ذمّ التكفير من غير موجب من خلال بيان مفهوم مصطلح ”أهل التوحيد” في كتاب الإبانة لأبي الحسن الأشعري -6-   عمر خويا

يستثنى الشرع من الدخول في أهل التوحيد: الذين حصل منهم الاعتراف بوحدانية الله عز وجل فعلا لكن في وقت لا يقبل فيه توحيدهم.

وبيان ذلك أن الشرع حدّد أوقاتا ترد فيها توبة الكافر أو المرتد في قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} النساء:18، وفي قول نبيه عليه الصلاة والسلام: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر[i]»[ii]. موطن الشاهد في الآية هو قوله سبحانه: {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وهو يدل على أن توبة الكفار تكون بإسلامهم، لكن تحديد وقت عدم قبول توبتهم قد يُفسّر من ظاهر الآية على أنه يوم القيامة لحصول الندم منهم على ما فاتهم في الدنيا من العمل الصالح.

وقد يُحمل على وقت إشرافهم على الموت وهو الراجح، لأن الحديث عن التوبة وشروط قبولها متعلّق بدار العمل وهو الحياة الدنيا. والكافر إذا أقرّ لله تعالى بالوحدانية قاصدا من الإقرار الدخول في الإسلام وهو يعالج الموت -يغرغر بلفظ الحديث- لم ينفع قصده ولم يكن موحّدا، لأن الظاهر أن قصده باطل لوقوعه في وقت لا تنفع فيه توبة تائب.

والأمر يقال أيضا لغير المسلم عند تحقق آيات الله تعالى: طلوع الشمس من مغربها وخروج دابة الأرض أو الدجال أو الدخان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض»[iii]، عندئذ لا تقبل توبته ولا يكون موحّدا.

نموذج أولئك فرعون عندما اعترف لله تعالى بالوحدانية وهو يغرق، قال الله سبحانه {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} يونس.

فقد عبّرت الآية عن التوحيد بلفظ الإيمان بالله وحده، ومقدمة الإيمان هو الإقرار باللسان. فبعد أن انقطعت سبل النجاة بفرعون وأيقن بالموت، وبلغ غاية الذّل أمام صدق دلائل دعوة موسى عليه السلام، رجا بقوله النجاة والمغفرة والانضمام إلى ركب المسلمين الموحّدين، لكنّ الجواب جاءه بمعنى «لا إيمان الآن. والمنفي هو إيمان ينجي من حصل منه في الدنيا والآخرة. وإنما لم ينفعه إيمانه لأنه جاء به في وقت حصول الموت، وهو وقت لا يُقبل فيه إيمان الكافر ولا توبة العاصي»[iv].

وهذا ما يُفهم أيضا من فعل القوم الذين قال الله تعالى فيهم: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} غافر.

المحصول مما سبق أن قول “لا إله إلا الله” يدخل صاحبه بموجبه في الإسلام بإقراره بوحدانية الله تعالى، فهو من أهل التوحيد. والتّوحيد في الحديث مظنة نيل الشفاعة والنجاة من الخلود في النار بشرط عدم الإشراك بالله عز وجل. فأهل التوحيد في الأحاديث برواياتها هم جماعة من الناس، قضى الله جل جلاله أن يَدخل البعضُ منهم النار لِما اقترفوه من المعاصي، وقضى سبحانه أن يَخرجوا منها بعد حين لما يحملونه من صفات الخير الباعثة على نيل الشفاعة بفضل الله عز وجل.

————————————————————————

[i] – الغرغرة: الحشرجة: وهي صوت تردد الروح في الحلق.

[ii] – مسند أحمد بن حنبل، المرجع نفسه، مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، رقم الحديث:6160، ج10، ص300.

[iii] – صحيح مسلم، المرجع نفسه، كتاب الإيمان، رقم الحديث:158، في رواية للحديث في مسند أحمد، المرجع السابق، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، رقم الحديث:9752، ج15، ص468.

[iv] – ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد. تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، والمشهور بالتحرير والتنوير، ج11، ص277.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *