إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت المسلمون والإعلام عبد اللطيف راحل

كانت الأمة الإسلامية وستبقى حائزة كمال الفضل وغاية الشرف على سائر الأمم السابقة، وذلك لما حباها الله به من دين قويم، وجعلها خير أمة أخرجت للناس أجمعين، أمة التوسط والاعتدال لأن التوسط في الأمور هو الخير المرغوب، وأما التطرف -أي الوقوف على طرفي الأمر غلوا أو تقصيرا- فهو شذوذ وانحراف عن المطلوب، فما ندم من توسط في أموره ولا خاب، ولا سلم من شذ وتطرف فغلا أو قصر من سوء المآب.

وديننا الإسلامي الحنيف لم يكن مذ أنزله الله تعالى عائقا في طريق التقدم العلمي أو التفوق التقني، ولم يكن في يوم مانعا من الاستفادة من وسائل التكنولوجيا المتطورة أو استغلالها فيما يرجع على المسلمين وعلى دينهم بالنفع، فالمسلمون لم يبلغوا ما بلغوا من التقدم الحضاري الذي بوأهم الصدارة في العالم إلا عندما كانوا متمسكين بالدين، آخذين بأسباب القوة والتمكين، الأمر الذي جعلهم هدفا ومطمحا للأعداء الحاسدين في القديم والحديث، فقد جرب العدو كل ما أتيح له من وسائل لصد المسلمين عن دينهم الذي هو مكمن قوتهم ومصدر عزتهم، وفي عصرنا الحاضر كان الإعلام واحدا من أبرز تلك الوسائل التي أصابت المسلمين في المقتل، وهو في حقيقة أمره سلاح ذو حدين يمكن أن يستخدم في الخير كما يستخدم في الشر، فهلا سعى علماء الأمة ورجالاتها المخلصون في تحقيق آمال المسلمين للأخذ بحظهم منه إبراء للذمة وأداء للواجب؟!
إذ من المؤسف أن يبقى الإعلام في عالمنا الإسلامي قائماً على الفوضى، حِكرا على جهات لا تحسن استخدامه، بل مستَغَلاًّ في كثير من جوانبه لخدمة أهدافٍ ومخططات لا تمت إلى مصالح الأمة بصلة، وإذا أحسنا الظن فهو إعلام يصدر عن نيات حسنة ولكنه بعيد عن كل تخطيط أو دراسة.
من المسَلَّم أن الخطأ جبلة، وطبع جبلت عليه النفس البشرية وهو ما لا يتعارض مع التقوى التي هي السمة الأساسية للمؤمنين، لكن الذي يُذهب التقوى ويخل بالصف ويقوض المسيرة هو الإصرار على الخطأ وعدم مراجعة النفس، والاستنكاف عن التوبة، والمعصوم من عصمه الله.
إن مسؤولية أصحاب الأقلام ومن ولاَّهم الله القوامة على وسائل الإعلام في البلاد الإسلامية هي من أعظم المسؤوليات، حيث أنها ترتبط بمواجهة الأخطار التي تداهم الأمة في دينها وأخلاقها، فواجبهم أن يدفعوا تلك المغالطات والافتراءات التي يشوش بها الأعداء في الداخل والخارج، وأن يدافعوا عن ثوابتهم الإسلامية التي أصبحت عرضة للتشكيك ومحلا للطعن، وقبل ذلك كله من الواجب عليهم أن يضعوا نصب أعينهم الحاجة الملحة لمعرفة أخلاقيات الإعلامي المسلم وذلك من خلال التعرف إلى الإعلام النبوي لما له من أهمية علمية بالغة، ولما ينبني عليه من آثار جليلة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمَ برسالات ربه خير إعلام، فلم يسمع الناس بعد القرآن الكريم بكلام قط هو أعم نفعا ولا أصدق لهجة من حديثه صلى الله عليه وسلم الذي قلَّت حروفه وكثرت معانيه وخلا من التصنع والتكلف فقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، واجتمعت في كلامه الحلاوة والمهابة، وتوارد الناس للكتابة في فنونه المختلفة للتعريف بهديه صلى الله عليه وسلم في أصول العبادات، وضوابط المعاملات، وأنماط السلوك وآداب المعاشرة.
ينبغي أن تكون إحدى مهام الإعلام الأولى تبليغ رسالة الإسلام وتوضيح صورتها أمام من جهلها والذود عن حياضها ضد من عادها فما كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إلا مبلغاً لهذه الرسالة عندما نزلت من السماء وفقا لما أمره به ربه سبحانه وتعالى.
فالله الله في أن يتداعى الإعلاميون من أهل الإسلام ويكونوا يدا واحدة على قلب رجل واحد، فيسخروا وسائلهم الإعلامية وإمكانياتهم المعرفية في خدمة دينهم والدعوة إليه إقتداء بنبيهم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وليقدموا الإسلام للعالم في ثوبه الحقيقي تقديما مناسبا لجلاله وروعته سالكين كل السبل لتوضح وظيفته تجاه الناس كافة.. كي تهنأ الخواطر وتسعد النفوس، فيعم الأمن وتنحصر الرذيلة ويقل الفساد.
– فهل نستطيع أن نصنع إعلاما يرقى إلى القيام بهذا الدور؟
– هل نستطيع أن نؤدِّي الأمانة فنبلغها للناس كافة بجميع الوسائل المسموعة والمرئية والمقروءة؟
– وهل بمقدورنا استغلال وسائل الإعلام وجعلها منابر دعوية نوجه من خلالها أنظار المسلمين إلى حقيقة دينهم؟
– لماذا لا يستخدم الإعلام كوسيلة فعالة نلُم بها شعث المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ونجمع كلمتهم على الكتاب والسنة، ونعرفهم أنهم أعضاء في جسد واحد إذا أصيب منه جزء تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر؟
– وهل ننجح بواسطته في تشخيص واقع المسلمين وبيان ما به من جروح مثخنة وأمراض خبيثة من علمانية وتشيع رافضي وصوفية وغير ذلك من الملل والنحل التي تنخر في جسد الأمة الإسلامية من الداخل؟
– وهل نستطيع بواسطته أن نلفت أنظار غير المسلمين إلى روعة دين الإسلام؟
– إننا لو نجحنا في ذلك لاستطعنا أن نخدم ديننا بتسخير وسائل الإعلام كلها له وهذا واجب يتحتم علينا أن ننهجه ونسعى في العمل إلى تحقيقه.. فهل نحن سائرون؟
– وهل نحن إلى طريق الخير متوجهون؟
“وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ” فصلت: ٣٣.
ويتوب الله على من تاب فله العقبى وإليه حسن المآب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *