مناقشة السياسة الفرنسية بالمغرب في البرلمان الفرنسي (ح3) ذ. إدريس كرم

السيد ألبير فيري: إنه (القائد لكلاوي، وليس الكلولي، كما جاء خطأ في الحلقة السابقة) الذي يجب أن يكلف بالمحافظة على الأمن بمراكش.
جاك لويس ديموسني: “هذا ما يعزز أطروحتي، وأقول إذا ما قبلتم بدعم هؤلاء القياد الكبار بالعناصر المخزنية المحبة لفرنسا وبذلك لن نتأسف لاحقا، ونبكي حدادا على قتلانا، وأبادر بالقول بأن الخطوات الأولى للجنرال ليوطي هي الاهتمام بالحصول على دعم واسع من عناصر المخزن والعلماء والقياد.
لكن لا تنسوا بأنه لأول مرة منذ أن وجد العالم تم غزو قلب المغرب، فالرومان نفسهم لم يصلوا فاس، بل وقفوا في فلوبيليس قرب مكناس، لذلك يجب القول بأن الشعب معتز باستقلاله وحريته عبر العصور، ولا يمكن اختراقه في بضعة أشهر، لكن مع كثير من الصبر يمكن تحقيق ذلك.
أريد أن أبين لكم مثلا أنه لا يجب فقط استعمال المخزن وإنما محاربته، فمولاي حفيظ نفسه اشتكى لي بمرارة في تقارير شائكة وصعبة جرت له مع العناصر العسكرية، أؤكد بسرعة على عدد من المنغصات التي عانا منها السلطان ومخزنه، مثل:
– عندما يبعث ضباط الاستعلامات بفاس، أو ضباط النواحي، رسالة أو أمرا من الأمور لأحد القياد، يبلغه فيه أنه هو الأمر الواجب تنفيذه، بتوقيع بديل لتوقيع السلطان الذي يوضع عادة على الرسائل الإدارية، إنها جزئية صغيرة، لكنها ذات دلالة خطيرة في الذهنية المغربية، يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة.
– في كل سنة هناك بفاس عيد يسمى العيد الكبير يأتي القياد من جميع النواحي لتقديم التهاني والولاء للسلطان سيدنا، والهدايا في العيد الأخير، توصل القياد بأوامر من المسؤولين العسكريين بعدم التوجه لفاس، وعدم تقديم التهاني للسلطان؛ وبعض القياد أرادوا عدم ترك العادة والتقليد فمنعوا من المرور.
– يمكن منع واعتراض المتعسفين على السكان من القياد، لكن إذا عممنا المنع فسنكون قد حولنا القياد لأعداء وأضفناهم للثوار وبالتالي نعاقب المغرب بأكمله، كما أنه إذا كنتم لا ترغبون في تقديم الهدايا للسلطان فعليكم ضمان عيش كريم له مثل الذي كان متوفرا عليه قبل إقامة الحماية، عنده سيكون لكم الحق في الحديث عن منع الهدايا والقضاء على ذلك التقليد.
وأضيف بأن الجنرال موانيي قد وصل لفاس عندما كنا هناك، واستدعى مباشرة عن طريق مكتب الاستعلامات بفاس، جميع قياد الناحية وأعيان المدينة، لزيارته، وإلى هنا الأمر عادي، بل أراه عملا حسنا، لكن رأينا أن وزير فرنسا غضب من هؤلاء الأعيان الذين توجهوا لزيارة السلطان وباشا فاس، بعدما عبروا عن ولائهم لأحد ممثلي فرنسا، مما يبين أن التراتبية المخزنية لم تختف بعد.
من جهة أخرى لا تجهلون المكانة الكبرى للجنرال موانيي الذي اقترح على وزير فرنسا، تعيين خليفة للسلطان كعامل في كل مركز كبير ينشئه بالمغرب، يكون على اتفاق مع المسؤول العسكري على المركز المقام.
ألتمس منكم السماح لي بتناول النقطة الثالثة من برهاني على سوء تنظيم القوات الشريفة علاوة على نقص في تنظيم المخزن، هناك تقريبا عنصر ثالث أدى لثورة فاس أقل من ثورة القبائل، هو قادة القيادة العليا في المستقبل، ونفاذ صبر سياسة الغزو العملي، منذ سنة بالمغرب.
