دفاعا عن السنة النبوية الشريفة: سلسلة الردود العلمية على خريج دار الحديث الحسنية «محمد بن الأزرق الأنجري» (الجزء الثاني: المقدمات الممهدات 3) منير المرود

المقدمة الحادية عشرة: تفسيره للقرآن الكريم برأيه
إن من أعجب ما رأيته في كتابات هذا الرجل، تجرؤه على تفسير القرآن الكريم برأيه، دونما مراعاة للقواعد اللغوية أو العقلية التي يتبجح بها دائما، ودونما استحضار لحرمة القرآن الكريم وعظمة من ينسب المراد من الكلام إليه، فوقع في المحظور، وهان الله عليه فهان على الله ففضحه وبين أمره.
وإليكم الدليل:
ففي تفسير قوله تعالى في سورة النمل 38-40: {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ، قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ، قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ، فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ: هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ، وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غني كريم، قَالَ: نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ، فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ: أَهَكَذَا عَرْشُكِ؟ قَالَتْ: كَأَنَّهُ هُوَ، وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}.
قال في مقال له بعنوان: «سحر رسول الله خرافة يهودية متفق عليها» ما نصه: «وتفسيري للآية مخالف للمشهور عند المفسرين، أقوله من باب: (وأما بنعمة ربك فحدث)، وإبطالا لمقولة: «لم يترك المتقدم للمتأخر قولا»، والحق قد يجريه الله على لسان أحقر عبيده، فلا تعالم ولا خيلاء، فأقول وبالله التوفيق:
لا يوجد في قصة سيدنا سليمان ما يدل على أن عرش بلقيس ملكة سبأ قد تم نقله بنفسه من اليمن إلى القدس الشريف عاصمة سيدنا سليمان.
ولا يعقل أن يحمله العفريت فيأتي به قبل أن يستوي سيدنا سليمان قائما، (…).
فما هو التفسير المقبول المعقول للواقعة؟
(…) إن الذي طلبه سيدنا سليمان هو صورة العرش وشكله وصفته، والعفريت يحتاج إلى مدة زمنية ليقطع المسافة الفاصلة بين «سبأ» و«القدس» حتى ينظر إلى العرش ويحفظ شكله ونعته، ثم يعود إلى سيدنا سليمان ويرسم له العرش.
أما الإنسي الرباني فيملك بصيرة تتكشف لها الأشياء البعيدة، أي أنه مزود بكاميرا روحية تسمى البصيرة، فتكفيه طرفة عين من الوقت لينظر بعيني قلبه فيشاهد العرش ويضع له صورة مماثلة، (…).
والنتيجة أن «آصف بن برخيا» رأى ببصيرته عرش بلقيس، فنعته ورسمه، وقام الحرفيون بصنع مثال شبيه بالعرش الحقيقي مع تعديلات وتنكيرات، فلما رأته الملكة قالت: (كأنه هو)، ثم أدركت مدى قوة ملك سليمان وتقنياته المتطورة، فهو يملك مهندسين بارعين، وصناعا متفننين، وهذا ما أشار إليه قوله عليه السلام: (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) أي علم الصناعة المتقنة» انتهى.
ولي على هذا التفسير الباطل الذي يأباه العقل الصحيح، والذي لم يتجرأ على القول به فيما أعلم أحد من العالمين إنسا كان أو جنا، ملاحظات سأعرج عليها بشكل مختصر:
ـ قوله: (ولا يعقل أن يحمله العفريت فيأتي به قبل أن يستوي سيدنا سليمان قائما)، فليس له دليل على بطلان هذا التفسير المشهور بين العلماء إلا أنه لا يعقل، فانظروا رحمكم الله كيف يجعل القومُ القرآن الكريم خاضعا لرحمة عقولهم الفاسدة، فلا حجة عنده، ولا برهان لديه إلا أن التفسير لا يستقيم في عقل صاحبنا الهمام.
ـ قال أيضا: (إن الذي طلبه سيدنا سليمان هو صورة العرش وشكله وصفته، والعفريت يحتاج (…) ينظر إلى العرش ويحفظ شكله ونعته، ثم يعود إلى سيدنا سليمان ويرسم له العرش.
أما الإنسي الرباني فيملك بصيرة تتكشف لها الأشياء البعيدة، أي أنه مزود بكاميرا روحية تسمى البصيرة، فتكفيه طرفة عين من الوقت لينظر بعيني قلبه فيشاهد العرش ويضع له صورة مماثلة) اهـ.
فانظروا إلى هذا المفسر العظيم، كيف يتجرأ على كتابة هذا القول الأثيم؟ مع أن هذا التأويل يأباه قول العفريت: {وإني عليه لقوي أمين} فهو قوي على حمله، أمين على ما فيه من نفائس، كما أن إرجافه هذا يتعارض أيضا مع قوله تعالى: {فلما رآه مستقرا عنده}، لأن الضمير هنا يعود على العرش نفسه، والاستقرار بمعنى التمكن في الأرض. وكذلك قوله تعالى: {نكروا لها عرشها} حيث أضاف العرش إليها، وأمرهم بتغييره بالزيادة والنقصان، أما لو كان كما قال قِنعاسنا وعالمنا النحرير!! فالأكمل حينئذ هو وضع صورة طبق الأصل له لا تغييره.
ـ ثم قال: (والنتيجة أن «آصف بن برخيا» رأى ببصيرته عرش بلقيس) اهـ، قلت: من أوحى لك باسمه أليس هذا من الإسرائيليات التي تدعي أنك تحاربها وتحاول أن تطهر الإسلام منها، بل وتنكر على من يتبناها ويستأنس بها حتى في التفسير دون تصديقها أو تكذيبها.
أقول هذا مع أن الرجل قد أنكر في مقال «التهافت» على من فسر القرآن برأيه من جهة واختار تفسيرا إسرائيليا من جهة أخرى، فقال: (ولو توقف الأمر عند التأثر بالإسرائيليات لهان الخطب، لكن الكاتب يتجرأ على كلام الله فيفسره بظاهره… فلماذا اختار الكاتب التفسير الإسرائيلي المعتوه؟
إنه رد كلامي ولو بالخرافات والأساطير، ومن غير تريث في تفسير كلام الله القدير) اهـ.
فما هذا التناقض الصريح يا رجل، وكيف ترضى لنفسك هذه المواقف المحرجة!؟ لا لشيء إلا ليصفق لك بعض الملحدين، أو يمدحك جمع من المستغربين، أو يفرح بمقالاتك شرذمة من المغفلين ممن ينطلي عليهم سحرك، فإذا بك سرعان ما ينكشف حالك، ويظهر للجميع عُوَّارك، ويأبى الله إلا أن يفضح من ينتهك حماه.
وهكذا يتضح لنا مرادهم من إسقاط السنة النبوية، فإذا خلا لهم القرآن الكريم فسروه بما يتفق مع أهوائهم، لأننا لن نثق حينئذ في المرويات الواردة عن السلف في التفسير، فيضيع الإسلام بين سنة مهترئة وضعيفة ومكذوبة!! وبين قرآن مؤول ومفترى عليه، فليس للقوم منهج قار، ولا قواعد منطقية يتحاكمون إليها، بل تجدهم يتلونون ويتغيرون حسب الظروف والأحوال إلى درجة الجمع بين القول وضده والقاعدة ونقيضها… فلا تغتروا بهم، فسرعان ما سيندثر ذكرهم ويفرق جمعهم، ويبقى الإمامان الجليلان البخاري ومسلم قمما شامخة لا تطؤها أقدام أولئك المتنطعين.
خاتمة الجزء الثاني
وفي ختام هذا الجزء من سلسلتي في الرد على خريج دار الحديث الحسنية، وبعد أن وضعنا أيدينا على معالم من شخصيته وأخلاقه وطرائقه في تفسير القرآن الكريم، لا بأس بأن أشير إلى ما سيتضمنه الجزء القادم منها، حيث ستدور رحاه على رد تهمتين خطيرتين، تتعلق الأولى منهما برمي هذا المعتدي الأفاك للإمام البخاري بالكذب والتدليس، بينما ترتكز الثانية حول نعته للإمامين الجليلين البخاري ومسلم بالتمذهب والتقليد.
وهنا نعيد طرح نفس التساؤلات التي طرحناها من قبل، فما صدق دعوى الكاتب بتمذهب البخاري ومسلم وتقليدهما لغيرهما؟
وما حكاية تعمد الإمام البخاري التستر في رواية الحديث؟
كونوا معنا في باقي أجزاء هذه السلسلة، لنعيش معا مشهد انهيار مملكته التي بناها على جرف هار سرعان ما سينهار به…
وإلى ذلك الحين ها هو صاحب المقال يحييكم بتحية الإسلام والمسلمين: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *