“أصوات مراكش” من النزاهة إلى السفاهة حمّاد القباج

لقد استبشرنا خيرا بصدور جريدة أصوات مراكش، وأمّلنا أن تكون فعلا صوتا يصدع مدويا بنداءات الإصلاح والتقويم، سيما بعد معرفتنا برغبتها أن تكون منبرا لصوت المطالبة بـ”العدالة الاجتماعية”، وتوسمنا أنها ستشكل عقبة أمام رياح المسخ الحضاري التي تهدد المدينة بطوفان مدمر.

إلا أن الفرحة تكدرت بأمور سرعان ما ظهرت في خط تحريرها الذي أخذ منحى غريبا مريبا، ظهر من خلاله عجز المسؤولين عنها عن السير بها نحو المطلوب، والارتقاء بها في معارج الإصلاح المرغوب.
وقد تجلى ذلك حين أُقحمت الجريدة في حربٍ شعواء ضد أناس يصيبون ويخطئون كغيرهم، وتطاولٍ خطير على أعراضهم بما تنزه عنه الصحافة المحترمة.
وقد طغى هذا التوجه على الجريدة حتى كاد يوحي إلى المتتبع بأنها ما أسست إلا لذلك، وبأن دعوى محاربتها للفساد ليس إلا هجوما على أسرة جردتها من كل حسنة ووصفتها بكل سيئة وموبقة، وأن الإصلاح الذي تنادي به ليس إلا إزاحة تلك الأسرة من الخريطة السياسية للمدينة ليحل غيرها مكانها ولو كان يحمل دعوة استئصالية.
ويعجب المرء مما تورطت فيه الجريدة في هذا السياق من تتبع للعورات، واتهام للنيات، وتشويه للصورة، ووصف بأقذع السب وأشنعه: العصابات، الجهال، المفسدين، الكائنات، اللصوص، ماركات انتخابية.. إلـخ!!
بل خصصت لهذا الطرح الساقط المغرض ملفات كاملة: (ملفي العدد 3 و11 نموذجا) !!
ومثل هذا الموقف المخزي يجعلنا نطرح أكثر من تساؤل:
هل هذا هو الإصلاح المتوخى؟
وهل تلك لغة الصحافة النزيهة؟
ولصالح من تشن هذه الحملة المسعورة؟
وما هي المصلحة التي تجنيها مراكش من جعلها صوتا لتلك الحملة ولذلك التوجه المغرض؟
..لقد كان حريا بمن انتحل أصوات مراكش أن ينزهها عن أن تصير صوتا لأصحاب الحسابات السياسية، وقنطرة لمن أراد أن يُغِير على المدينة لمسخها باسم الديمقراطية ومحاربة الفساد.
وقد أضحى بينا وصار ظاهرا أن توجه الجريدة يمثل موقفا مبيتا وخطة مدروسة للتمكين لطرف، وإزاحة آخر أضحى محسودا من ذوي الأطماع، وله مادحون كما له قادحون، وله أخطاء كما له حسنات؟
وفي هذا الصدد استغربت واستنكرت كثيرا عناوين ومضامين لم تتورع عن إيهام الكذب الصراح؛ من مثل العنوان الذي قرأت في العدد (9) وهو: (نجيب ولد العروسية يصلي على نصراني)!
وهذا حصل خطأ من مخدع الأموات بالمستشفى، ولم يعرف ذلك المصلون إلا عند الدفن، فما بال هذا العنوان المغرض؟
ومثله عنوان العدد (13): (طحتي في الواد بحوايجك آل محجوب)!!
أما الأستاذ عزيز باطراح فقد عبر عن ذلك التوجه بعبارات ومواقف يستغرب المرء صدورها من صحافي تفترض فيه النزاهة والموضوعية ؛ فإنه لما أيقن باكتساح (التراكتور) لمراكش تعلق بذيله ليظهر شريكا في الفتح المرتقب، وصاح بأعلى صوته: “لا يكفي طرد المفسدين بل لابد من محاسبتهم”. [العدد 9، ص. 3].
فكان أشد حقدا من سائق (التراكتور) الذي اكتفى بأن يقول لهم: “اذهبوا إلى حال سبيلكم”، وكأن مراكش بيته الذي يطرد منه من شاء ويأوي إليه من أراد!
فلما نكص (التراكتور) على عقبيه فارا من رجم الناخبين! جعل الناطق باسم أصوات مراكش ينظر ذات اليمين وذات الشمال، وإذا به وجها لوجه أمام من كان يسعى لمحوهم من الخريطة السياسية لمراكش، وإذا به بدل أن يقر بانتصار المنتصر وهزيمة المنهزم، يدخل في عداوة أشد للمنتصرين، ويزن بموازين {المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}، ويتطاول على عرض أسرة محترمة بما لا يقبل غيور على مراكش أن يجعل صوتا لها.
ومعلوم أن امتهان كرامة الناس والتشهير بهم بالباطل من أجل ربح صحفي أو حساب سياسي، وضمان التسويق والشهرة على حساب أعراض الناس خلق دنيء يعاقب عليه الشرع والقانون.
ولقد بلغت السفاهة المقيتة إلى درجة التنكيت بأفراد تلك الأسرة برسوم ساقطة وتعابير ماجنة تصورهم للناس بأبشع الصور وأشنعها. [(مقالة: ألو.. أصوات مراكش) نموذجا].
وأمام هذه الحملة الشرسة تساءلت متعجبا: ألهذا الحد بلغ شر هذه الأسرة التي أعرف فيها علماء أجلاء، ومثقفين، وفاعلين جمعويين أجرى الله على أيديهم خيرا كثيرا، وفيهم المحسن والمسيء كغيرهم؟
وأين هي المواقف الشريفة -تجاه المساجد والمساكين- التي عرفت عن الرجل الذي تتهمه الجريدة بالفساد؟ وهو الذي خصص راتبيه من البرلمان والمجلس الجماعي للجمعيات الخيرية، ومصدر ثروته معلوم عند الناس؛ فقد كان تاجرا (بسيطا) وترقى في سلم التجارة حتى جمع ثروته.
ولم نقرأ فيما رمته به “الأصوات” من فساد مالي عظيم؛ أرقاما ولا إثباتات، وإنما تهم وعمومات!!
ناهيك عن أخيه ذي الكرم المعروف بين أهل مراكش، والعاطفة الجياشة مع ضعفائها ومظلوميها، وهو رئيس “جمعية من أجل مراكش” التي حققت في وقت وجيز الكثير من الإنجازات الاجتماعية والتعليمية، وجمعت تحت لوائها كثيرا من عقلاء مراكش وفضلائها؛ أطباء ومدراء وأساتذة ومحامين وغيرهم..
{وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين}.
أما بعد؛ فليس بيني وبين أحد قرابة ولا مصلحة سياسية ولا غيرها، لكنني أحببت التعبير عن موقفي ممن يريد أن يجعل من “أصوات مراكش” قنطرة للاستئصاليين والمتنفذين باسم الديمقراطية والإصلاح، ويطعن في الناس بجزافية وسفه باسم الوطنية ومحاربة الفساد، سيما بعد أن لاحظت أن لا أحد من المتعاطفين مع الجريدة أشار إلى جنوحها، أو نبه على ميلها ذاك الميول المريب، المغرق في الغلو والشنآن ..
إن مدينتنا العزيزة في حاجة إلى إصلاح حقيقي شامل نربأ به عن الحسابات السياسية الضيقة، ونستعلي به عن سفساف الكلام وقبيح العبارات، ونصونه من (ديكتاتورية) من يلبس لبوس الديمقراطية ويمارس فكر الإقصاء والاستئصال.
إصلاح يهتم بمواجهة جحافل الإفساد التي تستهدف مدينتنا باسم: السياحة والانفتاح وتطوير الاقتصاد وغير ذلك ..
وفي الجملة: إصلاح يقوم على الإنصاف والنزاهة، ويجتنب موارد الظلم والسفاهة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *