غرف الدردشة

مكنت الانترنيت من تجاوز الحواجز الاجتماعية والجغرافية، وأصبحت من أهم وسائل التواصل وانتقال المعارف، وتعتبر غرف الدردشة أو المحادثة الأكثر تداولا في استعمال الانترنيت، لأنها تمكن من المحادثة والمشاهدة بكل حرية وبعيدا عن كل القيود، لكن هذه الغرف تحولت من مجرد المحادثة والحوار وتبادل المعارف إلى ساحات للقاء بين الجنسين وتبادل الكلام الماجن والوعود الكاذبة، ويتطور الأمر غالبا إلى اللقاء وما يجر معه من ويلات.
فما هي سلبيات ومحاذير استعمال غرف الدردشة؟
وما السبيل إلى ترشيد استعمالها؟
وهل يمكن أن تصير وسيلة للدعوة إلى الله؟

محاذير استعمال غرف الدردشة
نحن لسنا ضد الانترنيت و لا نريد الترهيب من استعماله بل نقر أنه من أهم وسائل جلب المعرفة والدعوة إلى الله في عصرنا الحالي، ولكننا في المقابل ندعو إلى رقابة صارمة في استعماله تخول الحصول على الفوائد والثمار المرجوة، ومن ذلك الدخول إلى غرف الدردشة، فلا نقول أنها محرمة في ذاتها وإنما نؤكد على وجوب خضوعها للضوابط الشرعية والأدبيات الأخلاقية، فهي تكون نعمة عندما توفر اتصالاً بالعالم الخارجي وتحث الشباب على تبادل الثقافات والمعلومات، لكن قد تعتريها تجاوزات كثيرة عندما تصبح وسيطا بين الجنسين وسبيلا إلى الإثارة وتبادل الكلام المهيج.
فالإنسان بطبعه يخاف الفضيحة ويحرص على سمعته لكن كونه أمام جهاز ولا يعرفه أحد ولا يطلع عليه إلا الله، يحرضه على تذليل جميع الحواجز والكشف عن خروقات النفس الأمارة بالسوء، فيتمكن الشيطان من المتحادثَين ويقودهما إلى كلام ما كانا ليبوحا به لو تقابلا مباشرة، فيعتادان ويتجرآن على بعضهما ثم ينتقلان إلى المكالمات الهاتفية وبعدها المقابلات الشخصية، والنتيجة لا تخفى عليكم.
كما أن هذه الغرف أصبحت مدعاة لضياع الأوقات والأعمال والحقوق، لأن الإقبال عليها بشكل مستمر يؤدي إلى الإدمان، وقد عرضت بعض القنوات استطلاعاً حول الموضوع وأكدت أن متوسط ما يقضيه الشخص في هذه المقاهي هو ما بين خمس وست ساعات يومياً، أي بما مجموعه 150 ساعة شهرياً تقريبا، بينما مجموع ما يقضيه من ساعات في المدرسة شهرياً هو 120 ساعة، وغالبية من تم إجراء الاستفتاء معهم يقضي الوقت في الدردشة، كما أكد ذلك استطلاع أجرته إحدى الصحف، و اتضح من خلاله أن 80٪ من مرتادي مقاهي الإنترنت يقضون الوقت في غرف الدردشة والنسبة المتبقية 20٪ موزعة على تصفح المواقع السياسية والاقتصادية والرياضية والدينية.
والغريب أن معظم استعمالات هذه الغرف في الدول الإباحية هي في حل المشاكل الاجتماعية وتبادل المعلومات الثقافية بينما غالب استخدامها في الدول العربية يكون لإثارة الغرائز والنصب والاحتيال.
وفيما يلي بعض مظاهر ونتائج الاستعمال الخاطئ لغرف المحادثة:
– ضياع الأوقات و قلة الحياء والاختلاط بين الجنسين.
– سوء الخلق والغلظة والفظاظة وسرعة الغضب حتى قالت “باميلا لورانس” وهي مسلمة أمريكية: “أصاب بخيبة أمل في كل مرة أدخل فيها إلى غرف الدردشة العربية، حيث ألاحظ معاملة العرب السيئة للأشخاص الذين لا ينتمون لثقافتهم ودينهم، فمن الأفضل أن نرشد الذين يخالفوننا بدلا من أن نهينهم”، وقد سمعت بأذني الكلام النابي الذي يدور بين بعض الشباب في غرف الدردشة فلما سألت المسؤول عن مقهى الانترنيت عما يجري، قال لي بأن هناك غرف خاصة بالسب والشتم يرتادها هؤلاء الحمقى من المغاربة والعرب ليبرزوا عضلاتهم في السخرية والتنقيص من بعضهم البعض والتنابز بالألقاب.
– الغيبة وسماع كلام المتخاطبين من طرف الآخرين، وإفشاء الأسرار الخاصة، وأعجب من بعض الفتيات التي تتكلم بملء فيها مع شباب من الخليج بكلام نخجل من سماعه، ولا داعي للتعليق عن مثل هذه المهزلة.
– افتتان الجنسين ببعضهما البعض.
– غرف المحادثة حقل للخيانة الزوجية وتدمير الأسر.
– ضياع أوقات الصلوات والواجبات الدينية والدنيوية.
عندما تتحول غرف الدردشة الى فيروس خطير
تقول الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع: “إن غرف الدردشة والإنترنت عموما هي المكان الذي يستطيع فيه الإنسان العربي أن يتحدث فيها مع نفسه صراحة، ليقول ما لا يستطيع قوله مع الآخرين”، و ترى الدكتورة عزة أن كثيرا من العرب لديهم نوع من الإحباط والكبت الجنسي الذي يمكن تفريغه عبر الإنترنت، كما أن بعض العرب يشعرون بالتخوف والتشكك إزاء بعضهم وهم لا يستطيعون التعبير عن ذلك على أرضية الواقع فيظهرونه عبر الإنترنت”.
وكم من زوجة اكتشفت زوجها أو زوج اكتشف زوجته في علاقاتٍ غراميَّةٍ غير شرعيَّة من خلال الإنترنت، حتى تداول المختصون مصطلح أرامل الإنترنت على الزوجات اللاتي فقدن أزواجهن بسبب الشبكة العنكبوتية.
ومما يثير الضحك، ظاهرة تقليد الأصوات النسائية بقصد الإيقاع بضحايا من ضعاف القلوب، فيقلد بعض المحتالين صوت امرأة ويدخل في حوارات ماجنة مع الرجل الضحية الذي يضحي بوقته ويرسل تعبئة الهاتف للمحتال بل وحتى النقود إلى رصيده أحيانا، ليخبره في الأخير بالخديعة والحقيقة المرة عندما يطالب باللقاء، وهذا جزاء من يسبح في الماء العكر، فقد أصبحت هذه الغرف مصدرا للرزق عند بعض الثعالب الذين يستغلون ضحايا أغبياء يصرفون أموالهم على صوت نسائي لم يتيقنوا من هوية صاحبه .
ولم يسلم الأطفال من أذى غرف المحادثة، حيث كشفت إحصائية بريطانية أن ستة عشر طفلا كانوا ضحايا للاعتداء من طرف أشخاص تحدثوا معهم عبر الشبكة العنكبوتية، وقالت “راشيل أوكونيل”: “العديد من المنظمات تسعى لأن توفر للأطفال استخداما آمنا لشبكة الانترنت، وقد تلاحقت الدراسات في الاهتمام بالأطفال والمراهقين الذين يرتادون غرف الدردشة، فالعديد منهم يتعرضون للمخاطر والطريقة المثلى في تغيير سلوك هؤلاء الأطفال ليست منعهم من استخدام هذه الغرف وهو ما يأتي غالبا بنتائج معكوسة، وإنما الحل هو مشاركتهم فيما يقومون به”.
فيجب أن تكون هذه المحادثات تحت رقابة المسؤولين والآباء وتحت سيطرتهم لحماية الشباب والفتيات من أخطاره، فإذا كان المسؤول عن الغرفة يتتبع الرسائل والمحادثات فإنه يحد من المشاكل ويجبر الأعضاء على الالتزام بالضوابط، ويقول محمد كمال المسؤول عن غرف الدردشة في موقع أرابيا أون لاين :”إن الرقابة موجودة دائما وإنها تمنع عدة أمور مثل تبادل السباب والمس بالذات الإلهية”.

