“مئات القتلى”، “آلاف الجرحى والمعطوبين”، “أنا أعتبر موقف “حماس” مجانبا للصواب”، “أمام تعنت حركة حماس”، “خيار السلام هو الخيار المنطقي”..، بمثل هذه الكلمات والعبارات -التي تنتقى من قاموس الهوان العلماني المعادي للجهاد- يؤثث أصحاب الأقلام المأجورة والأقلام المخذولة مقالاتهم التي تجانب خيار الأمة في اختيار المقاومة كحل لقضية فلسطين المغتصبة من قبل الصهاينة، بل وترفع عقيرتها بتوجيه اللوم كل اللوم لمن يدافع عن نفسه باعتبار أنه يقاتل تدينا، كما تُدِين المقاومة الإسلامية، وتساوي بين الضحية والجلاد..
الشيء نفسه نجده لدى سدنة الإعلام المرئي العلماني حيث يوظفون الصورة المغلوطة، ويغطون شمس حقيقة واقع المجزرة الصهيونية على قطاع غزة بصور تضفي المصداقية على الحملة الصهيونية، وتظهر أن حركة حماس بمقاومتها تروع الآمنين في الكيان الصهيوني، فهي حركة إرهابية تتاجر بأجساد الغزاويين لخدمة إيديولوجيتها المتطرفة..، وأما القنوات التي تفضح الحقائق المخزية للموقف الدولي والعربي الرسمي تجاه ما يقع في أرض غزة فإنها تهاجم بأقذع الأوصاف من قبيل: “قناة القتل والتعذيب”، “الجزيرة بين الخبر.. والتلفيق” ، “قد اختارت الانحياز بشكل واضح إلى طرف دون آخر، وإلى أسلوب مرفوض مغلوط”، “ليستضيفوا رموز الأصولية المتطرفة”، “وهي عمليا قناة متطرفة” (الاتحاد الاشتراكي ع:9070).
ومن الصنف الأول بعض صحفيي جريدة الأحداث المغربية والاتحاد الاشتراكي وبيان اليوم ومجلة نيشان، إذ يستنكفون تسمية ضحايا غزة: شهداء بل حتى ضحايا، وكأن الأطفال والنساء ومن تهدم عليهم بيوتهم من طرف الآلة العسكرية الصهيونية مجرمي حرب صاروا قتلى بعدما حكمت عليهم المحكمة الصهيونية بحكم وجوب إبادتهم.
كما أنهم لا يتجرؤون على إدانة الكيان الصهيوني، بل يكتفون بإدانة الجرائم المرتكبة بحق المدنيين والعزل من الفلسطينيين، بل العلماني أحمد شمسي يريد من حماس الاعتراف بالكيان الصهيوني بحكم أنه دولة محتلة وتمتلك قدرات عسكرية ودبلوماسية متفوقة، ويستكثر على حماس موقفها المشرف (نيشان ع:183)، بل أمثال هذا لا يصفون المحتل الصهيوني حتى بالديانة التي يعتز بالانتساب لها وقتل المسلمين باسمها “اليهودية”، ويكتفون بالقول إسرائيلي.
وسبب هذا الانحياز لاسم نبي الله يعقوب هو كون هؤلاء العلمانيين لا يعتبرون القضية الفلسطينية حربا بين اليهود والمسلمين، ولا يعتبرون القضية الفلسطينية قضية الأمة الإسلامية، إذ ينطلقون في تنديدهم بالمجزرة الصهيونية من منطلق الإنسانية لا غير، والصهاينة في المقابل يعتبرون احتلالهم للقدس استرجاعا للأرض التي وعدهم الرب، والحرب التي يشنونها على المسلمين حربا مقدسة عندهم، بل لقد سمّوا دولتهم باسم نبي من أنبياء الله، وجعلوا شعار علمهم نجمة داود على حد زعمهم، ويريدون القدس عاصمة لهم، وهم في طور هدم المسجد الأقصى لبناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه.
ويمثل الصنف الثاني قناة العربية وقناة الحرة والتلفزيون المصري والقنوات الرسمية العربية، فقد أظهرت قناة العربية التي بكل أسف لها رأسمال سعودي-كويتي والتي من المفترض فيها خدمة قضايا الأمة وهي التي انتسبت لأكبر أمم الإسلام (العرب)، لكنها اختارت أن تكون في واد غير وادهم، إذ منذ انطلاق الحملة الصهيونية على قطاع غزة وقناة العربية تنتقي من الأخبار والتغطيات ما يخدم الجانب الصهيوني، ويلمع صورة المتخاذلين من حركة فتح، ويجد الأعذار للسلطة المصرية المتواطئة، بل كانت تشن أحيانا حربا نفسية على سكان قطاع غزة عبر سوق الأخبار والتعليقات بطريقة الترويع والصدمة، ومن ذلك تصوير الهجمة البرية التي شنها الجيش الصهيوني كأنها احتلت القطاع وأعدمت المقاومة، وهذا ما ظهر جليا مع مذيعتهم حنان المصري التي تدخلت لإصلاح أحد التعليقات التي تظهر على الشاشة مفادها حسب مسئولي “العربية” أن المقاومة انهارت وأنّ دبابات “الجيش الذي لا يُقهَر” تتجول في الشوارع، وهو ما يحدث الخوف والترويع عند أهالي غزة.
أما قناة الحرة فمعرفة أنها تموّل من طرف الولايات الأمريكية كاف لمعرفة كيف تتم صياغة الخبر والصورة في استديوهاتها؟ إذ يتم توظيفهما على نحو يخدم الهجمة الامبريالية الأمريكية على العالم الإسلامي، ويعطي المصداقية للكيان الصهيوني في كل مجازره طوال تاريخه الدموي..
وأما التلفزيون المصري فبحكم التطبيع والتواطؤ الرسمي للسلطة المصرية مع القادة الصهاينة في هذه الحرب، لم يستحي من شن هجمة إعلامية مكثفة على المقاومة وفصائلها وكأن الإعلام المصري يدار من تل أبيب حسب ما قاله عبد الباري عطوان مدير جريدة القدس العربية. أما القنوات الرسمية العربية فتعاملت مع الحرب الصهيونية على غزة عبر تغطيات بالمقتطفات والمختصرات والأرقام، بدافع الضغط الغربي والنفوذ اليهودي الذي يخترق بعض مراكز قرارها.
والحقيقة أن قناة العربية وغيرها من تلك القنوات اتخذت منذ البداية موقفا منحازا للجلاد الصهيوني وتجريم الضحية تحت ستار الموضوعية المهنية، إذ لم تكتف بإعطاء الفرصة للصهاينة ليدافعوا عن همجيتهم، بل استقطبت المتخاذلين من العلمانيين المتخصصين في العداء لثقافة المقاومة.
فالكل يحارب المقاومة والمقاومة هي التي صنعت القضية، وأنتجت النصر والعز، والمقاومة هي اختيار الشعوب الإسلامية، فمن أراد اغتيال المقاومة فعليه إبادة أمة المقاومة، وأنى له ذلك.