خرج علينا في السنوات الأخيرة أحد أفراخ مدرسة “محرّفي الكلم عن مواضعه”، ممن لا يذكر اسمه إلا عند النيل من الصحابة الكرام، أو خرق الإجماع، أو رد سنة معتبرة، أو إنكار معلوم من الدين بالضرورة، إنه: “محمد بن الأزرق الأنجري”.
وفي هذه المقالة -المختصرةـ لن أنقل أدلة ما سأنسبه إليه من أسباب أعتبرها عوامل رئيسة في زيغه، لأن المقام يقتضي الإيجاز لا الإطناب، ومن أراد التوسع أكثر فليرجع إلى مقالاتي في الموضوع حيث بسطت العبارة، وبينت بالأمثلة موجبات زيغه.
1 ـ تعالمه وغروره وإعجابه بنفسه:
وهذه من أهم سمات أصحاب هذه المدرسة عموما، وصاحبنا على وجه الخصوص، فتراه كثيرا ما ينتفخ انتفاخ الطاووس، ويعلن عن قدراته الفذة في بيان أخطاء من سبقه من علماء أهل السنة، مع العلم أنه ناقل عن غيره، آخذ عمن سبقوه قديما أو حديثا، فهو ليس أول من رد حديث السحر، ولا أول من رفض حديث الوزغ، ولا أول من لم يستسغ حديث «بعثت بالسيف»، وحديث: «أمرت أن أقاتل الناس»، ولا أول من لم يقبل عقله الناقص قصة ياجوج وماجوج، ولا أول من جادل في أحكام الإرث القطعية، وعاند في قوانين الجزية العادلة والمرضية… فلماذا يستأسد على القراء الأغرار، ويوهمهم في كثير من الأحيان أنه صاحب السبق فيما تدونه يداه من إفك وبهتان عظيم.
2 ـ تفسيره الغريب للقرآن الكريم:
إن أثر علم المسلم وتقواه يظهران بشكل جلي في تعامله مع القرآن الكريم تنزيلا وتفسيرا، لهذا تجد السلف الصالح من علماء أهل السنة والجماعة يتورعون عن القول في القرآن برأيهم دون روية أو تثبت، أما صاحبنا فقد ألفيناه على تفسير القرآن الكريم هجوما جسورا، لا يتورع ولا يتمنع، بل يقبل ويقدم إقدام من لا يخاف ولا يخشى، فمرة يؤول قصة سيدنا سليمان مع بلقيس تأويلا لا دليل عليه من شرع ولا لغة ولا عقل، ومرة أخرى يفسر قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً}، بما يتفق مع بعض النظريات المادية القائلة بأن ماء البحر هو أصل كل الخلائق، وهكذا …
3 ـ انتقاصه من الصحابة رضي الله عنهم:
لقد عرف “ابن الأزرق” في كثير من خرجاته بانتقاصه الشديد للصحابة جملة باعتبارهم سذج يسهل خداعهم والتلبيس عليهم، ثم بعد ذلك نجده ينتقص من حافظ الوحي أبي هريرة رضي الله عنه، وينعت معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بأسوء النعوت -موافقة منه للشيعة والمعتزلة-، بل ولم يسلم منه حتى الخليفة الأول: أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
4 ـ الاعتماد على مصادر الشيعة دون الإشارة إلى ذلك:
تبنى ابن الأزرق الكثير من آرائه العقدية والفقهية أحيانا بناء على تأثره بكتب الشيعة، خاصة فيما يتعلق بإباحته للزنا باسم المتعة، وانتقاصه من بعض الصحابة كأبي هريرة ومعاوية رضي الله عنهما… وأكثر من ذلك ثناؤه على الفكر الشيعي في بعض مقالاته المبتورة.
5 ـ تقديسه لعقله القاصر وتقديمه له على نصوص الشرع:
من السمات البارزة لدى أصحاب هذه المدرسة تقديسهم للعقل في مقابل ما صح من النقل، وهذا نتيجة حتمية لفساد عقولهم التي لم تفهم حقيقة الوحي، ولم تتذوق طعم الإيمان بالغيب…وسبب ذاك كله هو أنهم قد فسدت عقولهم أولا فردوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم آخرا.
6 ـ تأثره الظاهر بعدة مدارس عرفت بمخالفتها للسنة في بعض القضايا:
وهذا أمر واضح وجلي، خاصة فيما يتعلق بمدرستي الشيعة والمعتزلة بشقيها القديم والحديث، إلا أنه زاد الطين بلة والمرض علة، بتأثره الكبير بالفكر العلماني الحديث، فيكون بذلك قد جمع الشر كله.
ـ تأثره بالمدرسة الغمارية:
والكل يعلم مدى ميول أصحاب هذه المدرسة إلى التشيع والطعن في بعض الصحابة الكرام، بالإضافة إلى الانتقاص من علماء أهل السنة والجماعة كابن تيمية، وابن القيم والذهبي وغيرهم.
ـ تأثره الشديد بعدنان إبراهيم:
وهذا ظاهر لا يمكن رده أو إنكاره ممن طالع ولو جزء يسيرا من مقالات الرجل، حيث يصفه بالعلامة، ويعتبره نبراسا يقتدى به في فهم الشريعة الإسلامية على أصولها.
7 ـ محاولة ازدرائه لعلماء السنة سلفا وخلفا:
وهذا من أغرب ما تجده عند شخص يدعي الانتماء لمذهب أهل السنة والجماعة، ثم تراه بعد ذلك يزدري علماء مذهبه السني، وينتقص منهم وينعتهم بالتدليس والكذب والافتراء، وتعمد التستر على الحقائق وقلب المفاهيم، كما يصفهم بالسذاجة والحمق والغباء وقصور الفهم.
8 ـ جهله الكبير بعلم الحديث دراية ورواية:
إن المطلع على مقالات الرجل، يجده يتبجح كثيرا بتخريج الأحاديث، وتكثير الطرق، والكلام عن الرجال، الشيء الذي يوهم الجاهل والغافل أنه ذو باع شديد، ويد طولى في هذا الفن، والصواب أنه جاهل فيه جهلا مركبا كما بينت ذلك في سجالاتي الحديثية معه.
9 ـ جهله بعلم الأديان ومصادر أهل الكتاب:
حتى أننا نجده ينسب القصة إلى بعض أسفار أهل الكتاب وهي ليست فيه.
10 ـ فساد عقله وذوقه وتأثره بالعلوم الحديثة وإن كانت مجرد نظريات:
وهذا أيضا من أغرب ما رأيته من طوامه وانحرافاته، حيث يجعل من النظريات العلمية حقائق يفسر من خلالها نصوص الوحي، الشيء الذي جعله يتبنى آراء غريبة جدا في العديد من القضايا العقدية: كقصة رفع عيسى عليه السلام ونزوله في آخر الزمان، وقصص بداية الخلق وغيرها.