الدعوة عبر غرف الدردشة
نظرا لسهولة الاتصال عبر الانترنت، والتمكن من نشر الأفكار في مختلف مناطق العالم بمجرد ضغطة زر، فإن هذا الاكتشاف يمكن أن يكون وسيلة لنشر الدعوة إلى الله، وقد بدأنا نسمع أن العديد من الشباب الغربي دخلوا في الدين الحق عن طريق الانترنت، لكن يجب التنبيه على ضوابط يلزم الداعية عبر الإنترنت التحلي بها، والحذر من الوقوع في محاذير قد توقعه في الإفساد من حيث أراد الإصلاح، أو تجعله غريقا بعدما كان يقوم بدور معلم السباحة.
ومن الضوابط والمحاذير التي نثيرها في هذا الباب:
– تسلح الداعية بسلاح العلم الشرعي، على الأقل فيما يدعو إليه.
– إتقانه للغة التي يدعو بها وخصوصا للمفردات الشرعية.
– تحليه بالأخلاق الإسلامية وبأسلوب الدعوة النبوية بعيدا عن التعصب والتنقيص من المخاطبين.
– الحذر من الدخول في محادثات مع الجنس الآخر وأن لا يكون ذلك إلا للضرورة وبالضوابط الشرعية.
– أن يعترف بجهله إذا لم يستطع الإجابة على سؤال ما وأن يرجئ ذلك إلى وقت لاحق حتى يسأل من هو أعلم منه، لأن هناك من المحاورين من يكون له إلمام بالدين الإسلامي ويبحث عن العثرات.
– ألا تجره حلاوة الحديث إلى ترك الصلوات جماعة أو التفريط في التزاماته الدنيوية.
إن غرف المحادثة وسيلة جيدة لتبادل المعلومات ونشر الدعوة إلى الله، لكن ذلك لا يتم إلا إذا التزم المتحاورون بالضوابط الشرعية التي تحميهم من مغبة الوقوع في براثن الفسق والرذيلة، ولذلك وجب علينا إنقاذ هذه الأمة من الشباب الضائع الذين أصبحوا ضحية الاستعمال السيئ لهذه الوسيلة، ويكون ذلك بنصحهم وتوعيتهم عبر المدارس ووسائل الإعلام .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *