نتابع فيما يلي قراءة ما جاء في التقارير العسكرية حول “غزو المغرب”، كما وصفه “سان لوشابيل”، و”إفريقيا الفرنسية 1913”:
“أمن الطرق المؤدية لمحطات الاستراحة حيث القصبات السلطانية أو ما يماثلها من منشآت تأمين السالكين من المسافرين والتجار والقوافل العسكرية غير ثابت ولا مستقر على حال، مما يستوجب معه بعث كولون متحرك لمطاردة قطاع الطرق وتأمين المواصلات.
الكولون المرؤوس من قبل الكولونيل بلوندلا الذي سبق الحديث عنه بتفصيل في عمليات ازعير في شهر شتنبر 1912، والذي توجه لتيدرت في نواحي الرباط يوم 3 دجنبر 1912، ثم عسكر في لمعازيز لمراقبة الناحية، حيث خاض معركة يوم 6 منه ضد العصاة الذين تشتتوا بعدما خسرنا في مواجهتهم قتيلا وستة جرحى.
مواجهة جديدة أخرى تمت معهم في 16 منه على بعد 20 كلم من لمعازيز على واد سيدي دارب خسرنا فيها ثلاثة جرحى.
في الضويات على بعد 20 كلم من فاس قبائل موالية من حميان هوجمت دواويرهم من قبل فريق من بني امطير فأبعدوا عنها، مما استوجب معه إنشاء مركز حراسة في ضاية كيتشاني لحماية سهل سايس.
الكولونيل روص قام بقيادة مفرزة من الجند لمهاجمة تجمع معادي لنا أخبر بتواجده جنوب قصبة عروب، وقد تم مهاجمتها ليلة 11 و12 دجنبر من قبل بني امطير الثائرين، فتم ردهم وملاحقتهم من غير أن تلحق بنا أضرار.
يوم 14 يناير 1913 تجمُّع من بني امطير هوجم من قبل بني اكيلد على بعد 6 كلم من مركز اكوراي نحو سيدي محمد بن عمر، فبعث بمفرزة لإنقاذ بني امطير، فهوجمت بشراشة من قبل حركة تم دحرها وإرجاعها بعد ما تكبدت خسائر هامة، وقد فقدنا في هذه المواجهة ثلاثة قتلى بينهم ضابط و13 جريحا.
يوم 16 فخذة هامة من ايت بوكرون وبني امطير الخاضعة التي قامت بالتخلي عن التزاماتها وارتدت في عملية 14، أقامت في عين معروف على بعد 12 كلم من أكوراي.
الكومندار لبوريير خرج من هذا المركز بعد انتهائه من منع رهان تحركات القبائل المجاورة، حيث قام بمنازلتهم بالاتفاق مع حامية الحاجب.
الأعداء أنذروا بمغادرة عين معروف، وعند عودة الكومندار التقى قرب ضريح مولاي رشيد قوة هامة من الثوار من آيت بوكرون وبني امكيلد الذين حاولوا قطع الطريق عليه، فدارت بين الفريقين معركة كبيرة دامية (يوم 18) لمدة أربع ساعات، شاركت فيها المدفعية التي أرغمت الأعداء على الرجوع من حيث أتوا تاركين عدة قتلى في الميدان، وقتل لنا ضابط صف واصبايحيان وجرح ضابطان وعشرة جنود.
الكولونيل لابوردريي تمركز في عين معروف، وقد تلقى إمدادا يتكون من سبعة أفواج وكوكبتين من الفرسان وفصيلة جبال ليراقب الناحية بالتنسيق مع مفرزة ليوطنا كولونيل نيلتني من قناصة الألب الذين قدموا من الحاجب لاحتلال قصبة عروب، هذا الكولون البوليسي متصل بمركز أكوراي لمحاصرة الثوار.
يوم 22 يناير ليوطنا كولونيل نيلتني نجح في استمالة بني امكيلد إليه بتصنعه الانصراف نحو الحاجب، فتبعوه لكنهم وقعوا في الفخ الذي نصبه لهم، فأبيدوا بنيران المدفعية، وفر الباقي من غير أن يتمكنوا من نقل موتاهم، وتكبدنا نحن ثلاثة قتلى و10جرحى.
يوم 25 غادر الكولونيل ربيي مكناس لمباغتة حركة من النهاب متجهة نحو عين معروف، فأوقع بهم هزيمة كبيرة وقتل له أربعة جنود و17 جريحا بينهم ضابطان.
الروكي
الروكي مولاي الحسن الذي لم يعثر له على أثر منذ أن هزم أمام الجنرال كورو يومي 14 و17 غشت 1912، وهروبه للمنطقة الإسبانية، ظهر مجددا في يوم 6 نونبر 1913 عند ايت يوسي مع مئات من أنصاره، وفي أواخر دجنبر 1912 رُصد في مسدرى الجورا على بعد 10 كلم جنوب شرق صفرو يعد لحركة لمعاقبة القبائل الخاضعة لنا.
الكومندار ميشو خرج من فاس يوم 26 دجنبر مع فيلق وكوكبتين من الفرسان وفصيلة جبال للاستقرار في قصبة عين الصفا لمراقبة تحركات مولاي الحسن هذا” (ص:172 “غزو المغرب” الكولونيل “سانت شابيل”).
