أزمة قديمة في سياق جديد المدرسة المغربية في ظل جائحة كوفيد-19 محمد زاوي

 

ليس عبثا أن يعتبر الكثير من المفكرين التعليم قضية طبقية، وليس عبثا أن يعتبره بيير بورديو “وسيلة لإعادة بناء البنيات الاجتماعية” و”عنفا رمزيا”، وليس عبثا أن يعتبره ميشيل فوكو “مصدرا للهيمنة”… إلخ. كذلك كان التعليم، وكذلك هو اليوم، وسيبقى إلى أن تزول الطبقية والفوارق الاجتماعية. هناك من سينكر علينا اعتمادنا مفهوم “الطبقة” هنا، باعتباره مفهوما يفصح عن “أدلوجتنا” منذ أول وهلة. دعك أيها القارئ من “أدلوجتنا”، فنحن على “التأويل الاشتراكي للإسلام” ولا نرى حلاّ لتناقضاتنا اليوم إلى بالخروج من واقع الرأسمالية المتعفن إلى واقع آخر أرقى منه (في التصور: هو “الاشتراكية”)، في أفق القضاء على موجبات التفاوت (في التصور: هي الواقع الطبقي)؛ دعك من “أدلوجتنا”، وتفضّل أيها القارئ بالإجابة على الأسئلة التالية:

– هل أزمة المدرسة عالمية أم محلية فقط؟

– وما السبب الحقيقي لهذه الأزمة؟

– ألا تنزع المدرسة البورجوازية إلى المحافظة الثقافية والاجتماعية؟

– هل يمكننا مناقشة أزمة المدرسة المغربية بعيدا عن واقع الرأسمالية المغربية؟

– هل للاستعمار (قديمه وجديده) يد في تأزيم المدرسة المغربية؟

– هل بإمكاننا اليوم الحديث عن المدرسة الغربية في غياب حديثنا عن: التفاوت بين الشمال والجنوب، بين الطبقة المسيطرة وما دونها من الطبقات، بين المدينة والبادية؟

… إلخ.

لقد أصدرت الوزارة الوصية عن قطاع التعليم في المغرب بلاغا بخصوص الدخول المدرسي الجديد، حيث تقرّر اعتماد “تعليمٍ عن بعد” لمن خاف “الجائحة” (كوفيد-19)، وتعليمٍ حضوري لمن التزم احترازها وتحمل مسؤولية نفسه. وبقدر ما كان مضمون البلاغ مفاجئا، فقد كان فرصة لإعادة فتح نقاش في ملف “واقع المدرسة المغربة”. وبقدر ما نحن مطالبون بإيجاد حل آني لمشكل آني، فنحن مطالبون أيضا بقول الحقيقة فيما يخص واقع “مدرستنا العمومية” وواقع تعليمنا بصفة عامة. وعوض أن يحدث ذلك، فقد شهدنا:

– احتجاج الآباء خوفا على صحة أبنائهم ورفضا للتعليم عن بعد.

– استنكار “جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ” عدم إشراكهم في اتخاذ القرار.

– قول بعض ذوي الاختصاص والخبرة بعدم قدرة المدرسة المغربية على إنجاح الخيارين معا: خيار التعليم الحضوري، وخيار التعليم عن بعد.

– الإدلاء ببعض المقترحات بخصوص الدخول المدرسي، من قبيل تأجيله، أو تعميم إحدى الصيغتين.

… إلخ.

وبقدر ما تعبر هذه “الانفعالات” عن صرخة يمليها الواقع الاجتماعي أو موقفٍ يمليه الإحساس بالتهميش… إلخ، فإنها لم تطرح أيا من الأسئلة أعلاه. وإننا إذ نرفض المخاطرة بصحة تلاميذ المدرسة العمومية (وأغلبهم من أبناء العمال والكادحين والفلاحين والطبقة الوسطى)، كما نرفض اعتماد التعليم عن بعد في غياب التخفيف من حدة التفاوتين المجالي والطبقي؛ إننا إذ نرفض كل ذلك، فإننا نؤكد ما يلي:

– ليست المدرسة المغربية وحدها هي التي تعيش في أزمة، بل إن مشكل التعليم مشكل عالمي يأخذ جزءا كبيرا من اهتمام كل دولة مهما عظمت. مشاكل البيداغوجيا والنظريات التعلمية، البنيات التحتية واللوجستيك، التعليم والتناقضات الاجتماعية والثقافية في البلد الواحد، العلم والإيديولوجيا في المقررات الدراسية… كلها مشاكل لا يخلو بلد من أحدها إلا وظهر فيه آخر. ولم تكن “الجائحة العالمية” (كوفيد-19) لتستر كل هذه المشاكل، بل إنها فاقمتها وأخرجتها إلى العلن بشكلٍ كان متوقعا. لا تعاني مدارس المراكز الرأسمالية من مشاكل البنيات التحتية واللوجستيك، إلا “الجائحة” عرّت عدم قدرة “المدرسة الغربية” على استيعاب الإنسان الغربي لصالح “مجتمعه ودولته”، وقد ظهر ذلك بجلاء في كل من: إيطاليا، أمريكا، وأخيرا ألمانيا وفرنسا… إلخ. وقد كان نصيب “المدرسة المغربية” من هذه “الأزمة العالمية” أوفر، وذلك لأنها ليست بورجوازية فحسب، ولكنها تبعية أيضا. لقد كان حظها من تلك الأزمة أكبر، فعانت من كل المشاكل المذكورة أعلاه.

– لا يمكن للمدرسة البورجوازية أن تسعى إلا لتغيير يخدمها، وذلك هو التغيير السطحي الذي تحده المحافظة الاجتماعية والثقافية من كل جانب. وبقدر ما تنتج المحافظة الاجتماعية نظيرتَها الثقافية، فإن الثانية تحصّن الأولى أيضا. وعلى هذا الأساس، فإن “المدرسة العمومية” لا تستقبل أبناء العمال والكادحين والفلاحين والطبقة الوسطى إلا بهدف استيعابهم وإعادة تدويرهم لصالح “الدولة”، حيث تسيطر البورجوازية الكبيرة وتناضل الأطراف التقدمية فيها بهدف الاستقلال الكامل والتحرر من الاستعمار الجديد. إنه الجدل حيث تخدمنا “المدرسة العمومية” وتقف في وجه طموحاتنا، وعجبا لمن أراد لهذا الواقع أن يرتفع في ظل “الجائحة”. والحقيقة أن “الرأسمال هو الرأسمال”، كما يقول عبد السلام الموذن. تضغط عليه “الحركة الوطنية” ليكون وطنيا، وتصارعه الطبقة العاملة (بعد تشكلها) ليتنازل عن ريعيته وتوحشه في الاستهلاك لصالحها وغيرِها من الطبقات، وذلك دون القضاء عليه أو إضعافه لصالح “الرأسمال الأجنبي”. وكما تدَار هذه المعركة (الممتلئة بالجدل) في المصنع والبرلمان، فإنها تدار في المدرسة العمومية والجامعة أيضا. وفي هذا الصدد ندخلالبلاغ الأخير للوزارة الوصية على قطاع التعليم بالمغرب، حيث البحث عن حل للأزمة الحالية دون إخلال بشرط “التفاوتين الطبقي والمجالي”.

– لا يمكننا محاسبة الرأسمال الأجنبي وحده على أزماتنا، بل إن الرأسمال المغربي مسؤول عنها أيضا. عقود من “استغلال العمال والاستهلاك الفاحش وتهريب الأموال” (عبد الصمد بلكبير)، منذ الاستقلال وإلى اليوم. ولا شيء من الأرباح وفائض القيمة، إلا قليلا، يعود بالنفع على الشعب المغربي، وعلى مدرسته العمومية التي هي موضوع مقالنا هذا. وكما ساهم بعض أفراد “الرأسمال المغربي” في “صندوق الجائحة”، فإن كل أفراده مطالبون اليوم بالمزيد من المساهمة في توفير الهواتف الذكية واللوائح الإلكترونية والمعقمات والكمامات والأقنعة الواقية والدعم المالي للأساتذة… إلخ؛ وكل ذلك بهدف إنجاح ورش التعليم عن بعد، وبهدف التخفيف من حدة الفوارق الطبقية والمجالية التي فاقمتها “الجائحة” (و”الجائحة” نفسها نتاج واقع رأسمالي متوحش ومتعفّن ومحتضَر). وحبذا لو تثمن الدولة هذه المبادرة بفرض مساعدات أخرى على الرأسمال الأجنبي، فمن واجبه أن ينفق على أبناء “العمال” كما استغل آباءهم في المصانع لعقود.

– وعليه، فعوض أن يفرح اليوم “أرباب المدارس الخاصة” لاعتماد التعليم الحضوري كخيار، وجب عليهم أن يساهموا في إنجاح ورش التعليم عن بعد. واعتبارا لوطنيتهم، فقد كان من واجبهم الإنفاق (كرأسمال مغربي) مما راكموه من فائض قيمة أنتجه “الأساتذة العمال” لصالحهم، بدل أن يسيل لعابهم لأرباح الدخول المدرسي الجديد.

– أما الاستعمار فقد أنتج قديمُه تخلفنا وتبعيتنا، كما عمل جديدُه على تكريس كل ذلك أفظع من سابقه. إن الرأسمال المغربي التبعي -الذي وجهنا له النقد أعلاه-ليُعَدّ من بقايا الرأسمال الكولونيالي، وإن الرأسمال الأجنبي -الذي يراكم أرباحه على حساب حقوقنا ومصالحنا-ليُعَدّ من تبعات ما يفرضه “الاستعمار الجديد” (حيث الابتزاز السياسي والتبعية الاقتصادية للأجنبي). لكل رأسمال لوبيات تحميه، ومنها “اللوبي الفرنكفوني” الذي لا نستبعد تأثيره في السياسات التعليمية المغربية، والقرائن على ذلك عديدة، لعل آخرها “اعتماد خياري التعليم الحضوري والتعليم عن بعد” (نفس ما اعتمدته فرنسا) دون اعتبار للفرق الكبير بيننا وبين فرنسا على مستوى البنيات التحتية واللوجستيك.

… إلخ.

من حقنا جميعا أن نحل المشاكل آنيا، ولنعلم أيضا أن التعلق بالحلول الآنية لدى “النخب” ليس إلا مظهرا من مظاهر الاستعمار في نهاية المطاف.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *