تدهور الأخلاق في مجتمعاتنا لم يعد يحتاج إلى كثير من العناء لإثباته، فبمجرد إلقاء نظرة متأنية على سلوكيات أبنائنا وبناتنا واهتماماتهم يتبين للناظر فظاعة وهول المستوى المتردي الذي وصل إليه مجتمعنا المسلم الذي كان يوما ما محافظا، فمن العري والتهتك إلى إدمان وتعاطي المخدرات والتجارة بها ومن امتهان الدعارة إلى زنا المحارم مرورا بالشذوذ والدياثة ومن حوادث خطف واغتصاب الفتيات إلى جرائم الرشوة والسرقات والقتل وانتشار جرائم التزوير ونهب المال العام، وهذا كله مؤشر يؤكد انهيار منظومة الأخلاق والقيم التي كانت حاكمة في مجتمعاتنا، فأين ذهبت هذه القيم وما سبب انهيارها؟
فإذا تمعنا في تاريخ أمتنا وما يحاك لها بليل ونهار نجد ومنذ فترة طويلة أن هناك محاولات مستمرة ومنظمة على نسق واحد هو نسق التغريب ومسخ الذات ونكران الهوية والتخلص من المرجعية، وهذه المحاولات إما يتولى أمرها غربيون حاقدون أو متغربون علمانيون في البلدان الإسلامية.
ومن الوسائل المستخدمة في إضعاف الوازع الديني لدى المواطنين المسلمين والذي يعتبر الأصل في منظومة القيم والأخلاق: وسائل الإعلام، حيث يعمل الإعلام العلماني على نفث سموم الثقافة الغربية في الأوساط الشعبية بعاداتها وتقاليدها وأنماط عيشها على نطاق واسع من خلال الإذاعة والتلفزيون والسينما والفيديو والمسرح و… فتجدها تروج أفلاما غربية مطولة -تجد أغلبها يتعدى المائة حلقة- على رغم ما تلقاه هذه الأفلام من نقد في بلدها وتهكم وسخرية إلا أننا نجد إصرارا من القائمين على أجهزة إعلامنا لعرضها علينا على ما فيها من تفسخ وعري وخيانة زوجية وزنا محارم ودياثة وتشجيع على الرذيلة والشذوذ… حتى ينهار المجتمع كما قال الدكتور أحمد المجدوب: “إن مجتمعاتنا الآن في حالة انهيار: انهيار الأسرة وانهيار في علاقات الزوج بالزوجة وانهيار في العمل وانهيار بين الشباب وانهيار بين الكبار، وهناك عوامل كثيرة، على رأسها الإعلام… ونحن مع الأسف عندنا إعلام يزرع المزيد من الانحلال ولا يجابهه، وكأن أهل الإعلام غرباء عن مجتمعاتهم لا يعنيهم أمرها”.
ولكن القوم يلقون هذه الثقافة علينا بعجرها وبجرها متناسين أننا مسلمون وأن هذه المسلسلات لا علاقة لها بنا لا من قريب ولا من بعيد، وهذا هو الخطير، حيث يقول الدكتور محمد كمال: “إن البث الإعلامي الغربي إلى مجتمعاتنا يمثل تحدياً خطيراً لأنه يطبع في قلب المشاهد صوراً نمطية تحدث تغييراً في السلوك لصالح الحضارة الغربية، ومخططات الغرب في إفساد المسلمين وإضعافهم، فإلى جانب كسر الهوية الروحية الإسلامية والتذويب الثقافي والاجتماعي، يركز الإعلام الغربي على فساد القيم السلوكية التي يمكن أن تكون حاجزاً ضد هذا التدفق.
إنهم يدركون تماماً أن التحلل القيمي والسلوكي سوف يترتب عليه نشوء شخصية مشوهة على مستوى الفرد والمجتمع، ولاشك أن استيراد البرامج والمسلسلات والأفلام الأجنبية منذ عشرات السنين قد عملت عملها وأتت بنتائجها السلبية التي نعلمها جميعاً”.
فمتى يعلم المسؤولون عن وسائل الإعلام أن البرامج والمواد التي يبثونها لا ترضي غالبية المواطنين، ولا تستجيب لطموحاتهم، رغم كون الساهرين عليها يوهموننا أن المغاربة يتجاوبون مع برامج الخلاعة والتهتك التي يتبادل فيها أبطالها القبلات والعناق، وما دامت القناتان الوطنيتان تمولان من الأموال العامة فمن الواجب على القائمين عليها أن يضبطوا برامجهما وفق المرجعية الإسلامية والقيم الدينية لا وفق أهواء العلمانيين والمستغربين المنتجين لأغلب المواد التلفزيونية.