الجنوب
في ناحية الجنوب خاصة حول موكادور التي دارت بها الحوادث المهمة في الشهر الأخير.
في الحوز الوضعية حاليا مستقرة، السلطان وصل مراكش عاصمة الجنوب يوم 13 دجنبر 1912 محاطا بفرسان القبائل في مظهر حماسي شعبي بالغ الاحترام، الذي لم ينقطع منذ أن وصل العاهل المغربي للمدينة، أما حولها فقد قامت مفرزة من البوليس بالتوجه في منتصف شهر دجنبر لتسوية بعض الأوضاع المحلية، حيث قامت بعملية عسكرية في اولاد ادليم لغاية 16 دجنبر كللت بالنجاح، وتوجهت بعدها غربا من أجل تفقد حدود دكالة والعودة عبر طريق مزكان.
أما عن جديد سوس فقد علم في 10 دجنبر أن لكلاوي أعلن تأليف حركة ضد الهبة قامت بعدة عمليات أدت لتقهقره مع أنصاره وتراجعه عن المواقع التي كان متمركزا بها، وذلك منذ المعركة الأولى التي تمت بين المتحاربين مما جعل مقام الهبة مؤقتا حيث كان.
أما العملية الثانية التي تمت في أمسكرود فإنها لم تترك للأعداء فرصة كي يظهروا من جديد على مرتفعات هذا الفج.
من المعلوم أن ابن مولاي رشيد قاد حركة ثالثة لاعتراض غزو جنوب الأطلس على بعد مسيرة يومين من موكادور، لكنه سقط مريضا وكلف بالقيادة نيابة عنه أنافلوس، الذي لم يرْقَ لمستواه عندما حاول كسب أنصار جدد مهمين لتجديد نشاطه المعادي لنا في إدا وكلول، حيث لوحظ انتكاسة للمعادين فيها نتيجة الخوف من التهديدات الموجهة لحركة القايد أنافلوس؛ ومن أجل تعميق ذلك الشعور لإحداث مزيد من الانقسام في صفوف الأعداء، أمر قائد ناحية مراكش الكومندار ماسوتيي بالزحف يوم 15 دجنبر على بعد 35 كلم جنوب موكادور في سوق الحد اسميمو.
في الغد قام أنافلوس فجأة بالتوجه لإيدا وكلول لمباغتتنا مما أدى لفرار رجال ماسوتيي أمامه البالغ عددهم 400 جندي ليتخندقوا في دار ولد الحاج علي القاضي، حيث قام رجال أنفلوس بمحاصرتهم داخلها، عندما تم إبلاغ الرباط بالعملية أرسلت الإقامة العامة إمدادات عبر البحر لموكادور على وجه السرعة، مكونة من سبعة أفواج وبطاريتين وكوكبة فرسان من مصلحة المؤخرة بقيادة الجنرال برولارد.
بقي الأعداء محاصرين قوات ماسوتيي التي أصبحت مقطوعة عن العالم الخارجي، تدبر أمرها وتدافع عن نفسها بما معها من وسائل وعتاد، وقد بقي فك الحصار من مهام القوات المبعوثة التي عاق نزولها تقلبات البحر لمدة أيام وصفت بالأليمة بالنسبة للمحاصرين الذين كانت ذخيرتهم ومؤونتهم في تناقص دائم، وقد أدى سقوط أمطار قوية يوم 21 دجنبر لتخفيف حاجة المحاصرين للماء المتناقص لديهم، وذلك في اليوم الأول الذي تمكنت فيه من النزول أولى الدفعات من جنود الدعم في ميناء موكادور، وبقيت الأربعة أفواج من الجنود الألبية عالقة في البحر لعدم جاهزيتها للنزول للانخراط في العمليات الحربية ببلاد غاية في الصعوبة.
لقد كان عليهم إنزال المعدات والوحدات المكلفة بالتعرف على الميدان ووضعية المحاصرين ونوعية الأعداء وكيفية تهيئ الإمدادات لهم، بيد أن نيران الأعداء منعتهم من القيام بكل ذلك زيادة على النزول في الشاطئ والتحليق في الجو فوق مكان المحاصرين والأعداء مستفيدين من الجو السيء غير المواتي، الأمر الذي استوجب إرسال قوات أخرى لموكادور مكونة من ستة أفواج وبطارية ونصف فصيلة من قوات الكولونيل ريف المرابطة بمراكش للمساعدة على إنزال القوات العالقة في البحر قبالة موكادور.
يوم 24 دجنبر تم نزول آخر الجنود بالميناء والتحرك نحو الجنوب حيث المحاصرين بدار القاضي فواجهتهم المجمعات المعادية الأولى على بعد بضع كلومترات من المدينة، حيث دارت عدة معارك متواصلة مدعومة من مدافع البارجة شايلا، وفي نفس المساء تم تخليص مفرزة ماسوتيي التي خسرت ضابطا للاستعلامات قتل في المعركة قبل التخندق بدار القاضي.
كولون برولارد الذي سار جنوده كتفا لكتف في بلاد وعرة كثيرة الأحراش مقطوعة المسالك، خسر 20 قتيلا و40 جريحا في المعارك التي خاضها لتحرير المحاصرين بدار القاضي وكلهم من الفوج الألبي. (ص:21؛ “إفريقيا الفرنسية 1913”).