نبذة عن وثيقة

«أجندة 2030 للتنمية المستدامة»
تتجه أنظار المجتمع الدولي الرسمي وقواه المدنية الفاعلة إلى الوثيقة التي أعلنت عنها مؤخراً الأمم المتحدة ووكالاتها والتي أطلقتها في اجتماعها بنيويورك في الفترة 25/27 سبتمبر/2015، تحت عنوان «تحويل عالمنا: أجندة 2030 للتنمية المستدامة»، وتهدف هذه الوثيقة في ظاهرها لتشكيل خارطة طريق لإنهاء الفقر ومشاركة الرخاء، وتقدر نسبة المبالغ المرصودة لإنجاح هذا البرنامج من 3500 إلى 5000 مليار دولار سنوياً، وإذا بدا هذا الرقم فلكياً فإنه يتضاءل أمام معرفة إجمالي الناتج المحلي الأمريكي البالغ 17 ألف مليار، والفرنسي بحوالي 3 آلاف مليار، إضافة إلى دعوة القطاع الخاص من المؤسسات والمنظمات الأهلية والتي تعتبر خزان لآلاف مليارات الدولارات للمشاركة في عملية التمويل.
ونصت مقدمة الوثيقة على «نحن عاقدون العزم على تخليص البشرية من طغيان الفقر والعوز وللشفاء وتأمين كوكبنا، ونحن مصممون على اتخاذ خطوات جريئة وتحويلية لازمة لتحول العالم إلى مسار مستدام، ونحن نشرع في هذه الرحلة الجماعية، نتعهد أن لا يتخلف أي أحد عنها».
ويتفق الأعضاء في الجمعية العمومية على أن هذه الوثيقة يجب أن يتم تطبيقها بصورة كاملة في فترة أقصاها 15 عاما، أي بالوصول لعام 2030.
ويكمن جانب من خطورة هذا الأمر في الترويج لهذه الوثيقة والتي تعتبر برنامجاً متكاملاً على أنها مطلباً عالمياً يكتسب صفة العمومية، وليست مطلباً لمنظمة الأمم المتحدة. وتتجلى خطورة هذا البرنامج أنه يعمل على تغريب المجتمعات ذات القيم المحافظة، وإذابة الفوارق بين القيم والثقافات المتباينة، ويعمل على توحيد المفاهيم تحت مظلة العولمة ولا يحترم خصوصيات كل حضارة، ويكتسي بمسحة دينية مسيحية، بل في كثير من المواطن يضرب بكل الأديان عرض الحائط.

الجهات الداعمة للوثيقة
ترعى وكالات الأمم المتحدة المتخصصة مثل هذه النشاطات تحت عنوان التنمية وتحسين المستويات المعيشية والدفاع عن المرأة وحقوقها ورعاية الطفل الخ.. ولكن في أغلب الأحيان تتصادم تلك المبادئ التي تدعو إليها وكالات وبرامج الأمم المتحدة مع الأديان والأخلاق والفطرة السلمية.
وبحسب بحث للدكتور فؤاد آل عبد الكريم مدير عام مركز باحثات لدراسات المرأة بالرياض جاء بعنوان «الضغوط الخارجية لإلزام الدول بتطبيق مؤتمرات واتفاقيات المرأة»، فيمكن تلخيص الجهات الداعمة والمتبنية لهذه الوثيقة ولمثيلاتها على الشكل التالي:
– جهات من داخل هيكلية هيئة الأمم المتحدة نفسها: من أبرزها لجنة مركز المرأة ، شعبة النهوض بالمرأة ، لجنة السيداو.
– جهات تابعة لهيئة الأمم المتحدة: منها (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا: الإسكوا)، و(برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: UNDP)، وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (يونيفم: UNIFE) و(صندوق الأمم المتحدة للسكان:UNFPA).
– جهات دولية متخصصة: منها منظمة العمل الدولية (TLO): منظمة الصحة العالمية: WHO منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) UNSCO: منظمة العفو الدولية (Amnesty International): منظمة هيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch): البنك الدولي -صندوق النقد الدولي- منظمة التجارة العالمية).
– بعض الحكومات الغربية: ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، هولندا، ألمانيا.

مكامن خطورة هذه الوثيقة
تعمل على ترسيخ المبادئ الغربية بجميع صورها، تلغي قوامة الرجل وولايته، وتعمل على حرية الفكر والمعتقد والاستقلال المبكر للطفل، وإباحة المثلية الجنسية وتحديد سن الطفولة لما دون 18، وتلغي الفوارق بين الرجل والمرأة من ناحية المواريث، ولم تخاطب الأسرة بمكوناتها الطبيعية، وتهدم كيان الأسرة تحت مسمى «الجندر» وإقرار حقوق الشواذ، بل تخاطب الأسرة كأبوين مثليين (شواذ)، ولم تعط اهتمام للأمومة والأبوة الحقيقية.
كما تشجع اختلاط المرأة المسلمة بالأجانب، وتضع عراقيل أمام الطلاق، وتبيح الزواج بين المسلمين والكفار…
فهي تدعي في البند رقم (5) أنها: «مقبولة لكل البلاد وقابلة للتطبيق فيها جميعا». فهي بحق هجمة شرسة على جميع القيم والأديان السماوية. لأنها تضع الجميع في قالب واحد تحت قاعدة «one size Fits all»، ويزداد الأمر خطورة، فإن المعاهدات إذا ما أقرت رسمياً فسيصبح لها الأولوية على القوانين المحلية، ويجعل من هذه الوثيقة أمراً واقعياً، وستضطر الدول الموافقة على هذه الوثيقة بأن تغير من قوانينها الداخلية بما يتلاءم مع هذه الوثيقة.
وقد جاء في الميثاق الخاص لأجندة 2030 بأنه «لا يُسمح بأخذ التحفظات بعين الاعتبار»، وبدا وكأنه تشريع جديد ملزم للعالم كله. وعندما تثير بعض المصطلحات خوف وشكوك الممثل العربي لدى الأمم المتحدة أو الوفود العربية المشاركة في اللقاءات والنقاشات يتم تنحية هذه المصطلحات المختلف عليها من النسخة العربية، وتظل النسخة باللغة الانجليزية كما هي في النص الأصلي للوثيقة.
ويظل اهتمام الغرب مطالبته بالإصلاح للدول النامية هو محل شك، وضمن سياسة الكيل بمكيالين، حيث لم يتبنى الغرب أي استراتيجيات لدعم المرأة وحقوقها في ميانمار وبورما والتي تشهد إبادة جماعية وقتل للأطفال.
وهنا يظهر النفاق الغربي بأوضح صوره، ففي الوقت الذي عجز عن الإيفاء بالتزاماته تجاه وكالة الغوث وتشغيل الفلسطينيين، وكان مبلغ (101) مليون دولار سبباً لتوقف الخدمات للاجئين الفلسطينيين، فهو الآن مستعد لدفع آلاف المليارات سنوياً من أجل الترويج ونشر برامجه الخاصة بعولمة قيمه معتقداته!

الموقف العربي الرسمي من الوثيقة
بالرغم من أن أكثر من 200 من هيئات العلماء والمنظمات الإسلامية أدانت في بيان موحد هذا الشهر ما جاء في الوثيقة وطالبت الأمم المتحدة باحترام خصوصيات العالم الإسلامي والعربي وإرادة الشعوب، وهو أمر ايجابي ومطلوب، إلا أن الخشية من المواقف الرسمية للدول العربية والتي في العادة تأتي هزيلة، وتأتي مختلفة عن مواقف تلك الهيئات والمنظمات الإسلامية، وذلك بفعل التأثير والضغط الغربي على الدول العربية والإسلامية.
لذا، على تلك الهيئات والمنظمات الإسلامية متابعة الأمر بنفسها وممارسة الضغوط دوما من أجل عدم تمرير هذه المخططات، وضرورة احترام إرادة الشعوب وخصوصياتها.
فعلى سبيل المفاجأة، فإن وثيقة بكين لعام 1995، والتي لا تختلف كثيراً عن هذه الوثيقة، وقعت عليها (184) دولة من أعضاء الأمم المتحدة، لتصبح مرجعية هامة، أي أغلبية من الدول العربية والإسلامية وقعت عليها. وسواء في اجتماعات بكين +5 أو+10 أو ما يتعلق أيضا بالتقارير المقدمة فيما يتعلق باتفاقية السيداو فقد قدمت تلك الدول العربية والإسلامية تنازلات متتالية.
وجدير بالذكر أن مواقف الوفود العربية والإسلامية كانت رافضة لما جاء في وثائق بكين والقاهرة، ولكن وبعد عدة أعوام تحول موقفها الرافض إلى موقف متفهم ومرن، وتبدأ الدول العربية تشارك فعلياً من خلال نخبة عربية (علمانية؛ انجلوسكسونية أو فرانكفونية) تتفق مع الرؤى والقيم الغربية تماما. وفي النهاية حتى التحفظات يتم سحبها، وما أشبه اليوم بالبارحة. بل العكس هو المتوقع، فالموقف العربي أكثر هشاشة وضعف هذه الأيام، ومرجح أن يقدم تنازلات أكبر في مثل هذه القضايا.
ففي بعض البلدان العربية، مثل سوريا والأردن والمغرب ومصر، فقد تقدمت خطوات عديدة على طريق ما يسمى «المساواة بين الذكور والإناث» والعديد من القضايا المماثلة من خلال ما سمي بالإصلاحات، وفي مصر قوانين الأحوال الشخصية هي جزء من الالتزام بالأجندة الدولية واستجابة سابقة لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *