كثيرا بل كثيرا جدا ما نردد ما يسوقه الإعلام الغربي دون أن نحاول مناقشة هذه الأطروحات مناقشة علمية وإحصائية حتى يمكننا إثبات عكسها أو الاقتناع بها، فقاعدة «ما تكرر تقرر» تطبق علينا بامتياز، فعندما يريدون إقناعنا بفرضية حتى لو كانت كاذبة خاطئة يرددونها كثيرا في كل مكان حتى تستقر في أذهاننا نحن، فنظل دوما في حال المفعول به.
وأطلق الغرب علينا -كمسلمين- وصف الإرهاب، وأضحت الصورة النمطية التي ترد في الذهن فور نطق كلمة مسلم تعني إرهابي، واستخدمت نفس السياسة الإعلامية، فرددوها كثيرا جدا حتى أغرقونا بها، فصار الجميع في ركن منزو يحاولون الدفاع عن أنفسهم، حتى اهتدوا إلى حل يريحهم في الشرق المسلم وهو الاعتراف بالتهمة ولكن بإسقاطها على عدد من أبنائهم فثبتوا التهمة أكثر على الجميع.
وفي مقال نادر وقوي ومهم ويسبح ضد هذا التيار وينبغي أن يكون العمدة في هذه المواجهة الفكرية، كتبه الكاتب ديان عبيد الله في الصحيفة الأمريكية «الديلي بيست» [1]، جاء بعنوان «هل جميع الإرهابيين مسلمون؟»، فجاء منهجه في الرد مخالفا لما يرد به المسلمون على مثل هذه الاتهامات.
فجاء المقال علميا وإحصائيا موثقا بادئا بسؤال متكرر كم مرة سمعت جملة: «ليس كل المسلمين إرهابيين، ولكن كل الإرهابيين مسلمون»؟ وتبعها بسؤال آخر: «لماذا لا نرى الإرهابيين المسيحيين أو البوذيين أو اليهود؟!».
والحقيقة الصادمة كما قال عبيد الله «ما قد يتسبب في الصدمة للكثيرين، هو أن الغالبية الساحقة من أولئك الذين ارتكبوا الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة وأوروبا ليسوا مسلمين، وأنه ليس خطأك إذا لم تكن على علم بهذه الحقيقة، بل يمكنك إلقاء اللوم في ذلك على وسائل الإعلام».
وبالإحصاءات الموثقة نقل عبيد الله ما ذكره تقرير «الإنتربول الأوروبي (يوروبول) وهي وكالة إنفاذ القانون في الاتحاد الأوروبي الذي صدر في العام الماضي أن نسبة العمليات الإرهابية التي اقترفها مسلمون لا تتجاوز 2% عالميا، وأن الغالبية العظمى من الهجمات الإرهابية في أوروبا ارتكبت من قبل الجماعات الانفصالية، فكان هناك 152 هجوماً إرهابياً في أوروبا عام 2013م، ولكن فقط اثنين من هذه الهجمات كانا «ذات دوافع دينية»، مقابل 84 منها كانت مبنية على معتقدات عرقية وقومية أو انفصالية»، وبالتالي فان المسلمين -إحصائيا ورقميا- بريؤون تماما من تهمة الإرهاب.
فتساءل الكاتب عن وجود إرهاب مسيحي عنصري أم لا؟ وماذا لو كان المسلمون هم مرتكبو هذه الحوادث الإرهابية؟
فقال: «فبعد وقوع واحدة من أسوأ الهجمات الإرهابية في أوروبا عام 2011م، عندما ذبح «أندرس بريفيك» 77 شخصاً مسلما في النرويج لتعزيز أجندته المعادية للمسلمين وللمهاجرين، والموالية لـ«أوروبا المسيحية»، كما ذكر هو نفسه، لم نرَ الصحافة تغطي الموضوع بكثافة في الولايات المتحدة؟
نعم، تمت تغطية ذلك، ولكن ليس بالطريقة التي نراها عندما يكون إرهابي مسلم هو المنفذ للهجوم، وبالإضافة إلى ذلك، لم نرَ خبراء الإرهاب يملؤون ساعات البث الإخباري متسائلين: كيف يمكننا أن نوقف الإرهابيين المسيحيين في المستقبل، بل في الواقع، كان حتى وصف «بريفيك» بأنه «إرهابي مسيحي» قد لقي غضب الكثيرين، بما في ذلك «بيل أورايلي» من شبكة «فوكس نيوز».
وتساءل أيضا عن هل هناك إرهاب بوذي عالمي؟ فقال: «البوذيون المتطرفون قتلوا العديد من المدنيين المسلمين في بورما، وقبل بضعة أشهر في سريلانكا، عاث بعضهم فساداً من خلال إحراق منازل المسلمين، وشركاتهم».
وطرح سؤالا عن الإرهابيين اليهود وهل هناك إرهاب يهودي عالمي؟ فقال الكاتب: «في تقرير وزارة الخارجية عام 2013م عن الإرهاب، كان هناك ذكر لـ399 من الأعمال الإرهابية التي ارتكبت من قبل المستوطنين «الإسرائيليين»، هؤلاء الإرهابيون اليهود هاجموا المدنيين الفلسطينيين؛ مما تسبب في إلحاق إصابات جسدية بـ93 منهم، وكذلك تخريب عشرات المساجد والكنائس المسيحية».
وأخيرا تساءل عن الإرهاب في الولايات المتحدة؟
فرد الكاتب: «في أمريكا أيضاً نسبة الهجمات الإرهابية التي ارتكبها المسلمون ضئيلة كما هي الحال في أوروبا «وقد وجدت دراسة مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) التي بحثت في الإرهاب الذي ارتكب على الأراضي الأمريكية بين عامي 1980 و2005م، أن 94% من الهجمات الإرهابية ارتكبت من قبل غير المسلمين، وفي الواقع، تم تنفيذ 42% من الهجمات الإرهابية من قبل المجموعات ذات الصلة باللاتينيين، و24% منها ارتكبتها الجهات اليسارية المتطرفة».
ثم يضيف: «ووجدت دراسة لجامعة ولاية كارولينا الشمالية في عام 2014م، أنه ومنذ هجمات 11 سبتمبر، لم يؤدِّ الإرهاب المرتبط بالمسلمين إلا لمقتل 37 من الأمريكيين، في حين أن 190.000 أمريكي قتلوا في تلك الفترة الزمنية نفسها».
فبمثل هذا الرد الذي يتسم بالايجابية والبعد عن الردود الضعيفة الهزيلة التي تزيد من وقوعنا تحت الضغوط، فبمثل هذا النبرة التي تواجههم بإرهابهم الحقيقي وتكشف لهم ما يريدون تدليسه علينا؛ يمكن الرد عليهم ومخاطبتهم، فاعتياد الدفاع والاعتذار لا ينفي عنا اتهاماتهم الباطلة بل يؤكدها دائما في حقنا، وما علينا سوى كشف مخازي أفعالهم، فالاعتذار والتبرؤ لا يكفي بل إقامة الحجة والدليل على أن الإرهاب في أصله ومنبعه صنيعتهم ومنتجهم وهم مخترعوه ومصدروه.
مركز التأصيل للدراسات والبحوث
ـــــــــــ
[1] صحيفة وموقع أخبار ورأي أمريكي أسسته تينا براون، وتم الدمج بينه وبين شركة نيوزويك تحت اسم نيوزويك ديلي بيست.