من أجل تدقيق تصوري أقدم تعازي ليس فقط كما فعلت في البداية لكل الضباط والجنود الذين قاتلوا ومشوا، ولكن للقادة مثل الجنرال برولارد والجنرال دالبيز الذين فهموا جيدا هذه السياسة، الحازمة، والعادلة، والكيسة، والمتعاونة في نفس الوقت مع المخزن.
هناك من بالغوا في القلق قبل كل سياسة للغزو وخاصة القيادة العليا التي يقع عليها مسؤولية الأخطاء الجسيمة المرتكبة في تنظيم المصلحة الصحية، والسياسية أيضا في عدد من المجالات.
أنا لا أدعي إملاء المواضيع التي يجب على الضباط القيام بها في المغرب، لكن أقول بأن لنا الحق ومن الواجب علينا الانشغال بمصلحة فرنسا قبل الحصول على فائدة حماية المغاربة ومصالحهم.
وعندما نقوم بعمليات ما مكملة للمجموع، مثل الزحف على تافوديت وتازة ومراكش في نفس الوقت لا يلزمنا فقط 40.000 رجل دائم بالمغرب، ولكن مئات الآلاف من الرجال، أقول بأنه ليس لنا الحق فقط لإرسالهم، وإنما ليس لنا السلطة لفعل ذلك.
تحدثتا قبل قليل عن التوجه صوب تازة، بيد أني لن أغير رأيي مما سبق أن قلته فيما يتعلق بالفائدة المستقبلية للتنمية الاقتصادية بالمغرب، فيما لو تم فتح الطريق نحو الشرق أي نحو الجزائر عبر تازة، وليس غيره، وقد كنت أول من عرفه، وعن مناسبة ذلك أرى أنه في ظل الوضعية الحالية بالمغرب ومع عقلية القبائل السائدة سيكون من الحمق الذهاب الآن لتازة.
لنفترض أنكم وصلتم تازة دون خسارة في الرجال أثناء الطريق، ماهي نتيجة ذلك المسير؟
لقد ذهبنا أكثر من مرة في الجانب الآخر من فاس نحو الرباط بمعنى طريق المحطات، حيث من الممكن الذهاب دون قوات للحراسة، ومن غير أن يخشى التجار شيئا عن تجارتهم، ومع ذلك نحن ملزمون بإقامة معسكرات ومراكز تتطلب نفقات مهمة، عليها وعلى القوات المتواجدة بها.
اسمحوا لي أن أقدم لكم أرقاما لن تجادلوا فيها على ما أعتقد، لكونها مملاة علي من القائد المسير لمصلحة الاستعلامات بفاس الذي يقدر أنه (في توجهنا لتازة سنصطدم بثلاثة مراكز للمقاومة، عدد الرجال الذين سنجدهم أمامنا يبينهم الأب “شارل دوفوكوا” الذي يعرف المغرب جيدا في كتابه حيث يقول: “غياتة يمكنها أن تحشد بين 7000 و8000 بندقية، الدسول 10.000 بندقية، لبرانس 10.000 بندقية، بني وراين 25.000 بندقية وأخيرا ما بين 6000 و8000 رجل سيأتون من اولاد الحاج قبائل الرحل على واد ملوية”.
فإذا توجهنا لتازة الآن سنجد أمامنا ما بين 30.000 و50.000 رجل، يحتمل 50.000 فأنتم ترون كم من الجنود يتطلب هذا الحشد؟
أقول من الذي يقدر على تحمل هذا التقدم الذي أرى أنه سيكون قرارا خاطئا لأن المغرب بأكمله سيقوم ضدنا، يجب أن نختار بين الرضى بمغادرة المغرب أو الاستيلاء عليه بالوسائل الملائمة من ميزانية وقوات، ولا نعمل بالمغرب ما يخرج فرنسا منه” (ص:305).
“من أجل ذلك أقترح شخصيا سياسة للغزو أعتقد أنها ناجعة، ومضبوطة ومحددة، بدل سياسة الغزو المتبعة من قبل القيادة العليا التي يتم معارضتها منذ سنة على نطاق واسع، من طرف القبائل الثائرة علينا.
