الخبر:
بدأت قناة تلفزيون فضائية إخبارية ناطقة بالعربية تموّلها روسيا البث, يوم الجمعة 05/05/2007, لتصبح أحدث جبهة في مساعي الكرملين لاستعادة النفوذ الذي كان يتمتع به في الشرق الأوسط إبان العهد السوفيتي.
التعليق:
أدرك الغرب منذ زمن طويل أهمية الإعلام ودوره في نشر الأفكار التي يريد الترويج لها في مناطق نفوذه, وجاءت هذه الخطوة على نحو واسع بعد حصول عدد كبير من الدول العربية على استقلالها وخروجها عن السيطرة العسكرية للقوى الغربية, وإن كان الإعداد لها قد بدأ وهو جاثم على أنفاس هذه الدول, حيث قام بتربية عدد من المثقفين على عينه وأرسلهم في بعثات دراسية, وتولى عدد منهم مناصب تربوية وإعلامية بارزة حال عودتهم وبمباركة واضحة من المحتل.
ومع خروج المحتل وازدياد صراع النفوذ والمصالح كان ينبغي إيجاد عدد من الحلول لاستمرار الهيمنة, ووجد الغرب أن أحد أهم هذه الحلول هو غزو عقول الجماهير العربية وخصوصًا النخبة التي تتولى التوجيه والحكم.
وقام الغرب بشراء عدد من الأقلام والصحف لبث أفكاره على صعيد واسع وأجزل لها العطاء, في حين قامت عدد من الأقلام والصحف بنشر هذه الأفكار بلا مقابل؛ بدعوى الاقتناع الفكري, وليس المقصود بالغرب هنا أوروبا الغربية والولايات المتحدة فقط ولكن يدخل في ذلك أيضًا الاتحاد السوفيتي السابق والذي دخل اللعبة على نطاق واسع خلال حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عندما كانت الأفكار الاشتراكية رائجة في المنطقة وتبنتها العديد من الأنظمة والقيادات الفكرية التي كانت على صلة وثيقة بالكتلة الشرقية.
كانت هذه الدعايات تصب في محتواها على أهمية اللحاق بالغرب “المتطور” ونسيان “الماضي”, والبكاء على ضعف العرب وهزيمتهم نتيجة لسيطرة “الخرافات والجهالة على عقولهم”- في إشارة غير خافية إلى الدين والعقيدة- وأن التقدم يأتي من إتباع المذاهب الحديثة مثل الليبرالية والوجودية والاشتراكية والرأسمالية والديمقراطية, كلٌ على حسب توجهه, وانتشرت في هذا الوقت أفكار طه حسين وسلامة موسى وقاسم أمين.
وتطورت هذه المرحلة فيما بعد وتم افتتاح عدد من الإذاعات الغربية الناطقة باللغة العربية لسهولة الوصول للمستمع العربي مباشرة ومن هذه الإذاعات صوت أمريكا وصوت فرنسا ومونت كارلو وهيئة الإذاعة البريطانية وغيرها, واستطاعت اجتذاب آذان المستمع العربي بدقة أخبارها وسرعتها مقارنة بالإذاعات العربية في هذا الوقت والتي كانت تعاني من الترهل وسيطرة الحكومات وتوجيهها.
وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي ومع انطلاق الفضائيات وانتشارها في العالم العربي ومع تنامي أهمية المنطقة العربية كمصدر رئيس للطاقة في ظل التقدم الصناعي والاقتصادي الواسع والذي أصبح يدير السياسة وليس العكس, كان من المهم إيجاد المزيد من الطرق للسيطرة على عقول جماهير هذه المنطقة خصوصًا مع تزايد كراهية شعوبها للغرب وسياساته المجحفة, ومع وجود محطات عربية تركز على القضايا العربية والتفاف المشاهد بقوة حولها مثل قناة الجزيرة الإخبارية, من هنا بدأت مرحلة جديدة للغزو بإطلاق عدة قنوات غربية فضائية ناطقة بالعربية بدأتها واشنطن بقناة الحرة ثم قبل أسابيع أطلقت قناة “فرانس24” خدمة ناطقة باللغة بالعربية, ثم روسيا التي بدأت أول أمس بث إذاعتها باللغة العربية, في حين تستعد هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) لإطلاق قناة تلفزيونية ناطقة باللغة العربية أواخر العام الجاري.
وهنا تأتي ملاحظة هامة أشار إليها رئيس تحرير صحيفة “القدس العربي” عبد الباري عطوان عندما ذكر أن القاسم المشترك بين أغلب تلك القنوات هو أنها ممولة من حكومات بلدان متورطة في الحروب والأزمة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ولها مصالح حيوية وإستراتيجية فيها.
وأكد عطوان الذي كان يتحدث في منتدى الجزيرة الإعلامي الثالث, أن ميلاد خدمات تلفزيونية بالعربية في كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا وبريطانيا، هو جزء من هجمة شرسة تستهدف العقل الجمعي للمنطقة بهدف تسطيح وعيه وتهيئة التربة الخصبة لاستغلال ثرواته الطبيعية المتمثلة أساسًا في النفط.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر محمد المسفر تلك القنوات جزءًا من حرب طويلة ضد الأمة العربية الإسلامية وهويتها، تواصلت على مدى قرون واتخذت أشكالاً مختلفة عبر التاريخ.
ويرى المسفر أن الهدف من تلك القنوات هو دخول البيت العربي واستهداف النواة الأساسية للهوية العربية والإسلامية المتمثلة في خلية العائلة، بهدف إعادة صياغة العقل العربي من الأساس لتمهيد الأرضية الثقافية للقوى المتصارعة في المنطقة.