سلسلة شرح أسماء الله الحسنى اسم الله تعالى البصير ناصر عبد الغفور

التعبد باسم الله البصير: من أعظم آثار الإيمان بأسماء الله تعالى أن يتعبد العبد ربه بها فذاك من أجل القربات وأفضل الطاعات بل هو أسها ولبها، يقول صاحب كتاب النصر والتمكين:

“إن التعبد لله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا من أسمى وأعظم العبادات التي يتعبد بها العبد لربه وخالقه ومولاه، ومن أشرفها وأحبها إلى الله تعالى، وذلك لأنها تتعلق بذات الله تعالى وأسمائه وصفاته، …وأما عن التعبد لله تعالى بهذه الأسماء الحسنى وتلك الصفات الحميدة فإنه مطلب عقدي إيماني، فإن جميع العبادات التي يتعبد بها العبد لربه سبحانه وتعالى ترجع إلى مقتضى الأسماء والصفات وأنها نابعة من علم العبد بأسماء الله وصفاته…”([1]).

والتعبد لله تعالى باسمه البصير أن نعلم أنه جل جلاله يرانا ويرى أعمالنا لا تخفى عنه خافية سبحانه، يرانا في السر والعلن، في السفر والحضر، وهذا يجب أن يورث العبد مراقبته سبحانه في الحركات والسكنات، في أعمال الجوارح بل حتى في أعمال القلوب والخطرات. فلا يأتي محرما ولا يرائي في عمل ولا يكن حسدا على إخوانه أوغلا… “ومن علم أن ربه مطلع عليه استحى أن يراه على معصية أو فيما لا يحب. ومن علم أنه يراه أحسن عمله وعابدته وأخلص فيها لربه وخشع.”([2]).

ولنستحضر دائما قول جبريل عليه السلام في تفسير أعلى مرتبة من مراتب الدين وهي الإحسان: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”-رواه مسلم-.

يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه لهذه الحديث: “هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم، لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها، إلا أتى به فقال صلى الله عليه وسلم أعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان، فإن التتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه، فلا يقدم العبد على تقصير في هذا الحال للاطلاع عليه، وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد، فينبغي أن يعمل بمقتضاه فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى في اتمام الخشوع والخضوع وغير ذلك، وقد ندب أهل الحقائق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من تلبسه بشيء من النقائص، احتراما لهم واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله تعالى مطلعا عليه في سره وعلانيته” شرح مسلم:1/157-158.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: “فلكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها، أعني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها، وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح، فعلم العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة يثمر له عبودية التوكل عليه باطنا، ولوازم التوكل وثمراته ظاهرا، وعلمه بسمعه تعالى وبصره وعلمه، وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وأنه يعلم السر وأخفى ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل مالا يرضى الله، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه فيثمر له ذلك الحياء باطنا ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح”([3]).

———————————
(10) النصر والتمكين هبة العزيز الحكيم، سيد سعيد عبد الغني:12.
 (11) النهج الأسمى:166.
([3]) مفتاح دار السعادة:2/90.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *