هزيمة كلون تادلا المدوية (2/2) ذ. إدريس كرم

 

 

 

في الحلقة السابقة استعرضنا الصعوبات التي واجهت كلون غزو تادلا والخسائر التي تعرض لها، مما جعل الجمعية الفرنسية تعقد جلسة لمناقشة ذلك؛ وفي هذه الحلقة نقدم الجزء الثاني من تقرير أحد قادة ذلك الكلون.

مسألة تادلا

فكروا في ماذا سنفعل في تادلا؟

السؤال لم يطرح، لقد نتج عن نكبة لم يكن لنا يد في تسلسلها، انطلقت مباشرة من تواجدنا في واد زم، هل كان تواجدا خاطئا؟ لا بالتأكيد، لأن شريف بجعد كان قد أحضر لنا ساكنة تادلا الشمالية، بني خيران السماعلة ورديغة من أجل إقامة مركز لحمايتهم، وفي نفس الوقت لا يكون بعيدا عن بجعد حيث يقيم الشريف لضمان أمنه وحماية من معه.

زد على ذلك تواجد محطات الشتاء للتدلاويين بالضفة اليسرى والشلوح الذين يأتون لسهل تادلا بقطعانهم ويقومون بالدفاع عنها بشكل طبيعي ضد كل المهاجمين، كما لا ننسى أن التادلاويين والشلوح كوّنوا حركة ضخمة سنة 1912 على الضفة اليمنى لمهاجمة الجماعات الخاضعة لنا في لبروج وأولاد فارس في بن احمد مهددة سطات والدار البيضاء.

كان لا بد من مهاجمة واد زم، ليس لأنه مركز تحول وانتقال، ولكنه مركز إمداد وتزويد من الشاوية لكل الحركات المارة منه، والنقطة الحساسة القريبة منه هي قصبة تادلة التي يجب ضربها ومهاجمتها باعتبارها المركز السياسي والاقتصادي لتادلا، فهي مخزن ضخم للحبوب وسوق كبير لها، والنقطة الوحيدة التي توجد بها قنطرة لعبور واد أم الربيع المنيع الاجتياز لسرعة جريانه وغزارة مائه ومِهواته، والتي يتنقل عبر المشارع فيه ما بين 200.000 و300.000 رأس من الغنم والخيول والأبقار في السنة بين الضفة اليسرى المنتجة للحبوب والضفة اليمنى الخاصة بالرعي.

في الشتاء جميع أيت ربوعا وبني موسى وبني اعمير والشلوح يتنقلون للضفة اليمنى بقطعانهم وفي الصيف بعد يباس ربيعه تعود القطعان للجبل.

قصبة تادلا تتحكم في القنطرة المجاز، مما يجعلها تمتلك المنطقة، فلا بد من الذهاب لها، وبما أن تلك القبائل لها مصالح مترابطة في الناحية بما فيهم ساكنة الجبال الذين يمتلكون بالسهل مخازن الغلال زيادة على الرعي وأماكن الإقامة فإنهم لن يتخلوا عن قتال من يحاول الاستيلاء على المنطقة وسيدعمون قصبة تادلا فيما إذا تم مهاجمتها، والرد عليهم سيتطلب الزحف نحوهم راجلين مما يطرح تأمين الخاضعين لسلطتنا والتأكد من أنهم لن ينقلبوا علينا إذا ما أحسوا بارتخاء قبضتنا عليهم، كما أن منعهم من تنقل قطعانهم للجبل سيجعلهم متضررين من تواجدنا وإحساسهم بضعفنا عن حماية مصالحهم، لذلك وجب مهاجمة الشلوح في الجبال الذين أغلقوا منافذها في وجه قطعان سكان شمال وجنوب تادلا كما سلف القول، وعليه لا بد من إخضاعهم لقانوننا بالاستيلاء على الجبل لأن الذي يستولي على الجبل يستطيع الاستيلاء على السهل كما يقال.

 فكيف سيتم ذلك الاقتحام؟

الطريقة المثلى لإسقاط الأطلس المواجه لتادلا باقتحام ابزو نظرا لاتساع واد العبيد الذي سيمكننا تباعا من مؤخرة مقاومي بني ملال وأيت الطالب وغيرهما؛ ستقوم فرق الكلون بهجوم قوي صاعد من واد العبيد نحو الجبل بشكل متفرق لكن متكاثف، كل فرقة تساعد الأخرى وتتزود بالمؤن عموديا من المراكز الكبيرة المنشأة في أم الربيع وقصبة تادلا وغيرهما، تمرر تلك المؤن من مختلف مضايق سيدي بوبراهيم بني ملال غورم العالم.

يلاحظ أنه كلما اقتربنا من كلون منجان عظمت الخسائر، لأننا لا نعرف لماذا في المغرب كلما تم الاقتراب من الجبال أصبح السكان أكثر قتالية؟

يمكن للسياسيين في الجمعية العامة القول منتقدين بأنه لا يمكنك التقدم إلا إذا ضمنت الرجوع، والجواب عنهم في قولنا لهم (ارجعوا لصيف 1912 السنة الماضية، المقيم محاصر بفاس، طريق المحطات مقطوعة حركة تادلا هددت كيسر وبن احمد، وأم الربيع من مشرع بن عبو لغاية البحر، مكونة حدود الشاوية بشكل مؤكد تقريبا، جعل النهاب يخترقون المضايق بشكل مكدر، سعار الهبة تكون في مراكش وبدأ يفكر في دراسة دفاعات الدار البيضاء!!

اليوم ناحية فاس هادئة بنجاح، ويدفع بالتأكيد نظريا في اتجاه تازا حيث من هنا لبضعة أيام سيعطي دعما لقواتنا في شرق المغرب، نواحي مكناس تقريبا هادئة، بني امطير زيان سيكون عليها إما أن تفر أو ستخضع لنا، في تادلا بلغنا الأطلس، ونحن نسيطر على أم الربيع في جهة الغرب، غزونا مناطق فسيحة في مراكش، نظمنا مازاكان موكادور أسفي وبلغنا أكادير).

بعد بضعة أيام من استراحة القوات، ستستأنف عملها لتطهير البقع السوداء التي تهمنا، النتائج ليست رائعة! لقد قمنا بمهمتنا مثلما فعل المنظمون ذلك.

كلون مثل كلون تادلا يضم 6000 رجل ليس إلا كلونا صغيرا في محيط معادي يتطلب الحماية من كل جوانبه، مغاير التشكيل عما في أوربا حيث الطرق والسكك الحديدية متوفرة لتنقيل القوات والعتاد الضخم المحتاج له من قبل جموع الكلون أو بعضا منه.

من جهة أخرى الفرسان ينظمون الأمن في أوربا والاستكشاف ومصلحة وحدات المشاة المكلفة بالأمن تخبر عن بعد لاتخاذ التدابير اللازمة تحسبا للمعركة المتوقعة، وهو ما لا يتاح بالمغرب، حيث تكون قوافل تموين الكلون بالذخيرة والمواد الغذائية وغيرها ثقيلة، تتطلب وقتا للوصول يمتد بين أربعة أيام لثمانية والكل بواسطة الجمال، جمال قد تنقص حمولتها لفائدة حمل الرجال.

هذه القوافل التي قد يتراوح عدد جمال الواحدة منها بين 1000 و1500 جمل وألف من البغال، وبما أنه ليس هناك شبكة للطرق والسير يكون عبارة عن اختراق للبلد فلا دعوى للسير على شكل رتل في الطريق لأنه سيجعله طويلا وأكثر مشقة بسبب الحرارة والغبار المتطاير من الأقدام والحوافر، لذلك سنتقدم على شكل وحدات منفصلة كل منها تختار طريقها بعيدة عن الآخرين بمسافة كافية للرمي ولحماية نفسها أو تقديم المساعدة للمجاورة لها إذا ما تعرضت لهجوم مباغت من قبل الأعداء أو الخاضعين المرتدين، وقد أعطى هذا التمفصل نتائج حسنة.

في 17 أفريل 1913 دخلت طليعة قوات كيدون في مواجهة حامية مع المدافعين عن مشرع سيدي صلاح (بني موسى) وبعد معركة قاسية تم إبعاد المدافعين نحو اليسار لتمر القافلة.

يوم 26 مارس باغتت إحدى القوافل مضارب موحى وحمو الزياني في بطمات عيساوى، نتيجة لذلك كان من الواجب العمل على تجميع أكبر قدر من القوات تحسبا لمواجهة الأعداء بقوة ضخمة واقتصاد في تبذير الذخيرة لتلافي الخصاص.

لقد أدت العمليات الانتقامية من الأعداء لجعلهم أكثر حذرا في استعمال القسوة أثناء القتال بالسلاح الأبيض في الهجمات المضادة واقتصروا على الرمي السريع للأعلى.

يوم 15 مارس، حركة تادلا الضخمة التي أحاط رميها بفوج كلون ماكنبن جعتله يغادر المعركة بعد ارتفاع خسائره في المواجهة بالسلاح الأبيض والطلقات السريعة للرشاشات.

تصدعات المعركة

تصدعات المعركة كان هو الشيء الأكثر حساسية، فقد حققنا النتيجة المتوخاة، صرنا نرى من غير أن نتحرك أو نتعارك، ومن غير أن نترك بين يدي الأعداء ما يمكن تجميعه من كل مكان.

في 28 أفريل بسيدي بوبراهيم طور الكلونيل منجان الهجوم المكثف للشلوح عليه، وبعد أن تجمعوا للانقضاض النهائي تلقوا رميا هائلا مذهلا من المدفعية والرشاشات وبنادق المشاة الذين أطبقوا عليهم بالحراب والسلاح الأبيض لدفعهم نحو الضفة الأخرى من الوادي.

بعدها تراجعت القوات للخلف في هدوء، وانطلقت في الغد للدخول لعين الزركة دون تسجيل أية طلقة نار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *