لا غرو أن نجد الدين الإسلامي يحث على تعلم اللغات ودراستها والإحاطة بقواعدها…ولقد شهدت الدول الإسلامية بتعاقبها تشجيعا على ذلك، حتى تستطيع أن تربط علاقات مع الدول المختلفة.
استمدادا من القرآن الكريم الذي نبه إلى الاهتمام بلغات الآخرين، قال تعالى في سورة الروم: “ومن آيته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين”سورة الروم. كما نجد الآثار توجهنا إلى تعلم اللغات، ومن ذلك “من تعلم لغة قوم أمن مكرهم”.
وإذا كانت اللغة الفرنسية هي من اللغات المدرسة بالمغرب، فإنه يجدر بنا أن نعطي لذلك اهتماما سواء على مستوى تدريسها أو على مستوى تعلمها، لاسيما ونحن نعلم أن الفئات المستهدفة خصوصا، والأطر والجهات المسؤولة عموما، أصبحت تعاني من ضعف المخرجات على مستوى هذه اللغة، وقبل أن نستعرض بعض المشاكل والعراقيل التي تحول دون تحصيل الجودة المبتغاة، لا بأس أن نعرج على تاريخ تدريس هذه اللغة في عجالة.
تاريخ تدريس اللغة الفرنسية:
لقد تجدرت اللغة الفرنسية في المغرب على المستوى الثقافي منذ سنة 1912م أي مع بداية دخول الاستعمار بذريعة الحماية، وكانت هذه اللغة آنذاك لا تعدو أن يتعلمها أشخاص من أصحاب النفوذ، والذين يتواصلون مع المستعمر لأجل تقديم خدمات لهذا الأخير، تحت طائلة الضغط والإكراه في غالب الأحيان، ثم ما لبثت أن فرض تعليمها للنشء المغربي، بل صارت المواد المدرسة تترجم إلى هذه اللغة وتدرس بها.
ومن تم صارت اللغة الفرنسية هي المهيمنة ولذلك جاءت المطالبة بالتعريب في مرحلة الاستقلال.
أهداف تدريس اللغة الفرنسية:
في الحقيقة إن أهداف تدريس هذه اللغة يمكن تقسيمها إلى قسمين، أهداف ذات علاقة بالمستعمر وهي الأهداف الأولى التي رسمها الاستعمار وهي كثيرة لكن من أهمها، تسهيل التواصل مع المغاربة للاطلاع على ثقافتهم ومبادئهم، وكذا ترسيخها في النفوس بغية تكوين دولة تابعة للحكم الفرنسي. ولذلك جاءت التعليمات الرسمية للمستعمر بضرورة تعلم اللغة الفرنسية كلغة ثانية تمهيدا لجعلها لغة رسمية.
أما من ناحية الهدف المتعلق بالمغاربة بعد الاستعمار، فكان هو محاولة التعايش مع هذه اللغة حيث صار كثير من الأطر يتحدثون بها نظرا لتكوينهم إما داخل البلاد أو بفرنسا، ومن ثم كانت التعليمات الرسمية لـ1962م واضحة، وقد صدر تشريع مغربي خاص بهذه السنة وما بعدها، بتدريس هذه اللغة فجاء نص منه يقول: “إن اللغة الفرنسية التي طالما اعتبرت لغة الثقافة في المدارس الابتدائية المغربية، سوف تدرس من الآن فصاعدا باعتبارها لغة أجنبية أولى لأنها وسيلة للاحتكاك بالحضارة الفرنسية…”
إذن، كان الأمر محسوما على مستوى تعلم هذه اللغة، الشيء الذي احتاج إلى إيجاد أطر ذات كفاءة عالية، ونشير هنا إلى أن الرعيل الأول كان تفاعلهم مع هذه اللغة إيجابيا مما أسفر على وجود أشخاص استوعبوا هذه اللغة وتحدثوا بها بطلاقة، تماما كما كان يتحدث بها المستعمر، وهذا راجع إلى جودة التكوين الذي تلقته الأطر المغربية من طرف الفرنسيين.
أضف إلى ذلك الاحتكاك الذي كان يفرض نفسه بين المغاربة والمستعمر، ومنه نخلص إلى أن رداءة المخرجات الآن على مستوى التعلم راجع بطريقة أو بأخرى إلى عدم احتكاك المتعلم مع بيئة يسري فيها الحديث والتواصل بهذه اللغة.
على مستوى التدريس:
نقصد تدريس اللغة الفرنسية حاليا بالمؤسسات التعليمية المغربية وخصوصا العمومية منها، حيث نجد أن الأطر في الغالب الأعم لا يعيرون اهتماما للتكوين البيداغوجي لتعليم هذه اللغة، مع العلم أن مدرس اللغة الفرنسية يوجب عليه أن يكون أكثر إلماما بما يليق للفئة المستهدفة، لأن هذه اللغة أجنبية، إضافة إلى كونها تدرس في المستوى الابتدائي، وقد نرمي باللائمة أصالة على مناهج اللغة الفرنسية ومقرراتها بالدرجة الأولى، وباستحضار المقاربة بالكفايات ينبغي الرجوع إلى حيثيات كثيرة لتجعل صلب التعلم، هو المهارة والفهم والقدرة على الخطاب باللغة الفرنسية، قبل الدخول في غياهب القواعد الكثيرة، إذ إن المطلوب هو تنمية ملكة استخدام اللغة عند التلميذ بيسر وصحة، وذلك بمنحه أكبر قدر ممكن من المفردات والبنيات الأساسية اللغوية.
وإطلالة واحدة تكفي للحكم على أن المناهج المتعلقة بهذه المادة ينبغي أن يعاد في بنودها النظر، إذ كيف يعقل أن يتعلم التلميذ ويستوعب جملة كبيرة من قواعد اللغة الفرنسية وهو بمستوى الابتدائي؟ مع العلم أن مكونات التجريد العقلية لا زالت لم تنضج بعد عند هذه الفئة، خصوصا ونحن نعلم أن القراءة وتعلم الكلمات والمترادفات لخلق بنك ورصيد لغوي… أولى من تعلم القواعد الجوفاء التي لا تزيد تلميذ الابتدائي إلا نفورا من المادة.
ولك أن تسأل التاريخ على المستوى اللغوي، أيهما يسبق تعلم المفردات والكلمات…أم تعلم قواعدها؟
أضف إلى هذا، صعوبة المصطلحات، والكلمات والأسماء التي تتخلل النصوص المدرسة، في حين كان يجدر بلجنة التأليف صياغة نصوص بلغة سهلة في متناول فهم التلميذ مع اعتبار وسط المتعلم وسنه وثقافة بلده، إذا لا يعقل أن نسوق له حكايات عن الثقافة الشعبية الفرنسية مثلا، ونتجاوز ما هو مغربي صرف.
فمثلا في مقرر اللغة الفرنسية، لمستوى السنة الخامسة ابتدائي، نجد الكتاب يحتوي على كلمات صعبة، من قبيل confisqué،échangions،paisibles…ومن الأسماء ،Refus،Joachim، Alceste … وهذه أمثلة قليلة فقط وإلا فهناك الكثير من الكلمات التي ينبغي أن توجد لها مرادفات سهلة تستوعبها قدرات التلميذ.
كما أن تدريس هذه اللغة بالترجمة الحرفية يزيد الأمر تعقيدا، وإن كان الأمر يحبذه المتعلمون، وقصور الفهم ذاك، ناتج عن الداء الذي أسلفنا ذكره، وهو عدم إشاعة اللغة ولياكتها بالألسن للتدريب على استعمالها، وأما ضبط القواعد فإنها تأتي في الدرجة الثانية، عندما يصير المتعلم قادرا على التجريد وتنزيل القواعد.
على مستوى التعلم:
ــ إن تمثلات المتعلمين التي تفيد بأن اللغة الفرنسية لغة دخيلة، وهي لغة من قتل أجدادنا وسلب خيراتنا، وهذا التمثل ينبغي أن يحذف بمعية المدرس طبعا، حيث علمنا مسبقا أن تعلم اللغات هو أمر أكد عليه الإسلام ودعا إليه بغض النظر عن فعل صاحب اللغة.
ــ التلميذ المغربي تلميذ ذكي في غالب الأحيان، لأنه يعلم مسبقا أن اللغة الفرنسية لا علاقة لها بواقعه المعاش وخصوصا في البوادي، وبالتالي فهو لا يولي لها اهتماما بالغا، ومن ثم ينبغي الحث على وظيفية هذه اللغة، وهو أمر ينبغي طرحه وبقوة، مع خلق وضعيات تجعل المتعلم يرى ضرورة تعلمها.
وإذا كنا بهذه الأسطر القليلة الناتجة عن تجربة حقيقية، نلفت الانتباه فقط، فإن الانتباه ينبغي أن يوجه أكثر إلى مخرجات التعليم الأصيل، والعتيق والتعليم الجامعي أيضا.
لقد عايشنا واقع المتعلمين على المستوى الجامعي، والقادمين من التوجهات السابقة، إذ إن واقع الطالب مزري ومخجل، على مستوى تعلم اللغة الفرنسية، هذه اللغة التي أصبح تعلمها حتما تفرضه الحياة على جميع الأصعدة، وذلك الضعف في التحصيل ناتج عن العبث، والتساهل والفوضى، التي تتميز بها مناهج هذه الأسلاك، ولذا ينبغي تدارك الأمر وطرح السؤال، لماذا مستوى المخرجات والمردودية، ضعيف لذا المتعلمين؟؟؟
ومنه قد نطرح أسئلة ذات صلة لماذا ندرس المواد العلمية باللغة العربية وفي المستوى الجامعي ندرسها بالفرنسية، ولك في شعبة علوم الحياة والأرض والفيزياء.. أغنى مثال. حيث يصطدم الطالب ضعيف التكوين ب”جحيم اللغة الفرنسية”.
فيلزم أن ندرس تلك المواد منذ المستوى الابتدائي بلغة واحدة، دون إيقاع الطالب المغربي في مطبات تبيد طموحه وتطلعاته، ومرة أخرى، نحن بهذه الأسطر حاولنا أن نثير انتباه المسؤولين -إن صادفتهم هذه الإشارات- وأهل القرار إلى ضرورة تدارك الأمر، وإلا فإن نقاط المشكلة كثيرة ويصعب حصرها في مجرد مقال.