العقل الإسلامي وسؤال التجديد محمد أمين إدحيمود

مقصدي الأساس من إثارة إشكال العقل الإسلامي في علاقته بسؤال التجديد؛ هو استفزاز التمثلات لإعادة مساءلة الذوات، بحثا عن الممكنات، لرفع التحديات، وتجاوز الرهانات، وتهيئ القدرات والكفاءات، لتحمل المسؤوليات، ومواجهة الحياة.
فأقول مستعينا بالله؛ إن تدهور الحضارة الإسلامية، يرجع بالأساس إلى أمرين اثنين:
– السبب الأول: استخفاف المسلمين بتراثهم، والإعراض عنه، فلا صلة ولا رابطة بين إرث الأجداد والنظرة المعاصرة التي أصبحت تتأسس لدى الخلف، فكانت النتيجة المنتظرة من هذه القطيعة الإبستمولوجية والفكرية؛ عدم تحقق التراكم المطلوب في استكمال البناء الحضاري.
– السبب الثاني: تكالب أعداء الإسلام على تاريخ المسلمين بالدسائس والتزوير والتحريف والتخريف، ونشر الإسرائيليات المعاصرة، ومحاولة الإسقاط من تاريخ المسلمين، ومحاصرته من كل الجوانب وبكل الوسائل والمعيقات.
فالأمر الأول يرجع إلى سبب داخلي؛ متعلق بهمة المسلمين أنفسهم، وإعلانهم الغير المباشر للخيانة العظمى، لأنهم عدلوا عن مواصلة المسار في تجاه «السَنن العمراني الاستخلافي»، الذي يحتم على الجيل المعاصر الإنتاج والإبداع، لتقديم النموذج الأمثل في قيادة وريادة الأمم.
وأما الأمر الثاني، فإنه راجع إلى إشكال خارجي، يتحكم في التوجهات العامة للمسلمين، ويفرض سيطرته على الأنساق الإيديولوجية والثقافية والسياسية، بحكم ما يملك من القوة والسلاح والعتاد وزمام الاقتصاد.
وإعلان الاستقلال أمام هذا الواقع، سيكون في نظري أمرا صعبا، لأنه يحتاج إلى مراجعة داخلية، وتوبة نصوح تتصالح أولا مع التراث، وتعلن ثانيا قناعتها بفاعليته، وهنا أود أن ألفت النظر إلى طبيعة العقل المسلم الذي أنتج علوما رائدة في شتى الفنون والحقول المعرفية، مع العلم أن المعرفة الإسلامية تميزت بطابع التجديد والتطور منذ نشأتها إلى قرون متأخرة؛ ذلك أن علماءنا رحمهم اقتنعوا بأن «الاجتهاد والتجديد» من سنن الله يجريها في كونه، وأن الاستجابة لهذه السنة الكونية على المستوى الفردي والجماعي من فروض العين لا من فروض الكفاية؟؟!!! لأنهم أحسوا بالفراغ، وفهموا خطاب الكفاية بأنه يخاطبهم ويشملهم، ولم يتهربوا منه بدعوى «سقوط التكليف التجديدي الاجتهادي» عليهم، ليسندوا مسؤوليته إلى غيرهم من بني البشر، لأنه لا يمكن للبناء الحضاري أن يستوي على سوقه بدون وجود «نفر الدعوة والتجديد والرواحل المهاجرين في طلب العلم».
فتصرف العلماء بمبدأ «المباردة والحافزية» في تحصيل العلوم وتعلمها واكتسابها، وبمنطق التخصص في تعليمها وتدريسها، فكل منهم انصرف إلى خدمة المجال الذي يجد فيه نفسه مبدعا وكفءً، فكان فعلا ما كان من الأوج والتكامل المعرفي في بناء الصرح العلمي، فتجد الفقيه إلى جنب المحدث وإلى جنب الأصولي في نسق مرجعي وتواصلي مندمج..
بل من العلماء من اجتمعت فيه صفات العلم وصنوفه بفضل موسوعيته، فبحث ودرس الأصول والفقه والكلام والحديث.. وكلها علوم تنبئنا عن طبيعة العقل الإسلامي الفريدة من نوعها، وبأنها عقلية فياضة لم تبخل قط على منظومة العلوم الإسلامية بالعطاء والإنتاج، فجادت قرائح العلماء بما آتاهم الله من العلم والحكمة.
ولكن السؤال الحرج الذي يسائل كل من يدعي الانتساب إلى «العلوم الشرعية والدراسات الإسلامية»؛ ما موقعنا من هذا التراكم العلمي الذي قدمه أسلافنا؟؟!!!
أما آن الأوان لنراجع أنفسنا، وننتقد ذواتنا حتى تستفيق من سباتها، وتواصل السير في أفق إتمام مسار العلوم الشرعية؟؟؟
هل استخفافنا بذواتنا هو الذي آل بنا إلى هذا النكوص والركود، والاكتفاء بموروث من سلف دون حمل هم التجديد وإعادة الإحياء والبناء؟؟؟
لماذا لا نستجيب لنداء السنة الكونية التي تنادي من السماء؛ لتستنهض الهمم أمام كل باحث، لتعلق الأمل عليه بأنه قد يبشر بناصية «التجديد»، أين اكتسبنا هذا التمثل الخاطئ الذي يصور لنا التجديد على أنه «أمر خارق» لا يستطيعه إلا الجهابذة والفحول وملائكة الأرض؟؟؟
متى ستبقى سلطة التمثلات والمعتقدات السلبية حاكمة على عقولنا، كأنها غشاوة على أبصارنا تحول عقولنا دون التأمل والنظر والتدبر؟؟؟
هل أقفلت العقول؟؟ هل جفت الصحف؟؟ هل رفعت الأقلام؟؟ حتى نقول أن الكون لم يبق فيه مجددون؟؟
أسئلة خطيرة ووجيهة، تبحث عن تحرير علمي موضوعي يكشف اللبس عن حقيقتها، فقد آن الأوان لفراق الزوجة الهاوية المتمثلة في «تيار الحداثة والعولمة» التي سلبت عقولنا بلحن خطابها، وجمال مظهرها؟؟؟!! فقد أعلنت حقا عصيانها، وأغرقت المسلمين في ملذات الشهوات، ومضاجع الفتن والشبهات، وأضاعت منهم «مفاتيح العلوم» وزمام التقدم والريادة والازدهار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *