في الحلقة السابقة توقفنا عند حالة الحصار المضروب على تطوان، وما تركه من أثر على السكان، وفي هذا الجزء نقدم باقي المقال:
هيأ الجنرال ألفو في هذا التاريخ ما بين 15.000 و16.000 جنديا من القوات المتحركة، وبناء على تعليمات توصل بها من مدريد قسم تلك القوات لأربع مجموعات لمواجهة الحركة مستقبلا في الفندق.
الجنرال سيلفستر حصل على نتيجة أحسن يوم 18 يونيو 1913 بعدما غادر أصيلا نحو سوق إثنين سيد اليمني مدمرا في طريقه قرية بير ريحان، وفي الغد 19 منه علم أن الحركة بدأت تنصب خيامها في سهل سوق أربعاء عياشة على بعد 8 كلم من سيدي اليمني و15 كلم من أزيلا، فطلب من أزيلا كلونا مكونا من سرايا قناصة ومدفعية جبال وفصيلة رشاشات وقوات أهلية.
توجه بكل ما معه من قوات لمهاجمة الحركة المتواجدة في سوق أربعاء عياشة فدحرها، ولما أراد مواصلة طريقه للأمام، علم أن سكان القصر الكبير بدى عليهم الذعر والقلق من جراء الأخبار الواردة بالحشود التي صارت تتجمع من جبالة لمهاجمة القوات الإسبانية المتواجدة في المدينة وفي غيرها، فعاد سلفستر لمنطلقه بأزيلا، وأمر باتخاذ التدابير الدفاعية عن القصر الكبير والعرائش تحسبا لأي هجوم من قبل المغاربة على القوات المتمركزة بها، وكذا المعمرين المتواجدين هناك.
يوم 28 يونيو بعث بمفرزة في اتجاه ثلاث ريسانة لتفريق جمع من الأعداء هناك، فخسرت جنديا قتيلا وجرح لها ثمانية فيهم ثلاثة أهالي.
فاتح يوليوز بقي الجنرال سلفستر على وضعه في كل من العرائش والقصر وسيدي اليمني وأزيلا، لكن خصومه رغم قلة عددهم لم ينفكوا عن إزعاجه وجعلهم طريق طنجة لقصر غير سالكة وهي التي تعتبر أكبر طريق تربط طنجة بفاس، مما جعل معه قوات العرائش غير قادرة على التحرك للمشاركة في الهجوم على الفندق.
في أواخر يوليوز أحرزت القوات الإسبانية تقدما هاما في اتجاه الفندق، لم تحتل بعد هذا المضيق الذي لا يبعد عن تطوان سوى بعشرين كلم و13 كلم عن اللوزيين، لكن النتيجة المادية كانت واضحة لحد ما، فقد قلت هجمات المحرضين المعادين لنا، حيث بدأ يصيبهم العياء نتيجة الصراع المخاض في الشهرين الأخيرين ولم يعودوا يتحركون بالكثافة التي كانوا عليها في البداية، وقل عدد الذين يخلفون المتساقطين في هذا الصراع الضاري.
الأراضي الخلفية للمنطقة الإسبانية تُقدم المتطوعين المحتمل إرسالهم لنجدة اجبالة، وحمايتها من المراقبة المباشرة التي تقوم بها تلك القوات لها، خاصة من قبل مجموعة عرباوة التي لا تسمح بتدفق المقاتلين القادمين من المنطقة الفرنسية.
أيضا نفكر في جيراننا القادمين علينا من أطراف عمها الاستياء مما يفرض عليهم من تحالفات لا تخدم مصالحهم تحت قيادة الشريف ولد لحسن، بعدما اختبرت بواسطة الحرب كيف تتسلط قبيلة على أخرى، مما جعل عددا من التجمعات السكنية تنفتح على قبول الخضوع للسلطات الإسبانية.
في بداية يوليوز تم تكوين فرق أربعة مختلطة للقيام بمهام استطلاعية حول تطوان، في اليوم الثاني من يوليوز تعرضت إحدى الفصائل الأربعة لطلقات نارية في سامسا على بعد أربع كلمترات من المدينة، وفي نفس اليوم سير ألف فارس لخفر عائلة الخليفة مولاي المهدي الذي قدم من سبتة بالسيارة.
المراكز المتقدمة والقوافل الإسبانية تتعرض كل يوم للإزعاجات المتكررة من الكارهين لتواجدنا، في يوم 4 يوليوز هوجمت قافلة لنا، فدارت معركة قاسية وجها لوجه لرد المهاجمين، وفي ليلة 4-5 ردت القوات المتواجدة باللوزيين هجوما قاتلا وليليا مباغتا كبدوا فيه المهاجمين خسائر هامة، وفقد المدافعون عن المركز جريحا.
في تطوان راج حديث حول استيلاء بقيوة على رشاشات من على ظهر السفينة الإسبانية الجنرال كونشا، وقد قام قائد الحركة بنصبها على طريق الفندق، وفرض على الجنود الإسبان الذين أسروا في معركة 24 يونيو تعليم المغاربة طريقة استعمال تلك الرشاشات، وهو عمل غير مستغرب لأننا نعلم عملا مماثلا له في سنة 1903 حيث قام الروكي بوحمارة بتسخير أسير أهلي من جيش السلطان بتشغيل وتعليم من يستعمل الرشاش الذي تم الاستيلاء عليه من جيش السلطان.
لوحظ أن قطاعا من السكان الذين رضوا بالاحتلال في بدايته لم يعودوا كذلك بعدما تم إحراق الدواوير المحيطة بتطوان وتدميرها وجلاء سكانها الذين كانوا يزودون المدينة باحتياجاتها التموينية، فخلت سوق تطوان من البضائع كما سلف القول وارتفعت الأسعار وقل العمل، وأصبحت الحياة بالمدينة لا تطاق، ولم يعد هناك بارقة أمل في تحسن العلاقة بين المدينة ومحيطها، فصار لزاما على مدريد أن تعلق العمليات القتالية مع السكان لغاية شهر أكتوبر، وإرسال مبعوثين لتطوان كي يتفاوضوا مع القادة الأهالي الأكثر سلطة وتأثيرا في شمال إفريقيا.
وفي نفس الوقت استمرت الاستعدادات العسكرية لمواصلة عمليات الغزو والاحتلال في المستقبل، وكان المخطط يقضي بتجميع أكبر قدر من القوات في غرب وشرق المنطقة الإسبانية بشكل متزامن، أما المسألة العاجلة التي شغلت الحكومة الإسبانية فهي إقامة مصالح صحية وطبية وإدارية قادرة على ضمان تموين القوات المرسلة للجبهات التي ستستأنف فيها المعارك مثلما كان في السابق، وقد جهزّ 4500 جنديا لاحتلال الفندق تم تجميعهم من معسكرات لقصر، وأزيلا، وتطوان، واللوزيين.
في أكتوبر واجه الإسبان أكبر صعوبة التي نبهناهم لها مرارا للمصاعب المشابهة التي عانت منها المنطقة الفرنسوية والتي لا محالة سيواجهونها حالا دون إبطاء لكن دون فائدة، حتى باتوا اليوم غارقين فيها مع الأسف.
هجمات خصوم الإسبان لم تنفك عن التصاعد مما جعل القوات الإسبانية بدورها تكمل الباقي، وتتواصل العمليات بين المتصارعين على مخلف الجبهات
يوم 8 يوليوز غادرت قافلة ذخيرة تطوان قاصدة مركز اللوزيين فتم اعتراضها ومهاجمتها من قبل بني يدر وأنجرة على بعد ثلاث كلم من المدينة حوالي الساعة العاشرة صباحا حيث استمر القتال لغاية السابعة والنصف تكبد فيها الفريقان عدة خسائر مهمة عادت على إثرها القافلة لمنطلقها، وتم لاحقا نشر حوالي 9000 جنديا لتأمين الطريق بين المدينة ومركز اللوزيين.
يوم 11 يوليوز قامت أربعة ألوية تضم 12.000 رجل بإزالة العوائق التي كانت شوكة في الطريق للوزيين باصطياد المجموعات المعادية المتمركزة في سادينا على بعد 1500م من المركز الإسباني، ثم صعدت لواد مرتيل في اتجاه سوق لخميس، متقدمة لغاية خمس كلم شمال ميناء بوصفيحة.
صراع ضار تم مع انجرة الذين نزلوا بكثافة مدعومين بمقاتلين ريفيين، زيادة على جو حار مفرط أصيب فيه حوالي 50 جنديا بضربات شمس، أدت بالقوات للعودة لمركز اللوزيين على الساعة الخامسة مساء، وقد أعلن في تطوان بأن هذا اليوم كان أكثر الأيام مأساوية منذ بداية الغزو، حيث فقدت القوات الإسبانية حوالي 63 ما بين قتيل وجريح و13 في رتل ريفيرا، و27 في رتل أراييز، و9 في رتل بيرنيكور، و14 في رتل بريوط.
القوات الإسبانية قررت التجمع متباعدة عن بعضها لتفادي الخسائر، مفرزة بيرمودي اتخذت موضعا قرب الفندق بعدما قطعت مسيرة شاقة نحوه، فقضت ليلة 15 و16 يوليوز هناك، مبدية للخصوم أنها ستستقر هناك، بدليل التموين الذي توصلت به، بيد أن الحقيقة كانت خلاف ذلك.
في جهة أزيلا سيلفستر الذي توجه للقصر حاول تأمين وحماية طريق طنجة، حيث قامت وحدات استطلاع في فاتح يوليوز بالتوجه نحو ثلاثاء ريسانة حيث تعرضوا لهجوم غير ذي أهمية، يوم 5 منه دارت معركة على وادي المخازن على بعد عشرين كلم من القصر، مع حركة كانت تنتظر المعركة واندفعت لها بمجرد ما لاحت لها طلائع القوات الإسبانية، فما كان من سلفستر إلا سحب بعض الكلون للخلف، نحو القصر ومنعرجات سيد اليمني، مفضلا عدم بدل مجهود كبير في هذه المواجهة.
القوات الإسبانية أنهكت بشكل كبير، في الغد سادس يوليوز تم إشعال النار في عدد من القرى المحيطة بالقصر من قبل المغاربة الثوار.
يوم 7 يوليوز تعرض القصر والثكنات الموجودة به وحواليه للهجوم من قبل اجبالة، خسر الإسبان في رد المهاجمين 18 قتيلا فيهم ثلاث ضباط و18 جريحا
أرسل سلفستير فرقة استطلاع لتمشيط طريق الثلاثاء وحول أزيلا وسيد اليمني من المعادين وتأمين المواصلات مع القصر، وفي 14 سير كلونين نحو قرى أهل اسريف تركت له حوالي 27 جنديا خارج الخدمة بعدما غزى ثمانية قرى وتوصل بطلبات للأمان وبعد الغد أعلن عدد من الأهالى الخضوع وطلب الأمان.
أرمانت question diplomatiques et colonial.