كيف دخل المذهب المالكي المغرب؟

بدأت المذاهب الإسلامية تعرف طريقها إلى المغرب أوساط القرن الثاني الهجري، وازداد انتشارها في النصف الأخير منه، والمعروف تاريخيا أن المذهبين: الأوزاعي والحنفي كانا أسبق المذاهب دخولا إلى إفريقية (تونس) والأندلس، وظل المذهبان معمولا بهما في بلاد المغرب مدة من الزمان، إلى أن بدأ طلاب هذه البلدان يرحلون نحو المشرق، بقصد أخذ العلم وطلب الرواية عن فقهائه وعلمائه.
وبما أن رحلتهم في بدايتها كانت -كما يؤكد ابن خلدون- مقصورة على الحجاز وإمامها يومئذ هو الإمام مالك؛ كان من الطبيعي أن يتأثروا بهذا المذهب وبصاحبه، وهذا ما حصل فعلا.
لقد تحدثت كتب التاريخ والطبقات عن مجموعة من طلبة هذه البلاد، رحلت في منتصف القرن الثاني الهجري، فيها من أهل الأندلس: زياد بن عبد الرحمن المعروف بشبطون، المتوفى عام 204 هـ على أشهر الأقوال، والذي يذكر الحميدي أنه أول من أدخل مذهب مالك إلى الأندلس، وقرعوس بن العباس، والغازي بن قيس المتوفى عام 199هـ، وأبو عبد الله محمد بن سعيد ابن بشير بن شرحيل المتوفى عام 198هـ، ويحي بن يحيى الليثي المتوفى عام 234هـ، وأبو محمد عيسى بن دينار القرطبي المتوفى عام 212هـ وسعيد بن أبي هند في آخرين… وفيها من تونس: علي بن زياد صاحب الرواية المشهورة للموطأ، وأول مؤلف مغربي في المذهب المتوفى عام 183هـ، وابن أشرس الأنصاري، والبهلول بن راشد المتوفى عام 183هـ، وأبو علي شقران بن علي القيرواني المتوفى عام 186 هـ، وأبو محمد عبد الله فروخ الفارسي القيرواني المتوفى عام 176 هـ، وأبو محمد عبد الله بن عمر بن غانم الرعيني المتوفى عام 191 هــ وأسد بن الفرات المتوفى عام 213 هـ وعباس بن أبي الوليد، وأبو خارجة عنبة بن خارجة الغافقي المتوفى عام 220هـ، وأبو محمد عبد الله بن أبي حسان اليحصبي المتوفى عام 229هـ، وأبو عبد الرحمن بن ثوبان الرعيني المتوفى عام 193 هـ، وأبو عون معاوية بن الفضل الصمادحي المتوفى عام 199هـ، وأبو عثمان المعافري، وزيد بن محمد الجمحي، وعمر بن الحكم اللخمي، وأبو القاسم الزواوي، وأبو الخطاب محمد بن عبد الأعلى الكندي، وعمر بن سمك ابن حميد، وأبو طالب الأبزاري، وأبو عبد الله بن زرارة، وأبو الحجاج الأزدي والحارق بن أسد القفصي، وعبد المومن بن المستنير الجزري، وعلى بن يونس الليثي، وغيرهم…
وهؤلاء كلهم تتلمذوا لمالك وأخذوا عنه مباشرة، فلما عادوا إلى بلدانهم أخذوا ينشرون علمه وفقه بين الناس، وذلك للتدريس والفتيا والقضاء والشورى وغيرها من وظائف الدولة، فالتزموا مذهبه في الفروع والأصول والعقيدة، والسلوك، وترسموا مذهبه في التأليف، وطرقه في الاستنباط والبحث، ولم ينتقل الإمام مالك إلى جوار ربه، حتى كانت مدرسة في الأندلس وأفريقية من أقوى المدارس في المملكة الإسلامية وأشدها استمساكا بآرائه، وتعصبا لها.
فازدهرت بذلك مدرسة قرطبة والقيروان، وصار لهما من الذيوع والشهرة ما فاق سائر المراكز العليمة في العالم الإسلامي أو كاد، وكان من الطبيعي أن تتزايد الرحلة إلى مالك، ويكثر عليه الإقبال، لأن من كان يجتمع بمالك، ويأخذ عنه، يرتفع في نظر الناس ويشرف فيهم، فتدفع هذه الرحلة من لم يرحل، إلى الاغتراب، ليحظى بشرف الأخذ عن عالم المدينة.
ولم يكن هؤلاء الراحلون يهتمون فقط بنشر علم مالك وفقهه، وإنما كانوا حريصين على أن يصفوا من يصغوا وجلالة قدره، واقتداء الأمة به في سلوكه وأخلاقه، ما عظم به صيته بهذه الربوع ودفع بعض الخلفاء إلى أن يأخذوا بمذهبه، ويأمروا الناس باتباعه، ويصيروا القضاء، والفتيا عليه، كما كان الشأن بالنسبة للخليفة الأموي، هاشم بن عبد الرحمن بن معاوية في الأندلس، وإدريس بن إدريس في المغرب الأقصى، والمعز بن باديس في تونس. (نقلا عن دعوة الحق بتصرف).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *