المغرب إلى أين؟

لا يمكن لمن يطلع على أوضاع المغرب في العشر سنوات الأخيرة إن كانت في قلبه غيرة على دينه ووطنه، إلا أن يصاب باليأس والإحباط والتشاؤم والاكتئاب وتعلوه كل الأمراض النفسية التي تجعله يفقد الأمل في أي إصلاح وينعزل في بيته حتى يموت كمدا.

لا أروم بهذه المقدمة أن أزيد من ظلام الليل البهيم الذي فيما يبدو قد أطال إرخاء سدوله على بلادنا، ولكنها بشاعة الواقع الذي لم يعد يخفى على أحد، وحتى أكون عمليا سآخذ القراء الكرام في جولة قصيرة نجمع خلالها بعض شتات ما تفرق من أحداث على مر هذه العشر سنوات الأخيرة، لعلنا نعثر على أجوبة لأسئلة كثيرة أصبح المواطن المسلم الذي يروم أن يعيش السكينة والأمن على دينه وأولاده يعاني مرارة تكرار طرحها ولعل أهمها: إلى أين يتجه المغرب؟
ملامح واقعنا المغربي دون مساحيق تجميل
حقيقة تتزاحم المشاكل التي تغرس رماحها في سويداء قلب بلدنا الجريح حتى لكأني به ينشد قول المتنبي:
وصرت إذا أصابتني سهام *** تكسرت النصال على النصال
بلد تآمر عليه أعداؤه مع فاسدي أبنائه ضعاف النفوس، حتى أصبح بلد الألف معضلة ومعضلة.
بلد كان كل العالم الإسلامي يفتخر بقوة تمسكه بدينه وقيمه، فأصبح نفس العالم يطرد من بلدانه المئات من الفتيات المغربيات اللائي يمتهن الدعارة.
فماذا تغير في تكوينه؟ وما الذي طرأ على بنيته؟
إنه الانفتاح غير المنضبط بما أنزل الله، انفتاح اشترك في وصفه اليهود من أصحاب الأموال والاقتصاد، والنصارى من أصحاب السياسة والصناعة للساسة في المغرب حتى يتجنبوا السكتة القلبية.
فماذا كانت نتائج هذا الانفتاح؟
سأقتصر على ذكر أهم نتائجه:
– انتشار الخمور: من سنة 2000 إلى سنة 2007 هذا ارتفع إنتاج الخمور بنسبة 21 بالمائة، حيث بلغ إنتاج شركة “براسري دي ماروك” 30 مليون ليتر من البيرة.
لا أظنني محتاجا للتذكير في هذا المقام أن الخمر في الإسلام حرام بيعا وشراء وزراعة وحملا وإشهارا..، لأن الأمر لم يصل بعد رغم شناعته إلى درجة الاختلاف في حكمها، إلا أن الكمية التي تبتلعها بطون المواطنين المسلمين ينبئ أن مصير المغرب يتجه نحو هاوية سحيقة، سواء على المستوى الديني والأخلاقي أو على المستوى الأسري والتربوي أو على الصعيد الصحي والأمني.
إن عدد الليترات التي تنتج من الخمور في المغرب إنما تصنع برخصة رسمية وتباع برخصة رسمية ويقتنيها المواطنون من أسواق قريبة من منازلهم أو يتناولونها في حانات معلومة مرخص لها، فأين دولة القانون؟ وأين قانون الدولة؟ وأين دين الدولة الإسلام؟ وأين وزارة الأوقاف؟ وأين؟ وأين؟
إن الأمر حتى لو لم يكن محرما شرعا فعلى العقلاء أن يعملوا على تحريمه نظرا لما له من ضرر على الدين والنفس والمال والعرض والعقل.
إن حوادث القتل والاغتصاب والزنا واللواط والتحرش الجنسي بالنساء والأطفال والسطو والضرب والجرح والسرقة وعدد حوادث السير القاتلة أو الجارحة وما يترتب عن ذلك من يُتْم وترمُّل أو أي ضرر لذوي الضحايا وكذا حالات الطلاق والعنف ضد النساء فكل هذه الحوادث والآثار والمشاكل لها في أغلب الأحيان ارتباط بالخمر أو المخدرات، إما شربا أو بيعا أو إنتاجا، وعدد حالاتها يفوق في الغالب عدد القنينات التي تباع في الأسواق المغربية.
فلماذا هذا التجاهل؟
ربما وجدنا الجواب في حجم العائدات التي دخلت صندوق الدولة من صناعة الخمور لسنة 2006 فقط، والتي بلغت حوالي 723 مليون درهم على شكل ضرائب على الاستهلاك الداخلي للخمور.
إن هذه العائدات التي دخلت صندوق الدولة من صناعة الخمور قد خرج أضعافها من وزارات الصحة والنقل والعدل والداخلية.. بسبب الخمور نفسها، ولو كانت الإرادة السياسية صادقة لأجريت دراسة دقيقة لاستجلاء الآثار المدمرة للخمور على الاقتصاد والأسرة والشباب..ليعلم المسؤولون صدق قوله تعالى: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ”البقرة. فهلا تَفَكَّرَ مسؤولونا قبل فوات الأوان؟
ومن نتائج الانفتاح المتسيب أيضا:
– انتشار القمار والميسر فعدد الكازينوهات بالمغرب في ارتفاع والشركات المتنافسة على إنتاج ألعاب القمار وتنظيمها غزت جيوب الفقراء والمعدمين.
– انتشار الشذوذ حيث استفحل أمر أصحابه فأصبحوا يُعدون العُدة لتأسيس جمعية أطلقوا عليها اسم “كيف كيف” مدعومة من شواذ أوربا بالمال والتكوين.
– انتشار الربا ولا يحتاج إلى تفصيل.
– انتشار الدعارة وهي أيضا لا تحتاج إلى تفصيل.
– انتشار التنصير، حيث تناولت وسائل الإعلام مؤخرا خبر وجود 500 مُنَصِّر سري يعملون بالمغرب على استقطاب المسلمين إلى المسيحية، هذا بالإضافة إلى عمل مئات المنصرين منهم في الكنائس على تحويل المغاربة عن دينهم.
– انتشار السياحة الجنسية، حيث لم يعد يخفى على أحد بعد ما نشرته بعض وسائل الإعلام الغربية والوطنية عن الدعارة والشذوذ المرتبطين بالسياحة والأجانب، مما دفع والي أمن مراكش في الشهر المنصرم إلى القيام بعملية تمشيطية اعتقِلت خلالها 100 مومس وباغية.
– انتشار الاختلاسات من طرف مسؤولين وهذا ملف أصبح يعلم تفاصيله الصغير قبل الكبير.
سأقف عن السرد لأن القائمة تطول..والأسباب التي تنتج طولها وتنوعها تزداد كثرة، ومع كثرتها فهي تتلخص في عنصر وحيد فريد هو تهميش الدين والحيلولة دون قيامه بدوره في التأطير والتنظيم، والعزوف عن استلهام الحلول من أحكام القرآن الكريم وهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه ربه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ”الأنفال.
فإذا كنا بالفعل نبحث عن الحياة الكريمة الطيبة فما علينا إلا أن نمتثل قوله تعالى: “مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ”النحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *