خلال الندوة الفكرية التي نظمها، ليلة أمس الإثنين، بالتشارك كل من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاتحاد الاشتراكي، والتي حملت عنوان “أسئلة الدين والسياسة في الدولة المدنية”، هاجم مجددا “سعيد الكحل” الحركات الإسلامية ومشروعها المجتمعي، واتهمها -كعادته- بأنها ترفض القوانين المدنية وتسعى إلى تطبيق الشريعة.
حيث اعتبر الكحل أن حركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان هدفهما هو إسقاط الملكية وأنهما تؤمنان بدولة القرآن لا بدولة السلطان.
وقال الكحل وهو يتلو من وريقات بين يديه: “هذه الجماعات جات باش تطبق الدين على مستوى الدولة والفرد والأسرة وأنها تسعى إلى إقامة نظام الخلافة”.
ومثل الكاتب العلماني المتطرف لما قاله بأن حزب العدالة والتنمية “هدد خلال كتابة الدستور بالنزول للشارع إذا لم يتم التنصيص على إسلامية الدولة وأن التشريعات الإسلامية هي أسمى التشريعات” والأمر نفسه بالنسبة لخطة إدماج المرأة في التنمية” فهدفهم -وفق قوله- هو إسلامية الدولة.
وعاتب الكحل على هذه التنظيمات كونها تعتبر الولاء للدين لا لشيء آخر، وأنها ترفض المساواة وفق ما تفرضه الأمم المتحدة، ويبشر به العلمانيون عبر مؤسساتهم المختلفة، وتستغل المخزون الديني الوجداني عند المغاربة.
وخلص كاتب “آخر ساعة” أن المغاربة إذا سئلوا هل تريدون دولة ديمقراطية أم دولة الخلافة فإن المغاربة سيختارون حتما دولة الخلافة، لأنهم -وفق قوله- يتخيلون دولة الخلافة هي دولة عمر بن الخطاب، لا دولة السعودية وأفغانستان، حيث توجد عصابات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تطارد المواطنين والمواطنات في الشارع، وتقطع يد السارق، وترجم الزاني!!!
كما أكد الكحل أن حركة والتوحيد الإصلاح وحزب العدالة والتنمية تعتبران الدولة المسلمة هي التي تكون فيها الحاكمية لشرع الله، وأن الشورى بالنسبة للحاكم المسلم معلمة وليست ملزمة، أي أنه يمكنه مخالفة الشعب ومن استشارهم انطلاقا من نص ديني، وهو “وإذا عزمت فتوكل على الله”.
ومن هذه النقطة أعلن الكحل عن الهدف غير المعلن للندوة، وهو الهجوم على بنكيران الذي اعتبره ينفذ الحاكمية وما نصت عليه الحركة، وأن خلافه مع النقابات والأحزاب يندرج في هذا الإطار ويصدر عن هذه المرجعية، بمعنى أن بنكيران يطبق الحاكمية في الحكومة!!!
وبعد أن هاجم “الكحل” السنة الماضية المجلس العلمي الأعلى، خلال الندوة التي نظمها حزب “الأصالة والمعاصرة” بالمكتبة الوطنية بالرباط، واستقطب لها الملحد المصري “سيد القمني” في ليالي رمضان، وبعد وصفه للمجلس العلمي الأعلى بمجلس شورى “داعش”!!! وبـ”الداعشي المتخلف”!! أيضا، ها هو اليوم يعيد الكرة خلال ندوة أمس، ويهاجم مجددا مؤسسة دستورية يرأسها الملك.
حيث أعلن الكحل أن المؤسسة الدينية الرسمية التحقت بركب الأسلمة، وأن كل المؤسسة الدينية الرسمية مخترقة من طرف هذه التنظيمات، وقال: “إذا بقينا في موقف المتفرج فكونوا متأكدين أن الولاية القادمة ستكون كارثية على كل الحداثيين والديمقراطيين”.
يشار إلى أن الكحل لا ينتقد السلفيين أو حركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان فحسب؛ بل يهاجم المجالس العلمية والأئمة والخطباء وعلماء العالم الإسلامي قاطبة، وكل من يعارض المخطط العلماني ويحول دون التمكين له في المجتمع.
وذلك لأن المشكلة بالنسبة له تكمن في “الإسلاميِّين الرجعيين المتعصِّبين” الذين يرفضون المشروع العلماني؛ لا في الإسلام الذي يراه هو دينا لا يعارض فن العيطة وتذوق الخمور ومهرجان موازين وستوديو M2 ومسابقة ملكة الجمال..!! وهلم جرا..
وحتى نطلع الرأي العام عن صاحب هذه الأفكار، ونقدم نبذة مختصرة عن سعيد الكحل الذي أكل قلبه حقد وكراهية “الإسلاميين”، وود لو دفنهم في مطرح النفايات الكيماوية، نذكر أنه:
– يتأسف على غياب الدولة العلمانية في العالم العربي على اعتبار أن “قوانين هذه الدول تعتبر الإفطار في رمضان جنحة/جريمة، كما تمنع فتح حانة بالقرب من المسجد” (الكحل؛ انظر منشور قدر العلمانية في العالم العربي؛ ص:85).
– ويطالب بمنع مكبرات الصوت لإذاعة الصلاة خارج المساجد في شهر رمضان؛ لكون هذا العمل يعد “استغلالا سياسويا من طرف الجمعيات الدينية المتحزبة”!! (الحكل؛ متى يمنع المغرب مكبرات الصوت لإذاعة الصلاة خارج المساجد).
– أما المرأة فـ”هي بوابة الغزو التي تجتاح منها قيم الانحطاط وفقه البداوة لتشل فعالية المجتمعات وتشد حركتها إلى تيار الردة الحضارية الذي يعادي قيم التحضر والانفتاح والأنسنة” (الحكل؛ معارك الإسلاميين والوهابيين ضد الأرداف والصدور).
– ويعتبر “النقاب الدخيل ليس مجرد قماش، بقدر ما هو حزمة من العقائد المتشددة التي تفتك بالانسجام المجتمعي.. وهذا ما أدركته الحكومات الغربية فسارعت إلى وضع تشريعات تمنع النقاب حماية للتماسك الاجتماعي وحفاظا على أمن المواطنين” (الكحل؛ النقاب الدخيل والنقاب الأصيل).
– وأن المواظبة على الصلاة هي “إحدى مؤشرات الانحراف بالنسبة للأبناء في اتجاه التطرف والتشدد”. (مداخلة ضمن ندوة بعنوان: “الدين والسياسة.. العلاقة الملتبسة”، من تنظيم حزب الأصالة والمعاصرة).
وللتذكير فقط؛ وحتى لا ننجر وراء مهاترات الكحل الذي ظل حبيس أفكاره الماضوية لأكثر من عقدين، فإنه إذا كان في المرجعية الإسلامية من يرى طاعة ولاة الأمور ومن يرى الخروج عليهم أيضا؛ فإنه في المرجعية العلمانية -التي يبشر بها لكحل- لا وجود لطاعة الحاكم أصلا، كما أن نظام الملكية يعد نظاما قمعيا وجب التخلص منه كما في أوروبا والغرب عموما، لذلك فالتقية العلمانية والتظاهر بالدفاع عن المؤسسة الملكية لن ينفعك هنا، كما لن يسعفك الهجوم على خصومك الأيديولوجيين في التمويه عن المشروع الخطير الذي يحمله العلمانيون في المغرب، سواء تعلق الأمر بمؤسسة الحكم أو النظام السياسي عموما .