متى كانت التربية الإسلامية تـُخرّج الإرهابيين والمتطرفين..؟!
لقد اعتدنا في بلادنا على مخاضات الجبال وميلاد الفئران. يسري القول على ما سال من حبر أسود قاتم وما دار من نقاش سفيه عقيم.. وتداول مقيت حول مقرر التربية الإسلامية الجديد واتهامها بتخريج الإرهاب والتطرف وهلم جراً؟؟!!
وقد وردت في الآونة الأخيرة (2016-2017) كتابات كثيرة على كافة المنابر الورقية والالكترونية.. المسموعة والمرئية.. وقد أبانت على الصورة الحقيقية للفكر السوداوي المظلم الذي ينهل من ثقافة الكيل بمكيالين والاستئصال لكل ما هو عربي إسلامي يواكب التطور والخير للمجتمع.. وقد اعتدنا -والواقع يشهد والإناء ينضح بما فيه- من خطابات هذه الشرذمة التي تكيد كيدا بالليل والنهار للنيل من قيم التربية الإسلامية والهوية الإسلامية لهذا البلد الأمين.
ويجد المتتبع للشأن الثقافي والسياسي والديني والاجتماعي بالمغرب ذاك الزخم الوفير من اللغط والتهارج.. بحيث أنه لا تكاد تمر شاردة أو واردة، سواء كانت قضية صغيرة أو كبيرة بمجتمعنا المغربي على الفكر العلماني الاستئصالي إلا وتجد أنيابه بارزة ورماحه المسنونة مشهرة.. وسيوفه البتارة المهندة مسلولة..
لأن أهم ما يميز هذا منهج هذا الخطاب المتطرف البغيض صوتا وصورة وقلبا وقالبا هو: الكيد الـمبيّت والبحث عن النعرات الفكرية الطائفية من أجل الترويج وتسليط الأضواء وشغل الرأي العام بسفاسف الأمور دون المساهمة في البناء الحقيقي لقضايا الأمة والوطن والإنسان.
وعلى شاكلة “منظري الخط اليساري الماركسي” خرجت علينا منذ أيام قليلة “الحركة اللـقيطة” التي تسمي نفسها زورا وبهتانا: الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية، الشهيرة باسم (مالي)، التي ضمت صوتها إلى قرار أساتذة مادة الفلسفة قصد الاحتجاج الغاضب على محتوى مقرر مادة التربية الإسلامية للسنة أولى بكالوريا، التي اعتبروها (افترائية.. لما تضمنته من مس وتشويه وتحريف للمقاصد النبيلة للفلسفة والعلوم…)، الأمر الذي جعلهم ينادون بأعلى أصواتهم من أجل إلغاء تدريس مادة التربية الإسلامية، والتأكيد على أهمية (التربية على العَلمانية) قائلة: إن المضامين المثيرة للجدل قدمت الفلسفة على أنها (نتاج للفكر الإنساني الذي يتعارض مع الإسلام).
هذه “الحركة” التي قدمت نفسها على أنها (حركة نسوية.. عَلمانية.. كونية)، شددت على موقفها الداعي إلى ما أسمته (أهمية التربية على العلمانية كمبدأ أساسي لسير العمل في المدارس العامة).
مؤكدة في بيانها على أن: (العَلمانية واحترام حقوق الإنسان مرتبطان ارتباطا وثيقا، فمهمة المدرسة هي التبادل المعرفي والتربية على القيم الإنسانية)، مضيفة في مقابل ذلك أن: (التعليم الديني يتعارض مع كونية حقوق الإنسان؛ إذن فلا مكان له)، وفق تعبيرها.
إلى ذلك، بسطت هذه “الشرذمة” رؤيتها إلى التوجهات التربوية في التعليم المغربي بالقول إن التلاميذ في حاجة إلى (أن يكونوا مسلحين فكريا لفهم القضايا الجديدة التي يطرحها الفضاء الرقمي، وقضايا التقدم العلمي والتقني، والقيم الإنسانية العالمية)، وزادت: (كي لا تقتصر هذه القيم على العبارات البالية أو الشعارات فقط، يجب تحديد شروط الحق في الفلسفة، وهو حق لا يمكن ربطه بتقلبات تعليم غير موضوعي).
“حق الفلسفة”، من منظور “الـحركـة العَــلمانية” ذاتها، (يرتبط باتفاقية حقوق الطفل التي تضمن “الحق في التعبير عن الرأي بحرية في جميع المسائل التي تمس الطفل” (المادة 12) و”حرية البحث وتلقي المعلومات والأفكار ونقلها، دونما اعتبار لأي حدود” (المادة 13)، فيما أوردت أنه إذا كان (أساتذة وأستاذات الفلسفة يريدون تكوين حس نقدي لدى التلاميذ وجعل التفكير مركز الانشغالات التعليمية، فينبغي تنظيم المناقشات في القسم، دون انتظار عقاب أو تأديب استنادا إلى المقررات الموضوعة).
واليوم إكمالاً لنفس المشروع العَلماني السرطاني الخبيث يطلع علينا بوجه مكشوف صوت نشاز بمقال أرعـن، للكاتب المغربي “سعيد لكحل”، الذي بزغ نجمه فجأة كباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، كما تطفو على حين غرة قطع الفلين فوق الماء الراكد الآسن، أو حين تطفو قطعة قـش مع غثاء السيل تتقاذفها المياه هنا وهناك..
يذهب هذا الصوت الاستئصالي المأجور بكيده إلى شخص بعينه وهو السيد بنكيران لينال منه..؟! وبالخصوص ما قام به من توضيح موقفه من التعديلات المنهاجية التي شهدتها مادة التربية الإسلامية، وما أساله درس “الإيمان والفلسفة” من مداد وردود أفعال واحتجاجات من جهات محسوبة على “التنوير الفكري” و”حرية الرأي” و”الحوار المتمدن”، و.. و.. والتي أرادت الانقضاض على هذه المادة الحيوية و”جلدها” بل و”تغريبها” خارج البلد للأبد…!؟
الأمر الذي جعل أساتذة مادة الفلسفة بالمغرب يغضبون غضبة مضرية، فأشعلوا احتجاجهم، ووصفوا تلك النصوص بـ”المتزمتة” والتي “تسيء إلى مادة الفلسفة والعلوم الإنسانية، لما تضمنته من مس وتشويه وتحريف للمقاصد النبيلة للفلسفة والعلوم”.
وعطفا على ما سبق وربطا بهذا السياق وهذه المناسبة كتب “الباحث” سعيد لكحل على موقع “إسلام مغربي؟!” -وتناقله أيضاَ موقع “حزب الأصالة والمعاصرة” الذي يمثل لكحل ناطقه الرسمي وبوقه الصادح- مقالته البئيسة في زمن “المسخ الثقافي” “وعولمة الحداثة المتوحشة” تحت عنوان: “بنكيران يُمأسِسُ التكفير ويُشَرعِنُ الكراهية”.
..ولم لكحل يترك في قاموسه الاستئصالي المتطرف أي شاردة أو واردة من المصطلحات البغيضة والمسمومة لينقضّ بسمومه على ثوابت “الأمة المغربية” والهوية الإسلامية وعلى رأسها منهاج التربية الإسلامية والهوية الروحية للمغاربة.. ونصّب نفسه وصيًا على أبناء المغاربة ليحذّر من مغبة الفكر “الارهابي الداعشي” الذي يلقّنه أساتذة التربية الاسلامية لثلث أبناء المغاربة (ما يقرب من ثلاثة ملايين تلميذ) بحسب عملياته الحسابية وحدسه الرياضي..؟؟!!
وهذا “الأنموذج” الذي أقدمه في هذه المقالة بخصوص ما كتبه حول مقرر “منار التربية الإسلامية” المقرر لتلاميذ السنة الأولى بكالوريا، هو لا يخفى علينا أنه قلم مسموم من الأقلام المأجورة التي تجر إلى الفتنة والطائفية واستئصال القيم النبيلة داخل المجتمع المغربي المتسامح الأشم..