قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}37.
كلمة «فِيهَا آيَةً» تشكل في الفهم لأنها هي الآية نفسها.
قال صاحب المحرر الوجيز: المعنى: وَتَرَكْنا في القرية المذكورة، وهي سدوم أثرا من العذاب باقيا مؤرخا لا يفنى ذكره فهو: آيَةً أي علامة على قدرة الله وانتقامه من الكفرة.
ويحتمل أن يكون. والمعنى: وَتَرَكْنا في أمرها كما قال: “لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ” [يوسف: 7]. وقال ابن جريج: ترك فيها حجرا منضودا كثيرا جدا.
قال الطبري: وقوله: (وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم) يقول: وتركنا في هذه القرية التي أخرجنا من كان فيها من المؤمنين آية، وقال جل ثناؤه: (وتركنا فيها آية) والمعنى: وتركناها آية لأنها التي ائتفكت بأهلها، فهي الآية، وذلك كقول القائل: ترى في هذا الشيء عبرة وآية، ومعناها: هذا الشيء آية وعبرة، كما قال جل ثناؤه: (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين). وهم كانوا الآيات وفعلهم، ويعني بالآية: العظة والعبرة، للذين يخافون عذاب الله الأليم في الآخرة.
قوله تعالى: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ}59.
كلمة «ذَنُوباً» تفهم على غير وجهها.
قال الطبري: ذنوبا، وهي الدلو العظيمة، وهو السجل أيضا إذا ملئت أو قاربت الملء، وإنما أريد بالذنوب في هذا الموضع: الحظ والنصيب.
ومعنى الكلام: فإن للذين ظلموا من عذاب الله نصيبا وحظا نازلا بهم، مثل نصيب أصحابهم الذين مضوا من قبلهم من الأمم، على منهاجهم من العذاب، فلا يستعجلون به.
قال البغوي: {فإن للذين ظلموا}، كفروا من أهل مكة، {ذنوبا}، نصيبا من العذاب {مثل ذنوب أصحابهم}، مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا من قوم نوح وعاد وثمود، وأصل “الذنوب” في اللغة: الدلو العظيمة المملوءة ماء، ثم استعمل في الحظ والنصيب.
قال ابن الأعرابي: يقال يوم ذنوب أي طويل الشر لا ينقضي. وأصل الذنوب في اللغة الدلو العظيمة، وكانوا يستقون الماء فيقسمون ذلك على الأنصباء فقيل للذنوب نصيب.
قال بن عاشور: والذنوب بفتح الذال: الدلو العظيمة يستقي بها السقاة على القليب كما ورد في حديث الرؤيا «ثم أخذها أبو بكر ففزع ذنوبا أو ذنوبين» ولا تسمى ذنوبا إلا إذا كانت ملآى.
والكلام تمثيل لهيئة تساوي حظ الذين ظلموا من العرب بحظوظ الذين ظلموا من الأمم السالفة بهيئة الذين يستقون من قليب واحد إذ يتساوون في أنصبائهم من الماء، وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس.
قال الشنقيطي: أصل الذنوب في لغة العرب الدلو، وعادة العرب أنهم يقتسمون ماء الآبار والقلب بالدلو، فيأخذ هذا منه ملء دلو، ويأخذ الآخر كذلك، ومن هنا أطلقوا اسم الذنوب التي هي الدلو على النصيب.
ومعنى الآية الكريمة: فإن للذين ظلموا بتكذيب النبي -صلى الله عليه وسلم-ذنوبا، أي نصيبا من عذاب الله مثل ذنوب أصحابهم من الأمم الماضية من العذاب لما كذبوا رسلهم.