لقد حرم الإسلام التمييز بين الأطفال في المعاملة وحارب العادات التي كانت سائدة ومازالت إلى يومنا هذا، كون الذكر أفضل من الأنثى، حيث قال سبحانه وتعالى:
– “وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم” النحل 58.
– “استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير، فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور” الشورى 47-48.
لا يمكن بعد كل هذا أن يقول أحد: إن الإسلام أهان المرأة غير آبه بكل ما سلف وغيره، متشبثا بحجتين واهيتين: الإرث، والتعدد.
إن المرأة في الإسلام أخت الرجل، يقول سبحانه:
– “إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون” [الحجرات 10].
– “وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم” التوبة 72.
ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن النساء شقائق الرجال »1.
فيما يخص مسألة الإرث،الذين يقولون: الإسلام لم ينصف المرأة، وقفوا عند قوله تعالى: “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين” وتجاهلوا باقي الآية: “فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما” [النساء11].
لقد أنصف الإسلام المرأة في الإرث ولم يبخسها حقها، بل أحسن إليها. يتضح ذلك جليا إذا نظرنا إلى إرث المرأة ونصيبها في الإسلام من زوايا عدة:
1- الديانات السابقة منعت البنت من الإرث عند وجود أخ لها.
2- القوانين الوضعية قبل الإسلام حرمتها من الإرث، وهو ما يطبقه بعض الناس ليومنا هذا.
3- المرأة في الإسلام ترث أقل من الرجل في حالات محدودة، وليس دائما. (33.13 بالمئة) وترث أكثر منه في بعض الحالات، وهناك حالات ترث وهولا يرث.
4- المرأة في الإسلام لا تجب عليها نفقة ولا يجب عليها الخروج إلى العمل مادام لها ولي؛ لأن نفقتها عليه، وإذا كانت متزوجة فنفقتها على زوجها حتى لو كان لها مال، ولا حق له فيه إلا بكامل رضاها. إذا ورث رجل وامرأة أباهما وكانا متزوجين، فالمرأة تدخر نصيبها كاملا ولا تنفق منه شيئا، بينما الرجل يتحمل النفقة عليها وعلى أصوله وفروعه، لذا يجب علينا أن ننظر إلى الإسلام في شموليته ولا ننظر إلى جزئية منفصلة.
5- الرجل يدفع المهر للمرأة وهي حرة التصرف فيه.
أما الذين يحاربون التعدد فعليهم أن لا يغفلوا النقط التالية:
1- التعدد مباح وليس واجبا.
2- التعدد مشروط بالعدل بين الزوجات في المعاملة والواجبات والحقوق، أما بعض الميل العاطفي فجائز شرعا، قال تعالى: “وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا” النساء 128.
3- فرض الإسلام الجهاد على الرجال ولم يفرضه على النساء، فيستشهد العدد الكبير منهم، ويصير عدد النساء في المجتمعأكبر من عدد الرجال، وتكثر الأرامل، فكيف نعالج هذه المشكلة؟
4- إذا قلنا:إن التعدد فيه ظلم للمرأة، فماذا عن الزوجة الثانية…؟ أليست امرأة؟ هل ظلمها الإسلام أم أحسن إليها؟ أليس من حقها أن يكون لها زوج وأبناء؟
5- كيف نعالج مشكلة العنوسة التي نسبتها في ازدياد، مما يؤدي إلى انتشار الفاحشة وتخريب المجتمعات؟
6- قد تكون الزوجة عاقرا، فأيهما أحسن لها، أن تبقى تحت ظل زوج يحميها أم يطلقها ويتزوج أخرى؟
7- التعدد استثناء وليس عموما.
8- هل تفضل المرأة أن يكون لزوجها زوجة أخرى تعرفها وربما تعيش معها تحت سقف واحد في جو من الأخوة والتعاون -عندما تكون القلوب ممتلئة إيمانا- أم تكون له عشيقات؟ فما وصلنا إلى ما نحن فيه إلا والخيانة من بين أسبابه؛ لأن الذي يخون زوجه يهمل واجباته الأسرية فتكون النتيجة ضياع الأبناء وانحرافهم وعدم احترامهم لآبائهم: غالبا عندمايحدث شجار بين الزوجين يكشف المستور للأبناء مما يسبب صدمة نفسية قوية لهم يسقط على إثرها النموذج القدوة إلى أسفل الجحيم، مما يكون له نتائج خطيرة.لأن القدوة أهم وسيلة للتربية، فماذا عندما تشوه؟ سيصبحون في حيرة، وتنعدم ثقتهم في أقرب الناس إليهم.
ذات مرة قلت لتلميذة ناصحا إياها: إن والدك (باباك) يوفر لك ما تحتاجينه وهو مستعد أن يرسلك حيث تشائين لإتمام دراستك، قالت لي: لا تقل لي (باباك) ولكن قل لي الوحش! الحيوان! ذلك لأنها تعرف الكثير من أسراره. كما أننا نقرأ من وقت لآخر ما تنشره بعض الصحف والمجلات، وتذيعه بعض الفضائيات من فضائح لمسؤولين كبار، من بينهم رؤساء دول كبرى تورطوا في هذا المستنقع. فأيهما أفضل التعدد أم الخيانة؟ صدق الله العظيم القائل:
“لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم” البقرة 256.
أليس الله بأعلم بخلقه من سواه؟
من جهة أخرى عندما تسود الأخوة والمحبة بين أفراد المجتمع المؤمن يصبحون كالجسد الواحد، وتزول هذه الحسابات التافهة التي لا وجود لها بين أفراد الأسرة المِؤمنة، ولم يكن لها وجود؛ لأننا لم نقرأ في كتب التاريخ أن امرأة مسلمة قالت: الإسلام ظلم المرأة في عصر الصحابة ومن بعدهم، بل كل ذلك من نتاج مخيلات أعداء الإنسانية.
قد يقول قائل: الكثير من الأسر شردت عندما تزوج الرجل امرأة أخرى، أقول له: عكس ذلك أيضا موجود، المشكل ليس في التعدد وإنما في الأشخاص الذين يطبقون من الدين ما يشاءون ولا يلتزمون بتعاليمه ومبادئه الأساسية؛ لأن التعدد مشروط بالعدل بين الزوجات.
ليس من حق أحد أن يحاكم الإسلام من خلال أخطاء يرتكبها من ينتسبون إليهوهم بعيدون كل البعد عن قيمه وتعاليمه. أما الأسرة المؤمنة حق الإيمان فتجد نساءها من أسعد النساء على الأرض؛ لأن المسلم الحقيقي يعمل كل ما في وسعه لينال رضى والديه ويسعد زوجته وكل المحيطين به، كي يحظىبإعجابهم واحترامهم وينال رضى خالقه.
لقد أوجب الله علينا العدل بين الناس وحرم علينا الظلم ورغبنا في الإحسان إلى الخلق كافة، فأولى بذلك أقرب الناس إلى المؤمن: الأم، الأب، الزوجة، الأخ، الأخت، الأبناء،…فهم رحمه وأهله، وإذا كان مطلوبا منه أن يبذل ما في وسعه لإسعاد الناس، فهؤلاء أولى! وبالتالي يجب عليه برهم وصلتهم. قال صلى الله عليه وسلم:« لا يدخل الجنة قاطع »2.
…………………………………………………….
1 – سنن الترمذي، كتاب الطهارة، باب فيمن استيقظ فيرى بللا… (113)، حسنه ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح، 233/1، وصححه الألباني في صحيح الجامعالصغير 1985.
2 – صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب إثم القاطع (5984).