كما سأتحدث عن عمليات الجنرال “ديت” في تافوديت، لن أتعرض للموضوع العسكري بالنقد، لكن لي الحق في التركيز على هذا الغزو، سأتحدث عن آخر كلون أرسل في 5 أفريل الذي يعتبر مثالا للغزو العبثي، والإثارة التي لا لزوم لها.
هذا الكلون تحرك من أجل نتيجة وحيدة، هي فك الحصار عن فيلق محاصر في معسكر تاغتوت حيث كان خارجها قويا ونشيطا فأصبح بدخوله هناك محاصرا داخل الثكنة، العملية أدت لمقتل عدد من الرجال من قواتنا بلا فائدة.
أخيرا الرجوع السريع للكلون والظروف التي هوجم فيها أعطت فقط للمغاربة الانطباع بأنه يمكنهم الانتصار علينا، وأننا سنسارع بالخروج من ناحية تافوديت.
هذا الكلون لو صدقنا ما نشر عن انتصاره من طرف الجنرال دالبيز في الصحف فستكون النتيجة مفرحة، لكن إليكم ما كتب في الصحف الباريسية لـ10 “فريل:
(يوم 5 على السادسة صباحا هاجم الأعداء المجهزون جيدا قواتنا بشراسة، كانت الحركة في أرض المعركة صعبة، تقطعها سيول، شديد الانحدار، شنت منه هجمات شرسة، توبعت بمجابهات وجها لوجه، لكن بعد عراك طال اليوم كله أبان فيه جنودنا عن مهارة كبيرة، بدأ الأعداء في الهرب بعدما تعبوا، فلوحقوا لعدة كلمترات قبل حلول الظلام تاركين وراءهم عدة خسائر بين قتيل وجريح.
أقام الجنرال معسكرا له في ولجة السلطان حيث غادرها صباح الغد نحو سوق الأربعاء التي وصلها مساء، لكن في الصباح تعرضت مؤخرة الجيش للهجوم فوقعت معركة لا تقل أهمية عن السابقة، الثوار لم يصروا على الاستمرار فتواروا خلف الهضاب المحيطة بالطريق) (ص:306).
لويس أندريو: “زميلي من سمح لك بالقول بأن ما جئت لتقرأه من تصريح الجنرال ديت؟”.
جاك لويس ديموسني: أكرر مرة أخرى زميلي العزيز، أنه منذ أن بدأ غزو المغرب، كل مرة نتكبد فيها خسائر، لكن أجد باستمرار في كل الجرائد، نفس الكلام عن الفوز والانتصار، مع أن الغزو تحد، لا يخلو من خسائر، والسبب أنه ليس هناك مراسلين للجرائد بالمغرب، وبالضبط في تافوديت، لأنه ببساطة القيادة العليا هي التي تبعث بتلك التقارير الإخبارية، ولو شئت الدقة و الدليل فإليكه.
عندما وصلت الرباط، أردت إرسال مراسلة لإحدى الجرائد الباريسية، فكنت ملزما بأخذ المصادقة عليها من القائد العسكري للحصول على موافقة الرقابة.
طورناد: من الواجب دائما الحصول على ترخيص خاص من السلطة العسكرية، لإرسال تقرير من بلاد الأعداء.
جاك لويس ديموسني: في بيان النصر هذا ليس هناك كلمة حول موت ليوطنا “اسبيرابل” الذي أخذ حيا مع ثمانية من الرجال، ليس هناك كلمة عن القبطان “كوربيل” والطبيب “ماجور جيني” الذين جرحوا في ظروف لم يتحدث عنها.
كنت بالصدفة يوم 14 أفريل، أي خمسة أيام بعد معركة سوق الأربعاء المعسكر الذي انطلق منه الكلون والذي رجع إليه هذا هو الذي أتاح لي حمل هذه المعلومات هنا والتي لا يمكن للعقل أن يجادل فيها.
وزير الحرب: إنها شكليات.
جاك لويس ديموسني: انتظر حتى أخبرك ولا تحكم قبل أن تسمع” (ص:307).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *