عمليات في ملوية للكلونيل سانت شابيل ذ. إدريس كرم

لم يفتئ بنو وراين المقيمين بتازة جنوب شرق فاس يعلنون عداءهم لنا حول صفرو، بل يمتد حقدهم علينا لغاية حدود وهران منذ تواجدنا في مظلع ميرادا دبدو، كرسيف، حيث تملك سهل تافراتا، ولم يتوانوا في إزعاج مراكزنا، ويحثون القبائل الخاضعة لنا على منازعتنا والتمرد علينا خاصة في سلسلة الجبال المسماة كعدة دبدو، التي يوالون نزولهم منها لغزو سكان السهول الموالية لنا، وشتم المتواجدين في مراكزنا المتاخمة للآماكن الخاضعة لنفودنا، وقتل العسس المتعاونين و المشتغلين لحسابنا.
يوم 3 مارس 1912 كلفتنا أحد تلك الهجمات قتيلين من المشاة وستة جرحى، وفي يوم 11 منه توجه ليوطنا (كودين) من الاستعلامات العامة نحو ملوية مع أربعين 40 من عناصر الكوم، فسقط في شبكة كمين لبني وراين، وعلى إثرها أمر الجنرال أليكس 1500 رجل من قواته بقيادة الكومندار “بينوط” يوم 14 مارس بالتوجه لسهل معريجا حيث استولى على 3000 خروف وتلقى طاعة بعض العناصر من قبيلة ارشيدة على الضفة اليمنى لملوية.
يوم 17 من الجاري توجه الكلون المذكور نحو الجنوب وعسكر مساء بلمريجة على واد حمام، يوم 18 فقدت الكتيبة قائدها بلمعريجة بسبب إصابة قاتلة في معركة ضارية في الثانية والربع من منتصف النهار، وبعد تزايد الأعداء تدخلت المدفعية سواء عيار 75 أو 65 لتشتيتهم وإبعادهم عن مركز الإشتباك وراء 1500م عن السهل، وقد كلفتنا عملية كبيبشة هذه 28 قتيلا و23 جريحا وبقيت بني وراين تراقب مرتفعات كرسيف، قام بعدها كلون مكون من 2300 رجل من تاوريرت وميرادا في بداية أبريل من أجل القيام بمهمة تمشيط سهل تافراتا ومعرفة النقط التي استولى عليها الأعداء والقضاء عليهم.
وهكذا خرجت القوات المكونة يوم 9 منه على الساعة الخامسة والنصف صباحا بعد ورود أخبار من أن حركة قوية قد تكونت من 2000 بندقية و500 فارس وغادرت جبل صلاح ليلا تريد مباغتة معسكرنا، فأراد ليوطنا كلونيل قائد الكلون المتكون مهاجمتها تحت حماية المدفعية فلم يصمد المغاربة أمامنا فتراجعوا تاركين حوالي 200 قتيل وانتهت المعركة على الساعة التاسعة صباحا، أما نحن فقد تكبدنا خسائر هامة تمثلت في 28 قتيل منهم ثلاث ضباط و63 جريح فيهم أربعة ضباط.
وفي نفس الناحية بكعدة دبدو التي سبق أن عرفت معارك في علوانا حيث قتل قبطان يوم 17 ماي 1911 وكوماندار يوم 23 ماي 1911 ومعركة 18 مارس و9 أبريل تبين أننا لن نتقدم خطوة واحدة، لقد كان لمعركة لمعيريجة في 18 مارس صدا كبيرا تناقلته القبائل من تازة لفاس ص115.
بني وراين عادوا من جديد لمقاتلتنا على الضفة اليمنى لملوية وقبائل كعدة دبدو التي لم تخضعها قواتنا في يونيو 1911، من جهة أخرى الأهالي يعرفون أن المغاربة أصبحوا تحت الحماية الفرنسية وأنه ليس هناك فرق بين الحماية والاستيلاء، وأن الأمر كله يتلخص في كون السلطان باع لنا المغرب، ونتوقع هجوما لبني وراين وحلفائهم من هوارة وأولاد الحاج.
كان لذينا كولون مكون من 3500 رجل بقيادة الجنرال جراردو مقيم بفريطيسة منذ 10 ماي على الضفة اليمنى لملوية مواجهة لبويعقوب ومع ذلك، المتمردون ربحوا مرتفعات هذا الواد وأصبح الخوف من اختلال الأمن يخيم على دبدو وبركان، وبني يزناسن، وبني بوزكو، الذين انضموا إلى أعدائنا.
أصبحت دورياتنا تتعرض يوميا لإطلاق النار، وفي ليلة 12 ماي تخطى جيش العدو ملوية، وفاجأ قرب مارادا سرية لقافلة اسبانية تعمل في مصلحتنا، فقتل لنا واحد منها، وفقدنا 20 بغلا، وتوبع صباح اليوم الموالي النهاب، الذين تركوا في الميدان ستة قتلى.
يوم 14 ماي في ليلة 16 و17 دارت معركة مع الملاحقين من المتمردين، تركوا فيها 10 قتلى، وجرح لنا أربعة جنود، يوم 14 تعرضت نصف سرية لنال لهجوم من طرف جيش بين تاوريرت وميرادا على بعد 5 كلم من عين ادخيسة رد من قبل فرساننا وقتل لنا قناص ص 116.
العمليات العسكرية بين ماي ويونيو 1912
في نواحي فاس المعارضون يلاحقون عبر ثلاث نقط، كولون كورو في شمال شرق فاس، وكولون دالبيز في الجنوب الغربي، وكلون حول صفرو والشرق، وتجدر الإشارة إلى هجوم 27 ماي الذي تعرضت له ثكنة باب كيسة على الساعة العاشرة مساء، من طرف جمع غفير من المعادين الذين حاصروا المكان، وفتحوا ثغرة بسور المدينة في الساعة السادسة صباحا، وأشعلوا النار داخل المركز، بعدما اقتحموه بالحراب، ولم يخرجوا منه إلا بعد منتصف النهار، وقد تكبدنا في ذلك الهجوم 17 قتيلا منهم ثلاثة ضباط و20 جريحا.
وفي يوم 2 يونيو قتل لنا ضابط وجرح لنا ثلاثة آخرين نتيجة مواصلة ملاحقة المهاجمين التي انطلقت في 26 ماي وكذا 28 منه، ونتج عن تلك المواجهات وصول تعزيزات مهمة لفاس من غير ما تعرض لها، لكن بقي الغليان سائدا في القبائل التي واصلت التجمعات بين رؤسائها بغرض تكوين حركة جديدة قوية للهجوم على مواقع تواجد قواتنا وذلك في الشمال الشرقي بدء من 7 ىيونيو.
الجنرال كورو غادر يوم 5 يونيو 1912 فاس حيث اجتاز يوم 14 منه سبو وعسكر في سوق الثلاثاء على ضفة واد يناون شمال طريق تازة على بعد 30 كلم شمال شرق فاس، وقد اقتصر المعادون على تبادل بعض الطلاقات مع جنودنا المتقدمين، وفي مساء 17 منه فاجأ فرسان لحياينة سرية تبعد عن المعسكر مكلفة بالحيوانات ب900م بهجوم قتل فيه ضابطي صف فرنسيين، وتسعة من المشات، وجرح خمسة جنود، ودامت المعركة ثلاث ساعات، اتبعها هجوم مضاد لنا أسفر عن هزيمة المعتدين، وبعدها تم نقل مكان المعسكر نحو الشمال لتأمينه.
وفي نفس اليوم تعرضت قافلة للتموين بمشرع سبوا وهي تجتازه، لكن المهاجمين ردوا من طرف كمندار اللفيف الأجنبي الذي شتت الأعداء وأخذ لهم علما، ولتخفيض منسوب رفض القبائل لتواجدنا، قام الجنرال كورو بإحراق القرى والمحاصيل في مساحة قطر حول المعسكر يبلغ ما بين 10و 12 كلم.
يوم 19 منه انتقل الكولون لعزيب مولاي اسماعيل لتشتيت المقاومين من لحياينة واجبالة الذين أخبر بتواجدهم يستعدون لمباغتة قواتنا، وقد تم اللقاء بهم على بعد أربعة كلم من هذه النقطة، وبعد ثلاث ساعات من القتال فر الأعداء تاركين قتلاهم في الميدان أما نحن فقد خسرنا ضابطا قتيا وثلاثة جنود و11جريح.
معسكر اعزيب مولاي اسماعيل الذي التحق به الجنرال كورو يوم 20 يونيو وهناك تم اخباره بتجميع حركة في المرتفعات على الجانب الأيمن لنهر ايناون على بعد 12 كلم شمال سوق الثلاثاء، فبعث بقوات لتشتيتها يوم 22 حيث خاضنا معها معركة حامية خسرنا فيها قتيلين و13 جريحا بينهم ضابطان.
أعيد الكلونيل جرادون لفاس يوم 25 يونيو تحت حراسة 6 سرايا حاملا معه قافلة بها 29 جريحا من غير أن يهاجم في رجوعه، أما كورو فقد تقدم للشمال نحو واد اللبن ضد قبيلة فشتالة ثم سوق أربعاء تيسة على بعد 60 كلم شمال فاس.
البلاد جد غنية وزراعية، وبما أن الوقت وقت حصاد خاف الناس من إحراق زروعهم فقدموا الطاعة للجنرال والتزموا الهدوء، دون أن يعني ذلك أننا حققنا الهدوء أو اقتربنا منه، بل ما نزال بعيدين عن التهدئة، والدليل أننا في يوم 29 وعلى بعد 30 كلم من فاس تعرضت دار قائد اشراكة المشايع لنا للإحراق من قبل المعادين، قام بها خصوم جدد يتزعمهم مشعوذ جديد يدعى مولاي محمد بن الحسن السمهالي، الذي كون محلة من الفارين من القواة الشريفة، ومتطوعين من اشراكة، وأولاد عيسى، وعسكر بهم يوم 3 يوليوز في الحجرة الشريفة، على بعد 30 كلم شمال فاس.
يوم 5 يوليوز توجه الجنرال كورو نحو معسكره هذا الأخير في قوة كبيرة مؤلفة من أربعة أفواج وفرسان ومدفعية وبعد مسيرة 24 كلم فاجئوا مخيم الركي على الساعة الرابعة صباحا، وبعد معركة دامت ساعة ونصف الساعة فر الأعداء تاركين قتلاهم وأمتعتهم من خيام وذخيرة وأسلحة بما فيها خيمة الروكي وقد كلفتنا المعركة ثلاثة قتلى و18 جريحا أما المعركة الموالية معه فقد تمت يومي 6 و7 يوليو كلفتنا قتيلا وخمسة جرحى وعادت قواتنا بعدها لمعسكرها في بورايس على ضفة سبو يوم 8 منه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *