لا تحتاج مسألة تجذر العنصرية في نفوس ذوي البشرة البيضاء من الشرطة الأمريكية ضد السود إلى مزيد برهان أو دليل، فدم ذوي البشرة السمراء على يد شرطة الولايات المتحدة الأمريكية البيض ما يزال يسيل ويقدم للعالم أجمع مزيدا من الأدلة على هذه العنصرية المقيتة في بلد ما زال يزعم أنه رمز العدالة والمساواة .
كانت آخر حوادث استهداف الشرطة الأمريكية للسود في أمريكا حادثتين اثنتين وقعتا منذ أيام، وكان الفارق الزمني بينهما أقل من 48 ساعة فقط، فبعد أن أطلق أحد عناصر الشرطة البيض النار على “فيلاندو كاستيل 32 عاما” قرب سانت بول بولاية مينيسوتا، قام شرطي آخر بطرح المواطن “ألتون سترلي 37عاما” أرضا وأطلق النار على صدره أمام متجر في باتون روج بولاية لويزيانا .
وكدليل على إثبات تجذر العنصرية والحقد في نفوس ذوي البشرة البيضاء على السود في أمريكا، أظهرت لقطات من تسجيل فيديو صوره صاحب المتجر الذي قتل أمامه “سترلينغ” كيف أطلق ضابط الشرطة النار عليه 5 مرات من مسافة قصيرة، كما أن سبب القتل التافه يعتبر دليلا آخر على تلك العنصرية، حيث كان سبب قتل أحدهم مشادة مع عناصر الشرطة بعد القبض عليه وهو يقوم ببيع نسخة مقلدة من أقراص مدمجة للأغاني والأفلام خارج أحد متاجر المدينة “وهو ما يجرّمه القانون الأمريكي”.
والحقيقة أن سجل الولايات المتحدة الأمريكية مع العنصرية بالغ القتامة، وقد ازداد قتامة في العقد الأخير، فكثير من الإحصائيات والتقارير الحكومية تؤكد تزايد هذه العنصرية في السنوات الأخيرة، ففي إحصائية أجرتها وزارة الصحة بالولايات المتحدة أكدت أن عدد الأمريكيين السود الذين قتلتهم الشرطة الأمريكية وصل في عام 2014م إلى حوالي 1000 قتيل، كما أثبتت دراسة نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” أن الشرطة الأمريكية قتلت نحو ألف مدني أمريكي خلال العام 2015م، 40% منهم من ذوي البشرة السوداء، مع العلم بأن نسبة الأمريكيين السود هي 16% فقط من عدد سكان البلاد !!
بل إن بعض التقارير الأمريكية الرسمية اتهم الشرطة في مدينة شيكاغو الأمريكية بالعنصرية بشكل صريح ومباشر، حيث أثبت التقرير أن 74% من مئات الأشخاص الذي أطلق عليهم ضباط الرصاص في السنوات الأخيرة كانوا أمريكيين من أصول إفريقية، على الرغم من أن السود لا يمثلون سوى 33% من سكان المدينة .
وقال فريق العمل الذي شكل في أعقاب غضب شعبي بسبب تكرار حوادث إطلاق النار من جانب الشرطة: إن بعض الضباط “لا يضعون في الاعتبار قدسية الحياة عندما يتعلق الأمر بالأشخاص ذوي البشرة الداكنة”، مضيفا: “أن الشرطة مارست التمييز ضد السود وذوي الأصول اللاتينية عن طريق استخدام القوة المفرطة والالتزام بالصمت”.
وعلى الرغم من أن جميع هذه الإحصائيات والتقارير قد أكدت عنصرية الشرطة الأمريكية تجاه السود، وتورطهم باستخدام القوة المفرطة ضدهم دون أي مبرر سوى التمييز والعنصرية… إلا أن أي إجراء عقابي لم يتخذ ضد أي ضابط أو عنصر من عناصر الشرطة الأمريكية، ويكفي دليلا على ذلك ما حدث في أغسطس 2014م عقب قتل الشرطي الأبيض “دارين ويلسون” الشاب الأسود الأعزل “مايكل براون” في مدينة فيرجسون في ولاية ميسوري، حيث اكتفت السلطات الأمريكية بإعلان تقديم الشرطي القاتل استقالته دون أن يناله أي عقاب!!
ولعل يأس السود في أمريكا من إمكانية قيام الحكومة الأمريكية بإجراء إصلاح حقيقي في جهاز الشرطة يضمن لهم حقوقهم، رغم الكلام الكثير عن ذلك الإصلاح من قبل بعض المسؤولين، ورغم الاحتجاجات السلمية التي أعقبت الكثير من حوادث العنف الممائلة ضد السود عبر السنوات الماضية… هو ما دفع “قناص دالاس” للتعبير عن احتجاجه على عنصرية الشرطة بطريقة مختلفة هذه المرة، حيث قام بإطلاق النار على عناصر الشرطة فقتل منهم خمسة وأصاب ستة آخرين بجروح حسب ما أعلن رئيس الشرطة في دالاس قبل أن يُقتل في نهاية المطاف .
لا أحد يمكنه أن يجيب بيقين إلى أي مدى يمكن أن تجر عنصرية الشرطة الأمريكية تجاه السود الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الأكيد أن ما جرى منذ أيام في دالاس ينذر بازدياد حمى العنصرية عند البيض، خصوصا بعد مصرع خمسة منهم على يد قناص أسود، وهو ما سيقابله المزيد من ردة الفعل عند الطرف الآخر “السود”، التي لم تعد تقتصر على المظاهرات السلمية العفوية على ما يبدو، بل تحولت إلى مظاهرات واحتجاجات منظمة ومتزامنة بآن واحد في أكثر من خمس ولايات أمريكية ولليوم الخامس على التوالي، بل ويُستخدم فيها السلاح والرصاص الحي في بلد يجيز فيه دستورها بحمل السلاح في 44 ولاية .
وإذا ما أضفنا إلى ما سبق حملات الاعتقال المحمومة التي تقوم بها الشرطة الأمريكية ضد المتظاهرين والمحتجين السود، حيث أفادت وسائل إعلام أميركية باعتقال مئات من المحتجين في المظاهرات التي تشهدها العديد من المدن والولايات الأميركية منذ أيام، والذي دفع منظمة العفو الدولية إلى دعوة السلطات الأمريكية إلى حماية حق التظاهر ضد استخدام الشرطة للعنف والعنصرية …
فإن الإجابة على سؤال التقرير يبدو أكثر صعوبة، فلا أحد يمكنه أن يعرف على وجه الدقة مآلات وتداعيات استمرار العنصرية وتفاقمها في أمريكا ضد السود، فجميع الاحتمالات مفتوحة، بما فيها الحرب العرقية .
د. زياد الشامي