إن اعتبار أهمية الأمن الروحي والعقدي للأمة المغربية ضرورة تفرضها الشريعة الإسلامية، وغاية تسعى لتحقيقها الأحكام الربانية، وهي مسئولية أوجبها الله سبحانه وتعالى على من تقلد أمور العباد، وهو أمر لا بد من تحققه حتى تستقيم سنن الله في خلقه، وتقوم الأمة على خيرية الاستقامة والصلاح..
ومن هذا المنطلق تحرك الغيورون على الأمن الروحي للمغاربة كما يدّعون (وزارة الداخلية والأوقاف والشؤون الإسلامية) لإغلاق قرابة 70 دارا للقرآن وحرمان عشرات الآلاف من المغاربة من الأنشطة الدينية التي كانت تقوم بها الجمعيات القرآنية وعلى رأسها حفظ كتاب الله عز وجل، وتشريد المئات من المدرسين والطلبة المستفيدين من برامجها، كل ذلك بحجة الحفاظ على الأمن الروحي للمغاربة من التوجه السلفي لهذه الدور، وكأن التمسك بكتاب الله وسنة نبيه على هدي السلف الصالح يهدد الأمن الروحي للمغاربة، أو أن كتاب الله برواية حفص يهدد الأمن الروحي الذي يحققه القرآن برواية ورش، أو أن عقيدة وسلوك وفقه الإمام مالك رضي الله عنه المبني على الكتاب والسنة (الذي تعمل هذه الدور على نشرها) يهدد الأمن الروحي للمغاربة!!
أو لأن كبير الشأن الديني بالمغرب -وزير الأوقاف أحمد توفيق- لا يخدمه توجه هذه الدور، وهو الذي اختط لنفسه طريقا ووضع منهجا يساوق بين الديني والسياسي، فجعل السياسة حاكمة على الدين، لينتج إسلاما حداثيا ما أنزل الله به من سلطان..، وهو بذلك يريد الجمع بين النقيضين فلا حداثة في الإسلام ولا إسلام في الحداثة (العلمانية)..
والحقيقة أن هؤلاء الذين يدَّعون حفظ استقرار الأمن الروحي للمغاربة تنعدم عندهم الرقابة اللازمة لتحقيق ذلكم الهدف السامي، ففي الوقت الذي تغلق فيه دور القرآن يرخص لافتتاح دور الخمور والقمار والسياحة الجنسية وتعلم الرقص والغناء..، وتتصاعد فيه حملة التنصير (جماعة الصلاة من أجل المغرب التنصيرية)، وتتسع مجالات اختراق التشيع، وترفع دعاوى التطبيع والتسامح مع الظواهر الشاذة وصور العري الفاحش في الإعلام المقروء والمرئي والمسموع..
فحري بوزارة الأوقاف والمؤسسات الدينية في المغرب أن تتصدى لهذه الأمور التي تنسف الأمن الروحي للمغاربة لا تهدده فقط، ومن ذلك أن عددا من الكتب والمجلات التي تنظر وتؤسس للفكر الشيعي قد اخترقت الأسواق المغربية، بل أصبحنا نرى مكتبات ذات توجه شيعي كمكتبة مدينة العلم (ومعلوم ما لهذه التسمية من دلالات عند الشيعة) في الدار البيضاء تروج لكتب ومجلات شيعية وتوزع الأقراص التي تدعو إلى عقيدة الرفض (أما في معرض الكتاب الدولي فكتب التشيع التي تسب الصحابة وأمهات المؤمنين، وتحرف الدين.. تملأ رفوف المكتبات الرافضية المشاركة)، ومن المجلات التي أثارت انتباهي مؤخرا وقد وصلت لمكتبة بحي هامشي مجلة البصائر ومجلة المنهاج، وكان الاستغراب الأكبر من مجلة فقه أهل البيت، فالمجلتان الأوليان لا يظهر من عنوانهما الانتماء الشيعي، أما المجلة الثالثة فعنوانها هو التشيع بعينه إذ أن الشيعة يدعون أن دين أهل البيت دين غير دين أهل السنة..، ومن أهم المواضيع التي يتناولها هذا العدد (ع:51) مسألة ولاية الفقيه التي أضفت على التشيع الوجه السياسي الذي لا ينبغي أن يقوم إلا بوجود الإمام المنتظر المزعوم، وهو ما يشكل خطرا على نظام السلطة في البلاد، فأين هي الغيرة على الأمن الروحي.. للمغاربة وأفراد منهم بدؤوا يكفرون بالإمام مالك وسنيته؟
ثم جولة على الصحافة العلمانية لنرى كيف يتم التنظير ليس للعمل بل الدعوة لسن القوانين والتشريعات لمنظومة القيم الجديدة القائمة على قيم العلمانية التي تناقض الأحكام الشرعية وتحارب القيم والهوية والأخلاق، وهذه بعض النماذج:
قال أحمد بنشمسي في افتتاحية مجلته “نيشان” العدد: 184: “ليس النموذج هو مجتمع بدون أخلاق، بل هو مجتمع يقبل جانبه اللاأخلاقي، ويتسامح معه”.
وفي جريدة المساء العدد: 700 جاء على لسان حكيمة حميش: “العفة لا تملى، إذا أراد الشباب أن يتعففوا فذلك اختيارهم. غير أن التزام العفة إلى حين الزواج ليس حلا واقعيا من وجهة نظري”.
ويتجلى هذا ظاهرا في صحافتهم العلمانية، فخلفيات العديد من الجرائد جُعِلت نافذة للإطلالة على ألبوم صور العري الفاحش والإثارة الجنسية (والقارئ لبعض تعليقات الجريدة الأولى على تلك الصور يجد كلاما فاضحا عن الجنس)، وجريدة الصباحية عندما لم تلق رواجا جعلت الصفحة الرابعة من صفحات الملف الرياضي لنشر صور عارية لرياضيات أو زوجات وخليلات الرياضيين أو مشجعات..
وأما المجلات النسائية فصور الإثارة الجنسية فيها تكاد تسيطر على مجمل صفحاتها، وحيث الإشهار يغيب الضمير المهني، ويصير جسد المرأة سلعة تروج المنتجات، فحذار من عولمة الجسد!!
وأخيرا وليس آخرا نقول لحماة الأمن الروحي للمغاربة: إن التحدي الأكبر هو مواجهة حملات المد العلماني الذي يجثث الإيمان والانقياد والمحبة والالتزام بشرائع الله، وأما الأمن الروحي فيتحقق بالتزام كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال ربنا جل في علاه: “الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”.