كحال المريض، أو من مرض بالعين! فعظمي كأنه دق بالمرزاب (من فرط شدة الكابوس عليه)؛ فأخبرت الشيخ (أي شيخه علي الجمل) بما وقع لي، فجعل يده على فيه، ثم تبسم وقال: إيه… ما عرف أحد القطبانية أين هي؟ هل هي في الجبال ترعى المعز (يعني أن الراعي قد يصير قطبا)؟ أو هي في المكاتب تعلم الصبيان (يعني أن مربي الصبيان قد يكون قطبا)؟! ثم جاء الخبر بما وقع في الحين، ولعنة الله على الكاذبين؛ والسلام»!!
ولا نملك نحن غير أن نكرر معه قولته الأخيرة «لعنة الله على الكاذبين!»، ومن ضمنهم من ادعى أن تلميذه المخرف أدرك درجة القطبانية (يتصرف في كل شيء كما يريد!)، والقطبانية لم يرد لها ذكر لا في الكتاب ولا في السنة -سوف نتحدث عنها لاحقا- وإنما هي من التخاريف التي يرويها مخرف عن آخر غيره! فضلا عن كون مضمون الحكاية موضوع الكرامة المزعومة، مجرد تصور للقدرة الخارقة لدى الدرقاوي على إغراق سفن بهمته التي لا تقهر! والتي منحها له ربه حين تجلى فيه بصفاته ونعوته!! وهو نفس ما ادعاه الشاذلي إذ يقول: «لو عرفت حقيقة الولي لعبد! لأن صفاته من صفاته ونعوته من نعوته»! وهو نفس حديث قدسي موضوع قرأته في حدود 1963م، ومؤداه قول الله عز وجل: «يا عبدي أطعني تكن مثلي: أقول للشيء كن فيكون، وتقول للشيء كن فيكون»!
-8 وآخر كرامة للدرقاوي نسوقها لدلالتها السياسية والديماغوجية، وهي قوله: «ومنها أن بعض السنين في أيام السلطان الأعظم الشريف الأكرم، سيدي محمد بن عبد الله بن إسماعيل العلوي (توفي 1118 هـ-1708م) وقفنا في الشتاء وقفة كبيرة (سنة جدباء)، فسألنا الله أن يسقينا فلم يسقنا! بل طالت القائلة (الكيلة، أي الحرارة المفرطة) حتى كاد أن يحصل اليأس للناس من نزول المطر في تلك السنة؛ فإذا ببعض إخواننا بني أحمد، ذبحوا على ضريح الولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف -نفع الله به- إذ كانت عادتهم معه كذلك (هذا هو الرجل الذي يدعو إلى اتباع الكتاب والسنة!)، ولما أكلنا نزعنا الثياب عن رؤوسنا والنعال من أرجلنا، ثم درنا بالضريح (طفنا به!) ثلاث مرات على الحالة الموصوفة (ما أكلوه من لحم القربان هو حرام بنص القرآن: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به}).
ثم رفدنا أيدينا بعد ذلك (بعد أن ملأوا البطون بالحرام!) واشتغل كل واحد يدعو ربه سرا وجهرا وبكاء وتضرعا، وخشوعا واضطرارا كبيرا. فإذا بنفسي تحدثني: بأن الإجابة لا تحصل لكم إلا إذا نصرتم السلطان بقلوبكم وجوارحكم وبأعلى أصواتكم -ثلاث مرات- إذ كان لا ينصره أحد في ذلك الوقت، بل ولا يذكره قط إلا بالموت، وكان -رحمه الله تعالى ورضي عنه- قائم الحياة (ما زال حيا) بحضرة مراكش، فأخبرت الناس بما قالت لي نفسي فقالوا كلهم وقلنا معهم: الله ينصر سيدي محمد بن عبد الله -ثلاث مراث- فرحمنا ربنا في تلك الليلة بالمطر، وأقبل الخير علينا وذهب الشر عنا…»!
ونحن على بينة من كون الفلاحين على وجه التحديد، يستسقون ربهم بمجرد انتهاء الصيف ودخول الخريف، يستسقونه وهم في ديارهم وفي الحقول وفي الطرقات، وفي المساجد حين يؤدون صلواتهم مع الإمام الذي يشاركهم بدعواته نفس الهم ونفس الرجاء؛ إلا أن من قدمنا له ثماني كرامات بائخة يشارك في ذبح القربان -بعد أن يئس هو ومن معه من رحمة الله- عند ضريح ولي أصبحت عظامه نخرة أو مجرد رميم، وكأنهم به يستسقون بعد يأسهم كما قلنا من رحمته عز وجل!!! فإذا بالولي الذي عظموه وقدسوه لم يستجب دعوتهم البائسة مثلهم سواء بسواء!!! فكان أن استجاب الدرقاوي لخاطره الذي هو الدعاء لملك البلاد بالنصر والتأييد كي يمطروا! وفعلا -كما ادعى- نزل الغيث! وعم الناس الفرح! فصح أن لجوءه هو ومن معه إلى الولي المقدس دخول في الشرك، ولجوءه إلى الدعوة للسلطان أملا في أن يرحم الله عباده بلجوئهم إليه كذلك، دخول إلى الشرك من باب آخر لا يليق بأي مؤمن يعرف ربه، ويدرك بأنه هو الوحيد الذي يعطي ويمنع ويرزق من يشاء في الوقت الذي يشاء بغير حساب! ثم نتحدث عن ولي الله الذي له آلاف الأتباع كمخدوعين مخدرين لا أقل ولا أكثر! نقصد صاحب الكرامات التي تبين لنا أنها فارغة من أي مدلول ديني حقيقي.
بقي لنا أن نخبر القراء بأن الدرقاوية من أسانيد الطريقة البودشيشية! يعني أن الدرقاوي من مرشدي الشيوخ البودشيشيين المتقدمين في الفضل على باقي أولياء أمة محمد صلى الله عليه وسلم. فالدرقاوي والتجاني وعبد القادر الجيلاني، هم الثالوث المعتمد لدى البودشيشيين كسند منه يستمدون القناعات الصوفية النظرية، والممارسات التطبيقية في أداء الأوراد أو الأذكار على حد ما يزعمون.