يتشدق الإعلام الغربي بالتفوق المهني والموضوعية والحرص على الحياد في التعاطي مع الخبر لما يتمتع به المجال الإعلامي من حرية كبيرة في بلدانه، وفي المقابل يوصم الإعلام العربي بأنه لم يبلغ من المهنية إلا بقدر ما يخدم النظام الرسمي الذي يسيطر على أجندته.
لكن تلك المهنية المتفوقة والحيادية عند الإعلام الغربي تغيب في التعاطي مع القضايا العربية والإسلامية، فعندما يتعلق الأمر بوصف الظواهر الشاذة والسلبية في المجتمعات المسلمة يجيد نقل الخبر، وعندما يريد هذا الإعلام الغربي العلماني مهاجمة التشريعات الإسلامية فإنه يصيغ الخبر بما يخدم إيديولوجيته المعادية للقيود الدينية، وإذا كان النقل لوقائع الحروب التي يشنها الغرب الصليبي والكيان الصهيوني على أمة الإسلام، فإن هذا الإعلام ينقل الأحداث لمجتمعاته مصورا المسلم هو المجرم والإرهابي الذي ينبغي معاقبته، وأن الجيوش التي تحاربه إنما هي جيوش السلام التي تزرع ورود الأمل والديمقراطية بدباباتها وبارجاتها وطائراتها الحربية..
فبعد الحرب على غزة وما خلفته من قتلى وجرحى ودمار كبير للمنازل والمنشآت والبنيات الضرورية تحركت العديد من الحكومات والهيآت والجمعيات لدعم مشروع إعادة إعمار قطاع غزة المنكوب، وفي سبيل ذلك وجهت لجنة الإغاثة ضد الكوارث في بريطانيا نداءا للقنوات البريطانية من أجل مساعدة سكان غزة..
وقد رفضت قناة “بي بي سي” وقناة “سكاي نيوز” حتى الآن بثّ هذا النداء، مع أن قنوات تلفزيونية بريطانية أخرى هي “آي تي في” والقناة الرابعة والقناة الخامسة وافقت على بثّ النداء.
وقد تمسك المدير العام لـ”بي بي سي” مارك ثومبسون بموقف هيئته حفاظا على ما سماه “عدم المخاطرة بثقة الناس بالهيئة، وحياديتها في تغطية الأخبار”، ثم تحججوا بأنهم “لا يمكنهم التأكد من أن المساعدات الإنسانية ستصل للمحتاجين”، وهو تبرير تراجعت عنه بعد أن اقترح عليها معارضو قرارها التأكد من مصير المعونات عبر المنظمات الإنسانية البريطانية في غزة.
وقال “جون ريلاي” مدير “سكاي نيوز” في تصريح للقناة إن النزاع في غزة يمثل جزءا من أهم القصص الدائمة والمثيرة التي يمكن أن تواجهها المؤسسات في تغطياتها الإخبارية”.
وقد استنكر قرار القناتين العديد من الساسة والهيآت البريطانية، هذا القرار غير المنصف والذي يظهر منه قوة ضغط اللوبي الصهيوني في الإعلام الغربي..
قال عضو مجلس اللوردات البريطاني نظير أحمد: “إن مبررات “بي بي سي” غير مقنعة، والتفسير المنطقي هو ضعفها أمام ضغط “اللوبي الصهيوني”، وذكّر ببثها استغاثات في أزمات كبيرة كالكونغو والسودان ولبنان والعراق، ووصف ما جرى في غزة بأنه أكبر من كارثة وقال عنه: “إنه مذبحة”.
في حين اعتبر وزير الصحة “بن برادشو” أن قرار هيئة الإذاعة غير قابل للتفسير، واتهمها بالخوف من الحكومة الصهيونية، وقال: “أخشى أن على “بي بي سي” أن تواجه السلطات الإسرائيلية أحيانا”.
وقال أسقف يورك “جون سانتامو”: “رفض البي بي سي لبث نداء غزة يعني انحيازها الفعلي لأحد الأطراف وتخليها عن الحياد”.
وكان قد ضغط الكيان الصهيوني على بي بي سي صيف 2001 لبثها برنامجا وثائقيا لمراسلها “فيرغال كياني” يثبت فيه المسؤولية المباشرة لآرييل شارون في مجازر صبرا وشاتيلا..
وبسبب امتناع الـ (بي. بي. سي) عن بث النداء، قال نيكولاس جونز (المحرر السياسي السابق في “بي.بي.سي”): “علينا أن نفهم أن الـ (بي. بي. سي) تخضع لضغوط، فهناك لوبي يهودي قوي للغاية في هذا البلد..”، وقال أيضا: “إن ما علينا أن نفهمه، أن في بريطانيا هناك لوبي إسرائيلي فعال جدا، وكثيرون من قطاع العلاقات العامة يساعدون “إسرائيل” لتبث ولتنشر رسالتها، وعندما نأتي إلى السؤال من يهيئ ويسيطر على أجندة الأخبار؟ الحكومة “الإسرائيلية” خبيرة في ذلك إلى درجة البراعة في التلاعب بوسائل الإعلام خاصة هنا في المملكة المتحدة..”..
ولبيان دور الإعلام الغربي المعادي للإسلام قال: “سمعتم عن “الإسرائيليين” وقدرتهم في التأثير في الصحافة، بالطبع هم دائما يزرعون البذور في أذهان الشعب البريطاني مثل الربط بين الشرق الأوسط ومفهوم الإرهاب..
عليكم أن تفهموا ذلك، أننا تمت برمجتنا على مدى سنين أن نخاف من الشرق الأوسط وشعوب الشرق الأوسط..”.
ومن خلال ذلك نعلم كيف يتم توجيه الرأي العام الغربي لمعاداة الإسلام والمسلمين ووصمهم بالإرهاب والعنف (وهم الضحايا)، واعتبار المحتل الصليبي والسفاك الصهيوني هو رجل السلام والديمقراطية..، فهل هذه هي الديمقراطية والحرية وعدم الانحياز والحيادية في الإعلام الغربي؟