ما يصنعه بعض المعاصرين من تصوير القضية على أنها كشرب الماء، أو كأن القول بالإباحة هو المتعين الموافق للتفقه الحسن، والملائم لمقاصد الشارع، وأن القول بالتحريم تخلف فقهي أو تشدد لا مسوغ له، أو ضعف في فهم النصوص فهو جراءة مذمومة يجب إنكارها.
وراء القول بإباحة المعازف اليوم ثلاثة أمور خطيرة، يحتاج إلى تأملها:
الأول:
الجرأة على إباحة شيء وردت في تحريمه أحاديث مرفوعة، وآثار لا تحصى عن السلف، وهو قول الجماهير بل حكي فيه الإجماع، لا ينبغي أن تكون إلا بعد جهد بحثي ضخم، مع اتهام الرأي ومحاسبة النفس في مسالك الهوى الخفية، واحترام كبير لقول المحرمين.
أما ما يصنعه بعض المعاصرين من تصوير القضية على أنها كشرب الماء، أو كأن القول بالإباحة هو المتعين الموافق للتفقه الحسن، والملائم لمقاصد الشارع، وأن القول بالتحريم تخلف فقهي أو تشدد لا مسوغ له، أو ضعف في فهم النصوص فهو جراءة مذمومة يجب إنكارها.
الثاني:
الانتشار الكبير للمعازف يجعل القول بالإباحة مع مراعاة الضوابط الشرعية في الكلمات وفي ما يصاحب المعازف في العادة من المحرمات كلاما نظريا لا يبقى منه كبير شيء في التطبيق.
وإنما الذي يبقى عند عامة الناس هو: في المسألة خلاف والإباحة سائغة!
ولذلك قال الوزير المعروف عن المهرجان المعروف، ما معناه: في المسألة خلاف!
فجعل الخلاف في المعازف -وهو خلاف شهره المبيحون المعاصرون وأبدوا فيه وأعادوا- حجة لإباحة ما هو أشد وأطم.
ومن هذا الباب: إلقاء القول بالإباحة في الفضائيات، على من لا يمكنه أن يعرف هذه الضوابط الشرعية.
ولذلك فكل من رأيته من العامة يأخذ بقول الإباحة الشرعي، فإنه ينتقل بسرعة من المعازف “الحسنة” إلى “السيئة”! يبدأ بماهر زين وسامي يوسف (بالموسيقى) ثم ينتقل إلى جميع أنواع الغناء الغربي والشرقي، ولسان حاله: وما الفرق؟
الثالث:
ليست المسألة من النوازل العصرية، فبحثها معروف منذ القدم كما هو معلوم.
فما الذي جعل كثيرا من الفقهاء وأتباعهم، يقولون اليوم بعكس ما كان يقوله جماهير فقهاء الأزمنة السابقة حتى صار القول بالتحريم منبوذا في بعض البيئات لا يمكن الجهر به فيها؟
هل جد شيء في الأدلة أو في منهج الاستدلال بها؟
الجديد أن الحضارة الحديثة فرضت المعازف في كل مناحي الحياة العصرية. فصار القول بالإباحة لأجل تسويغ الواقع المفروض لا لأجل موافقة مراد الله.
وطرد هذا المنهج في أمور أخرى كثيرة نذير شؤم على الكيان الفقهي والعقدي كله.