يلعب الإشهار دورا كبيرا في ترويج السلع داخل السوق, وهو محفز من محفزات الشراء عند المستهلك. لذلك يتفنن التجار والشركات في صنع الإشهار المغري الذي يخدم الرسالة المرجوة منه, وهي دفع المستهلك لاقتناء المنتوجات المعروضة.
في ظل هذه الرسالة والقيمة المادية من وراء جل الإشهارات يتم توظيف كل الأساليب الممكنة لتحقيق تلك الغاية, توظف الصورة والصوت, والزمان والمكان… دون مراعاة لمشاعر المتلقي وقيَمه الدينية وعلاقاته الأسرية, فالكثير من الإشهارات فيها من المشاهد والإغراءات الجنسية ما يدفع المشاهد إلى تغيير القناة أو إغلاق جهاز التلفاز بالكلية, ونحن إذ نتكلم عن الوصلات الإشهارية إنما نخص بالذكر القناتين الوطنيتين “القناة الأولى والثانية” وخير شاهد على ذلك الإشهار الأخير الذي يُبث للترويج عن أحد العروض التجارية لشركة اتصالات المغرب ففيه من الإباحية ما يستحيي أهل بيت المرء من مشاهدته, عُري واختلاط وتفسخ وانعدام حياء ناهيك عن الموسيقى الصاخبة التي أصبح يروج لها آلاف المحبين ذوي الهوية الخاصة…, والإشهارات كثيرة فبعض إشهارات الشمبوان مثلا تظهر فيها المرأة وهي شبه عارية.. واشهارات المشروبات تكون كذلك مليئة باختلاط الشباب والشابات وهم يلعبون ويمرحون دون اعتبار لخصوصية أي جنس أو حرمة أو قيمة أو خلق, محاولين بذلك -أعني القائمين على هذا الشأن- إظهار المجتمع في صورة متفسخة وكأننا امتطينا متن قطار حداثة المجتمعات الغربية حتى تصير تلك الممارسات شيئا عاديا ومن صميم أخلاقيات مجتمعنا حتى إذا انتقدت, اتهم المنتقد بأنه ظلامي رجعي متخلف يقبع داخل قمقمه القديم.
وهنا لابد وأن نتساءل: هل الدعاة إلى التشبه بأخلاقيات المجتمعات الغربية يريدون نفس النتائج التي يعاني منها الغرب والتي يغفل أو يتغافل الغرب نفسه عن ذكرها, من أخلاق فاسدة وانحطاط في القيم والعلاقات, هذه النتائج التي أنتجت الزنا والدعارة وتفكك الأسر, وانعدام الروح في ظل طغيان المادة…؟
يقول محمد الصدوقي في مقاله: “وظيفة التلفزيون في المجتمع العربي”: “كما هو معروف يهدف الإشهار التلفزيوني إلى تعريف الجمهور العريض ببعض السلع والمنتجات الاستهلاكية, ويمكننا أن نقول بأن أغلب الوصلات الإشهارية تقدم في قوالب نفسية لا شعورية وغريزية، لا يهمها في ذلك لا ثقافة المتلقي العربي، ولا شخصيته الإنسانية، ولا خصوصياته الأسرية… حيث تطغى على جل الوصلات الإشهارية تيمة الإغراءات الجنسية المشروطة بطريقة “بافلوفية” بالإنتاج موضوع الإشهار، وقد تكون في بعض الأحيان بطريقة تشييئية سافرة؛ إذ تصبح المرأة، أو يصبح الرجل، أو الأطفال أحيانا، مجرد “أشياء” غريزية وحيوانات استهلاكية، تكسب قيمتها الشخصية، وتحصل على أحلامها وعلى موضوع رغبتها، انطلاقا من السلعة التي يجب عليها اقتناءها؛ والتالي، فإن أغلب هذه الوصلات الإشهارية تقدم قيم ثقافية سلبية، تكرس الحيوانية والتبعية والاستيلاب الاستهلاكي”.
إن كثرة هذه الإشهارات السخيفة والممجوجة ربما جعلت الذوق عند المجتمع المغربي يقبل مثل هذه السخافات, ولكن هذا يتنافى مع منع نشر الصور الخادشة للحياء التي تبدو بارزة في هذه الإشهارات.
ولنا أن نتساءل هنا كذلك: أليس من الواجب علينا نحن الذين نحارب داء السيدا, أن نحارب أسباب ذلك, والتي من أهمها وعلى رأسها فاحشة الزنا كما صرحت بذلك وزارة الصحة, هذه الفاحشة من أسبابها مثل تلك الإشهارات الخادشة للحياء…
وأخيرا وليس آخرا نطالب الجهات المسئولة بفرض الرقابة على ذلك, وردع كل من يريد نثر عقد أخلاقيات مجتمعنا المسلم.