الاستهزاء بآيات الله الكونية صورة من صور الإلحاد فيها ناصر عبد الغفور

 

يقول الله جل وعلا: “إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا” -فصلت-، واللحد الميل، يقول ابن فارس: “(لحد) اللام والحاء والدال أصلٌ يدلُّ على ميلٍ عن استقامةٍ. يقال: ألْحَدَ الرّجلُ، إذ مال عن طريقةِ الحقِّ والإيمان”([1]).

 ومعلوم أن الجمع المضاف من صيغ العموم، والأصل إبقاء العام على عمومه ما لم يرد ما يخصصه كما هو مقرر في أصول الفقه وقواعد التفسير، وآيات الله قسمان: شرعية وكونية، فإذا كان الإلحاد في آيات الله الشرعية يكون بتكذيبها ومعارضتها وتحريفها وغير ذلك من طرق الإلحاد، كما  يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى: “الإلحاد في آيات الله: الميل بها عن الصواب، بأي وجه كان: إما بإنكارها وجحودها، وتكذيب من جاء بها، وإما بتحريفها وتصريفها عن معناها الحقيقي، وإثبات معان لها، ما أرادها الله منها.”([2])، فإن آيات الله الكونية يكون الإلحاد فيها بعدة سبل أو طرق:

1– منها: وهو أخطرها -لأنه شرك أكبر مخرج عن الملة- صرف شيء من العبادة لها، كمن يعبد الشمس والقمر أو غيرها من الكواكب، فهذه الكواكب مخلوقة مربوبة فكيف تأله من دون الله أو تعبد مع الله، وقد بين الله جل في علاه بطلان هذا المسلك وضلال أصحابه في تلك المناظرة القوية التي جرت بين إبرهيم الخليل عليه أفضل الصلاة والتسليم وقومه من عباد الكواكب([3]).

وقد نهى الله سبحانه عن هذا الفعل الشنيع بقوله تعالى وتقدس عن الند والشبيه: “وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ”-فصلت:37-.

وأكثر الكواكب عبادة الشمس والقمر، لذلك سيكون مصيرهما يوم القيامة أن يقذفا في النار تكبيتا وتوبيخا وتقريعا لعابديهما، كما قال تعالى: “وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ”-القيامة:9-.

يقول السعدي رحمه الله تعالى: “وهما لم يجتمعا منذ خلقهما الله تعالى، فيجمع الله بينهما يوم القيامة، ويخسف القمر، وتكور الشمس، ثم يقذفان في النار، ليرى العباد أنهما عبدان مسخران، وليرى من عبدهما أنهم كانوا كاذبين”([4]).

2– جعل هذه الآيات خاضعة للطبيعة وأنه لا دخل لإرادة الله في سيرها كما يقول أهل الطبيعة المنحرفون.

فمثلا الزلازل عندهم غضب الطبيعة، والفيضانات غضب الطبيعة، والأعاصير غضب الطبيعة، وكل التغيرات والحوادث الكونية ينسبونها إلى الطبيعة، كأن موجدها والمتصرف فيها الطبيعة وليس رب الطبيعة سبحانه وتعالى علوا كبيرا عما يقول الظالمون.

3– كما يكون الإلحاد فيها باعتقاد أن تغيرات بعضها يتعلق بأمور تحدث لبعض الأشخاص من وفاة وغيرها كما كان سائدا عند أهل الجاهلية، وقد أبطل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قوله: “أما بعد، أيها الناس، إن أهل الجاهلية كانوا يقولون إن الشمس والقمر لا يخسفان إلا لموت عظيم، وإنهما آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله به عباده، فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكره، ودعائه واستغفاره، وإلى الصدقة والعتاقة والصلاة في المساجد حتى تنكشف”([5]).

وفي رواية:”إن الشمس والقمر من آيات الله وإنهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فكبروا وادعوا الله وصلوا وتصدقوا.”.-رواه مسلم-.

يقول العلامة الألباني رحمه الله تعالى: “وإذا اتفق وفاة أحد مع انكساف الشمس أو القمر، فلا يدل ذلك على شيء، واعتقاد أنه يدل على عظمة المتوفي من خرافات الجاهلية التي أبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم عليه السلام، وانكسفت الشمس فخطب الناس وحمد الله وأنثى عليه”([6])، ثم ذكر الحديث.

 

([1] ) معجم مقاييس اللغة، مادة لحد، 5/236.

([2] ) تيسر الرحمن:750.

([3] ) وذلك في قوله تعالى: “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78).”-الأنعام-. والحق ن الخليل عليه السلام كان هنا في مقام المناظرة وليس في مقام النظر كما ظن بعضهم، وكيف يكون في مقام النظر وهو إمام الموحدين وخليل رب العلمين، وكيف يكون كذلك وقد وصفه ربه بقوله:” ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين”.

([4] ) تيسر الرحمن:899.

([5] ) أورده العلامة الألباني رحمه الله تعالى في كتاب الجنائز قائلا: “هذا السياق ملتقط من جملة أحاديث…”.

([6] ) أحكام الجنائز:46.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *