وقع النداء الملكي حول المراجعة:
تلقى المجتمع التربوي والمدني وكثير من الفعاليات والحساسيات التوجيه الملكي حول مراجعة برامج “التربية الدينية” والموجه أساسا إلى وزير التربية الوطنية ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، باعتبار القطاعين معنيين أصلا بهذه التربية؛ حيث نجد لها امتداداتها عبر مسالك التعليم العمومي والخصوصي من خلال مادة التربية الإسلامية التي تكتسي مضامينها بعدا تربويا وظيفيا، وعبر التعليم الأصلي بنوعيه الأصيل والجديد، وكذا عبر التعليم العتيق، والذي يقدم تعليما قائما على العلوم الشرعية.
وبعد هذا النداء الملكي إلى ضرورة مراجعة تلك البرامج بدأت التعليقات والنقاشات، وتنوع القراءات، كما تخللتها تأويلات حول أهداف ومضمون هذه المراجعة وأبعادها التربوية والأمنية والاستراتيجية، كما رآها البعض فرصة لكيل سيل من الاتهامات لمادة التربية الإسلامية وبرامجها ومحتوياتها ومرجعيتها وأهدافها ومدرسيها ومؤطريها وأساليب تدريسها… محاولا تمييع النداء الملكي الذي ركز بشكل واضح على البعد القيمي من خلال ترسيخ القيم والتشبث بالثوابت الوطنية، وتعويم أمر هذه المراجعة لتصفية حساباته مع هذه المادة وحمولتها القيمية الأصلية كهدف قريب، وبغاية إقصائها من المنظومة التربوية وإقصاء الإسلام عن الحياة العامة وفصل الدين عن الدولة كهدف استراتيجي بعيد.
ولعل مثل هذا التوجه الشاذ والذي لا يمكن اعتباره إلا تهريجا وتجارة بالدين، وأكلا للدنيا بالدين، وضربا للهوية المغربية وثوابتها الوطنية والدينية واللغوية، متغافلا أو متجاهلا أو متعنتا أنه في دولة إسلامية واقعيا ودستوريا وتاريخيا ووجدانيا، وأن حاكمها ومقرر سياستها وتوجهاتها الكبرى أمير للمؤمنين الذي صرح سابقا -لمن لا زال يؤمن بالفكر الماركسي الثوري المتنكر لكل الثوابت والمرجعيات الأصيلة- أنه لا يمكن أن يخالف تلك الثوابت لما في ذلك من الحفاظ على استقرار البلاد وأمنها ووحدتها باعتباره حامي حمى الملة والدين، ولا يمكن أن يحل ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله، ولا يمكن أن يوافق على تحريف النصوص الشرعية أو تغيير أحكامها إرضاء لرغبات وشهوات ومصالح مثل هذا الفكر الشارد.
وتناول البعض هذه المراجعة من حيث أهدافها ومراميها والتي تنشد تحسين جودة التربية والتكوين في بعدها الأخلاقي والقيمي، باعتبار ما للتربية الدينية من أثر وجداني وقيمي على منظومة التربية وتخليق الحياة العامة، أمام ما يشهده الواقع المعيش من خلل واختلال قيمي على كل المستويات وعبر مجموعة من المظاهر (جرائم الرشوة والاغتصاب والغش والسرقة وشغب الملاعب والعنف والتطرف والميل إلى الداعشية والإرهاب…) وكلها تلقي بثقلها وعواقبها الوخيمة على مستقبل البلاد واستقرارها وتقدمها ومواكبتها للجهود الإصلاحية المبذولة.
فكان من الضروري إعادة الاعتبار لهذه المواد الدراسية وللبرامج التعليمية لمحاصرة هذه الظواهر. ولن يكون ذلك إلا بالمراجعة المستمرة لهذه البرامج.
التجديد والمراجعة والتطوير مطلب إسلامي
لا شك أن أمر المراجعة والتطوير والتجديد في المناهج والبرامج الدراسية أمر مطلوب دائما، أولا انطلاقا من أصالتنا وفكرنا الإسلامي ومرجعيتنا التي تلح وتحث على هذا التطوير والتجديد، فقد ورد في المقاصد الحسنة للمحدث السخاوي وكما ورد في سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ اللَّهَ يبعَثُ لِهذِه الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سَنةٍ من يجدِّدُ لَها دينَها”، وهذا التجديد في الدين يعني أن نزيل عنه ما علق به مما ليس منه، وقد عرف العلماء التجديد في الحديث (بإحياء ما أندرس من معالم الدين، وانطمس من أحكام الشريعة وما ذهب من السنن، وخفي من العلوم الظاهرة والباطنة) (فيض القدير 1/ 10- 2/282).
ولا يمكن فهم التجديد هنا على أنه تطوير الدِّين، وتعديلَه بالزِّيادة عليه، والحذفِ منه، وتهذيبه؛ ليتلاءمَ مع المفاهيم السَّائدة في عصر العولمة والتنكر للقيم، وثانيا حاجة البرامج والمناهج الدراسية إلى مواكبة المستجدات المعرفية والتقنية والبيداغوجية والاجتهاد في حسن تنزيلها وتصريفها ديداكتيكيا.
(فالمراجعة تعدّ نوعًا من أنواع التجديد إذ لا تجديد بلا مراجعة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإذا كان التجديد واجبًا، وكان تحقيق التجديد متوقفًا على المراجعة، فإن المراجعة تعدّ -والحال كذلك- واجبة بحسبانها مقدمة الواجب، ومقدمة الواجب عند أهل العلم بالأصول واجب!).
وفي هذا الإطار أصدر الملك محمد السادس تعليماته إلى وزيري التربية الوطنية والشؤون الإسلامية والأوقاف بضرورة “مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية الدينية، سواء في المدرسة العمومية أو التعليم الخاص، أو في مؤسسات التعليم العتيق، بالتركيز على القيم الإسلامية السمحة، وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعي إلى الوسطية والاعتدال، وترسيخ قيم التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية،… والتشبث بمقومات الهوية الوطنية الموحدة، الغنية بتعدد مكوناتها، وعلى التفاعل الإيجابي والانفتاح على مجتمع العلم المعرفة وعلى مستجدات العصر”.
إن مبادرة العاهل الكريم تندرج ضمن اهتماماته بالشأن التربوي بصفة عامة بدلالة كثير من التوجيهات السديدة التي ما فتئ يقدمها في خطبه الرسمية للانكباب على تطوير المناهج الدراسية تصورا وتفكيرا وتنزيلا، من خلال أبعادها الفلسفية والسسيولوجية والبيداغوجية والديداكتيكية… ولا يمكن قراءة ندائه إلا في هذا الاتجاه، واهتمامه بالتربية الدينية بصفة خاصة انطلاقا من مكانته الدستورية والشرعية باعتباره أميرا للمؤمنين يستمد اختصاصاته من مقومات البيعة الشرعية القائمة على مبادئ الإسلام وضوابطه الشرعية، وأيضا باعتبار الدولة المغربية دولة إسلامية بنص الدستور، لذلك كان على المناهج التعليمية أن ترفض أي تقسيم للنشاط المعرفي يقوم على الفصل بين الديني والدنيوي، وبين النقلي والعقلي، وبين المادي والروحي، إذ ليس ثمة تنافر أو تناقض بين هذه الثنائيات، بل هي ثنائيات متكاملة ومترابطة ومتداخلة، ولا يصح الفصل بينها بتاتًا، بل إن أي فصل عشوائي أو تعسفي بينهما، يفضي -ولا محالة- إلى غبش في الرؤية، واضطراب في المنهج، وقلق في الحركة، وتشوه في تعامل الإنسان مع الكون والحياة والوجود، مما يجعل الحياة متسمة بدوام الصراع. (مناهج التربية: أسسها وتطبيقاتها، علي أحمد مدكور، القاهرة، دار الفكر العربي، طبعة 2001م).
ومن هنا لا يمكن فهم هذا النداء انطلاقا من خلفيات علمانية تريد إقصاء الدين من الحياة وفصله عن الدولة، فالقراءة الموضوعية وفي سياق ما ذكر تجعل المطالبة الملكية بمراجعة مناهج التربية الدينية تسير في اتجاه تقوية مكانة مادة التربية الإسلامية في المنظومة التربوية بما لها من حمولة قيمية، ولعل النداء اليوم تأكيد لنداءات سابقة تخص معالجة كثير من القيم التي أصبحت تعرف عدة اختلالات وعلى كل المستويات، مما يؤدي بالشباب إلى الميوعة والإلحاد والعنف والتطرف يمينا ويسارا.
النداء الملكي من أجل تقوية مكانة مادة التربية الإسلامية والتعليم الديني في المنظومة التربوية:
إن المطالبة بمراجعة برامج التربية الدينية (التربية الإسلامية في التعليم العمومي والخاص والعلوم الشرعية بالتعليمين الأصيل والعتيق) أرى أنها تروم إعطاء الجانب القيمي ما تستحقه من اهتمام أثناء صياغة البرامج واختيار مناهج وطرق تنزيلها، ولا يمكن أن تنال من الجوهر الديني والمذهبي في المغرب باعتباره من مقومات وثوابت الهوية المغربية وأساس قيام الدولة ونظامها.
والواقع أننا قد تجاوزنا مقولة المناهج الدينية أمام ما يعيشه العالم من تدافع وصراع؛ بل ونزاعات دينية وطائفية إلى التشبث بمصطلح التربية الإسلامية باعتبار أن الدين عند الله هو الإسلام، وعليه أجمعت كل الرسالات السماوية، وفي مضمون برامج التربية الإسلامية ومحتوياتها لا يمكن الحديث عما يغذي الفكر المتشدد، ولا يقول بهذا إلا جاهل بمضامين الكتب المدرسية والبرامج المرجعية لها، فهو قول مردود على صاحبه، وينبع من خلفية تريد تكريس علمانية الدولة، انطلاقا من اتهامها لمادة التربية الإسلامية بالتطرف والإرهاب؛ لأن البرامج الدراسية والكتب المدرسية نتاج ثلة من الخبراء المغاربة بما فيهم الجامعيون والمفتشون وأساتذة متخصصون، فأتت مواضيعها عامة وذات بعد تربوي تقيس مختلف المجالات الحياتية الدينية والدنيوية، تخدم المتعلم وتخدم البلد… وكل ما يثار حولها من شبهات نتيجة جهل بمضمونها وإسقاط لأفكار جاهزة غير واقعية.
وهذا ما أدى ببعض الشواذ فكريا إلى اعتبارها تولد الكراهية وتحرض على الإرهاب، وهو زعم باطل ينم عن أمور أخرى…خاصة وأن المادة ومناهجها، تخضع لرقابة جهات مسؤولة زيادة على وزارة التربية الوطنية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والمجلس العلمي الأعلى، وجمعيات العلماء، كما أن الكتب المدرسية ملزمة وملتزمة بشروط دفاتر التحملات التي وضعت مجموعة من الضوابط خاصة في مجال اختيار المضامين ومرجعيتها والتزام مقومات الثوابت المغربية ومنظومة القيم الكونية.
ولا يحتاج الأمر هنا إلى دليل فالواقع يشهد أن الإرهابيين والداعشيين غرباء عن التربية الإسلامية وعن مبادئها وأهدافها، وأغلبهم دافعهم مادي ومتأثرون بأفكار إغرائية نتيجة ما تروجه بعض العقليات والأفكار من ثقافة التيئيس وكراهية المجتمع ونبذ مؤسساته انطلاقا من مرجعية دغمائية تستورد مقولات جاهزة، وتحاول إسقاطها على مادة التربية الإسلامية دون أي اطلاع على محتوياتها المعرفية والقيمية، وبذلك يفتقدون إلى الدليل ويقومون بلي أعناق النصوص والمواضيع الدراسية، وتأويل بعضها حسب خلفيات معينة، ويجترون الشبهات التي أثارها ويثيرها قديما وحديثا الفكر الاستشراقي والكنسي…
فالمنهج عندنا: إن كنت ناقلاً فالصحة، وإن كنت مدّعياً فالدليل، تريد أن تنقل ليكن النقل صحيحاً،.. وفي غياب أو تجاهل الدليل يقول من شاء ما شاء. ونحن ديننا دين دليل، ودين تعليل، ودين علم، ودين منهجية، وديننا دين معقول، ودين الفطرة، ودين الإنسانية… ولذلك فالمراجعة هنا لا تعني -بأي حال من الأحوال- الإذعان لحلم حالم، أو مكر ماكرٍ.
إن المراجعة بغاية التعديل والتطوير شيء محمود نتيجة تطور المجتمع وثقافته ولهذا لا بد للبرامج الدراسية أن تواكب تطورات المجتمع وتجدد حاجاته ومستجدات عصره، ولن يُؤتي التعليم أكله ما لم تتعهد مناهجه بالمراجعة الدائمة، والتطوير اللازم الذي يجعل منه مصنعًا هامًّا ومهمًّا يصنع الأجيال الأكفاء القادرين على النهوض بالأمم والارتقاء بالشعوب، وتحويل التحديات الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية إلى فرص وآفاق تجعل منهم أمة حاضرة وشاهدة وفاعلة ومشاركة في الفعل الحضاري. (مناهج التعليم في العالم الإسلامي حتمية المراجعة وضرورة التطوير – قطب مصطفى سانو ).
وقد نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين على ضرورة مراجعة البرامج الدراسية بعد فترة زمنية محددة إلا أن هذا لم يتحقق أمام عدة إكراهات، وعرفت برامج التربية الإسلامية مراجعة على مستوى بعض المضامين والنصوص الفكرية بعد أحداث ماي 2003 نظرا لبعض الاتهامات التي وجهت للتربية الإسلامية ظلما وعدوانا، وتبين مع الأيام أن هناك قلة شاذة تحاول اغتنام كل فرصة للنيل من المادة وأهدافها، ولعل مثل هذه الأفكار هي التي تغذي ثقافة الكراهية والإقصاء والتطرف والإرهاب، والآن لا يمكن لأحد أن يقول بأن البرامج الدراسية كاملة جامعة مانعة مثالية لا تحتاج تعديلا ومراجعة، والأمر هنا لا يتعلق بمادة بعينها فهو مطلوب بالنسبة لكل المواد الدراسية، نظرا للتطورات المشار إليها آنفا وللتغيرات الطارئة على حاجيات المتعلمين وطموحاتهم في مواجهة عصر المعرفة والعولمة.
اقتراحات طالب بها أساتذة مادة التربية الإسلامية ومفتشوها
من أجل المراجعة والتحسين والتجويد بما يعمل على تحقيق الهدف الملكي من المراجعة يمكن الإشارة إلى عدة اقتراحات طالما طالب بها أساتذة مادة التربية الإسلامية ومفتشوها، كما طالبت بها الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية في بياناتها والتي أصدرت عدة توصيات كان آخرها ما صدر عن مجلسها الوطني الأخير المنعقد بفاس يوم 10 يناير 2016، حيث حذرت من استهداف مادة التربية الإسلامية من خلال إضعاف تواجدها في المنهاج التعليمي المغربي وإلغائها في بعض التخصصات والشعب، أو تغيير اسمه، وذلك لأهمية هاته المادة التي تعمل على ترسيخ قيم الهوية المغربية، وتدرأ مفسدة الفتنة والطائفية، وتحصن المتعلمين ضد آفة العنف والتطرف والغلو والانحلال، وذلك من خلال:
– التركيز على دور مادة التربية الإسلامية في ترسيخ قيم الهوية المغربية، وتحصين المتعلمين ضد آفة العنف والتطرف والغلو والانحلال.
– اعتبار مادة التربية الإسلامية بكل مكوناتها أحد المداخل الأساسية لتوفير الأمن الروحي والاجتماعي والاستقرار النفسي لفلذات أكبادنا، مستقبل هذا البلد الأمين، والعمل على تظافر جهود جميع المسؤولين كل من موقعه، والجمعيات التربوية\المهنية، وجمعيات المجتمع المدني لتحقيق هذا الهدف.
– التشبث بمصطلح “مادة التربية الإسلامية” في المنهاج التعليمي المغربي في كل أطواره انسجاما مع الدستور، وكافة المرجعيات المؤطرة للمنهاج التعليمي في فلسفته العامة وغاياته الكبرى وأهدافه المختلفة، مراعاة للمصلحة العامة للبلد، ودرء لمفسدة الفتنة والطائفية، وتعميم تدريسها في كل مستويات البكالوريا المهنية ومختلف مراكز التكوين.
– إيلاء التعليم الأصيل في صيغته الجديدة العناية اللازمة وإزالة كل العوائق التي تحول دون إرسائه وتعميمه في بعض الجهات والنيابات، وتفعيل المذكرة الوزارية الصادرة في هذا الشأن.
– العمل على زيادة أعداد متدربي مادة التربية الإسلامية في المراكز الجهوية والمركز الوطني لتكوين مفتشي التعليم لمحاصرة ما تعرفه المادة من خصاص على مستوى الأساتذة والمؤطرين.
إضافة إلى هذه التوصيات أرى ضرورة تمهير العملية التعليمية والرفع من الأداء الديداكتيكي لأساتذة المادة وتشبيب هيئة التدريس ولن يكون ذلك إلا بفتح نوافذ للتكوين والتكوين المستمر.
وعندما نقول بالتشبث بمصطلح التربية الإسلامية فإننا ننطلق من كون الدين عند الله هو الإسلام، فمهما اختلفت الديانات السماوية قبل أن تنالها يد التحريف فهي تنادي بعقيدة واحدة موحدة، وقول البعض بتخصيص دروس في الديانات الأخرى أتساءل لمن ستخصص هذه الدروس؟ ومن هم المتعلمون المستهدفون بهذه التربية في المدارس العمومية؟ ما نسبة اليهود أو النصارى المسيحيين بينهم؟ وهل يقبل المغربي المسلم أن يدرس له بأن عيسى ابن الله؟…وهل من المعقول تشويش عقل ووجدان المتعلم بتنوع واختلاف “الديانات” فمن واقع التجربة الميدانية مدرسا ومؤطرا ومكونا وطنيا لم أجد أحدا من هؤلاء ولم أتلق طلبا بذلك. فالمتعلم يتلقى دروس العقيدة الصحيحة الوسطية المعتدلة ويطلع على خصائص الرسالات السماوية ويقارن بين الإسلام والشرائع السماوية السابقة.
وأذكر هنا مرة علقت بعض الصحف والمواقع على إعفاء رسمي لتلميذ من مادة التربية الإسلامية في امتحان موحد فاستنكر البعض ذلك، وعند البحث وجد أن التلميذ يدرس في مدرسة كاثوليكية خاصة وترشح لنيل شهادة من التعليم العمومي فلم نجد في ذلك حرجا.
إننا من وراء تشبثنا بالتربية الإسلامية وباللغة العربية تدريسا، نروم تحصين مجتمعنا من الطائفية، ونبعد شبابنا عن الغلو في الدين والتطرف العلماني… ولعل هذا ما ساعد بلدنا على تجاوز مخاطر الخريف العربي، ومما عانت ولا زالت تعاني منه دول عربية وإسلامية انساقت وراء الأفكار المتطرفة يمينيا ويساريا.
وهنا لا بد من التذكير بأن هذا الاهتمام بمادة التربية الإسلامية من طرف أعلى سلطة في البلاد دليل على أهميتها وما يمكن أن تحدثه من تغيير وتأثير؛ لكن السؤال المطروح كم حصة زمنية يقضيها المتعلم في مادة التربية الإسلامية؟ فهل يمكن أن يتأثر التلميذ المتعلم وتترسخ لديه ما نريد من قيم في حصتين يتيمتين في الإعدادي والتأهيلي وغالبا ما تجمع في حصة واحدة وقد تحذف في التعليم الخصوصي؟
إن مادة التربية الإسلامية وأساتذتها ومن خلال مضامينها وأهدافها وقيمها قادرة على الإسهام في تحصين المتعلم من كل دخيل، وهذا ما أقدمت عليه بعض المناطق حينما أحست ببعض بؤر التطرف المحلية حيث التجأت إلى المادة وأساتذتها لمساعدة السلطات من أجل التوعية بمبادئ الإسلام الوسطي ومن خلال تكثيف حصص الدعم وتنظيم أنشطة ثقافية وإشعاعية في هذا الاتجاه لمحاصرة الظاهرة انطلاقا من منهج ومنهاج التربية الإسلامية، وحسن تدبير وتصريف قيمها تصورا وتفكيرا وتأليفا وتدريسا وتقويما، والوعي بأهمية الثابت والمتغير في منظومة القيم الإسلامية؛ باعتبار أن (منهاج التربية الإسلامية له أهداف ثابتة وأخرى متغيرة، فالقيم الإنسانية الواردة في منهج الله وشريعته، هي قيم ثابتة، وهي، بالتالي، تمثل أهدافًا ثابتة للمنهاج، وذلك مثل: الصدق والأمانة.. وهناك أيضًا أهداف متغيرة بتغير الزمان والمكان والناس، فالله سبحانه وتعالى أمر بالعدل، وهذه قيمة ثابتة، ولكنه ترك وسائل تحقيق العدل للإنسان، يقوم به وفقًا لظروف الزمان والمكان والناس، وأمرنا بالشورى، وهذه قيمة ثابتة، ولكنه ترك تحقيق الشورى وفقًا لظروفنا المختلفة، وأمرنا بتحقيق العدالة الاجتماعية، ولكنه ترك لنا حرية اختيار الأساليب المناسبة لنا ولظروفنا في تحقيق العدالة الاجتماعية..”. (منهج التربية الإسلامية: أصوله وتطبيقاته، علي أحمد مدكور، (الكويت، مكتبة الفلاح، طبعة أولى لعام 1987م) ص 268 باختصار).
ولا شك أن هذا الفهم السليم للقيم الإسلامية في بعدها الوسطي الاعتدالي التسامحي، وتصريفها في الكتب المدرسية وحسن تنزيلها من طرف أساتذة المادة كانت حصانة وتحصينا لشبابنا من التطرف والغلو، ومما أعطى لفكرنا المذهبي الوسطي النابع من ثوابتنا ما جعل كثيرا من الدول تشهد بفعالية منهجنا، وتجعل المغرب من الدول الأولى في تكوين الأئمة والخطباء والدعاة والمرشدين وتأسيس مراكز دولية لذلك.