الشأن الديني في المغرب.. عرض تاريخي محمد زاوي

 

1-الشأن الديني في مرحلة الفتح الإسلامي:

مرّ الفتح الإسلامي بمرحلتين هما:

أولا؛ المرحلة

الأولى (642-708 م): مرحلة الفتح العسكري.

ثانيا؛ المرحلة الثانية (708-788 م): مرحلة الفتح العلمي والدعوي.

ما يهمنا، هنا، هو المرحلة الثانية التي أصبح فيها المغرب غير المغرب. فبعدما كان التعليم والدعوة يظهران على استحياء -أو لا يظهران إلا على سبيل عرض الدعوة الجديدة على الجيوش المحارِبة بداية- بمبادرة من قواد الجيش، أصبحا فعلا مؤسسا وموجها ومخططا له تحت حماية الجيش. وتلك خطة كان أول من وضع أساسها هو عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، حيث تم:

– اختيار علماء ودعاة أكفاء للقياء بمهام التربية والتعليم.

– الاهتمام بتعليم اللغة العربية.

– تحفيظ القرآن وتعليمه في كتاتيب.

– تعليم العقائد والحلال والحرام… إلخ.

في هذه المرحلة أيضا، سمحت الظروف السائدة للقيروان في لعب دورها المطلوب كأول “جامعة إسلامية” يرحل إليها البربر من كل أرض من أراضي المغرب لتعلم العربية والقرآن والحلال والحرام. (راجع: علي محمد الصلابي، الفتح الإسلامي في الشمال الإفريقي، مؤسسة اقرأ، الطبعة الأولى، 2007، من ص 216 إلى ص 224)

وقد بقي الأمر كذلك، إلى أن تأسست الدولة على يد الأدارسة بعدما نضجت شروطها في السياق المغربي.

2-الشأن الديني في مرحلة الأدارسة

تأسست الدولة الإدريسية، في المغرب، على عدد من الأسس، أبرزها أساس الدين. وذلك ما دلت عليه خطبة التأسيس للمولى إدريس الأول، والتي جاء فيها: “الحمد لله الذي جعل النصر لمن أطاعه، وعاقبة السوء لمن عانده. ولا إله إلا الله (المتفرد بالوحدانية)… أدعوكم إلى (كتاب الله وسنة نبيه)، وإلى (العدل) في الرعية و(القسم بالسوية). اعلموا عباد الله، أن الله أوجب على أهل طاعته (المجاهدة لأهل عداوته ومعصيته باليد واللسان)، وفرض (الأمر بالمعروف النهي عن المنكر)”.

يعلق محمود إسماعيل على هذا النص من الخطبة بقوله:

“وتنم هذه الخطبة عن براعة سياسية، إذ حرص إدريس على إرضاء كافة القبائل على اختلاف مذاهبها. فقد استرضى أهل السنة حين دعا إلى “كتاب الله وسنة نبيه”. كما استرضى الخوارج حين نص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وتعبر أقواله في “التوحيد” و”العدل” عن حرصه على كسب المعتزلة”. (محمود إسماعيل، الأدارسة في المغرب الأقصى: حقائق جديدة، مكتبة الفلاح، الطبعة الأولى، 1989، ص 61-62)

وهكذا، فقد اعتنق الأمازيغ الإسلام لأنهم كانوا في حاجة ماسة إليه، فقد كانوا في حاجة إلى العقيدة الواحدة (الإيديولوجيا الواحدة القانون الواحد والنظام الواحد) لتحقيق وحدتهم السياسية، حيث سيصبح حلم الدولة متاحا بعدما أفشلته الفرقة الإيديولوجية والغزو الأجنبي.

فكان لزاما، على الأدارسة، إذن، خدمة الدين، قرآنا وسنة. وكذلك فعلوا، مخاطبين قابلية الأمازيغ للإسلام، قابلية خاطبها الفتح الإسلامي، قبل أن يخاطبها الأدارسة وينموها، ليصبوها في قالب واحد، هو قالب الدولة.

3-الشأن الديني في المغرب الإمبراطوري

تأسست الدولة المرابطية (1056- 1145 م) بتحالف بين: ممثل العقيدة/ عبد الله بن ياسين، وممثل الجهاز/ يحيى بن إبراهيم الكدالي. وكذلك تأسست الدولة الموحدية (1121-1269 م) بتحالف بين: ممثل العقيدة/ المهدي بن تومرت، وممثل الجهاز/عبد المؤمن بن علي الكومي. لا بد أن يذعن ممثل الجهاز لممثل العقيدة، ولا بد أن يعتمد الثاني على خبرة الأول. وهذا لا يعني أن ممثل الجهاز لا شأن بالعقيدة، بل إنه يكون في الغالب تلميذا لممثلها. ولا يعني ألا شأن لهذا الأخير بشؤون الجيش والإدارة، بل إن أمره مطاع في ذلك، يستشار فيه. تقتضي الخبرة الإيديولوجية اعتماد عقيدة نقيض للعقيدة المراد مواجهتها، فيما تقتضي الخبرة السياسية والعسكرية كل ما يتعلق بالواقع القبلي والتنظيم الميداني والتخطيط الحربي.

كان عبد الله بن ياسين من تلاميذ وجاج بن زلو اللمطي المتفوقين ذوي الفضل، فاختاره ليرافق يحيى بن إبراهيم الكدالي إلى جنوب المغرب بطلب من أبي عمران الفاسي. هناك دعا شيخ المرابطين إلى رسالته في قبيلة “كدالة” التي تعنتت في تلقي دعوته، فتركها إلى قبيلة “لمتونة”. وفي جزيرة جنوب موريتانيا، أقام رباطه على أساس الرسالة الجديدة: “تعريف الناس بالعقيدة الإسلامية الصحيحة، موضحا لهم أركان الإيمان الستة: “الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وقضائه وقدره” على أصول منهج أهل السنة والجماعة، واهتم بتنقية العقيدة الإسلامية من اللوثات الشركية والوثنية التي خالطت عقائد الملثمين في تلك الفترة” (علي محمد الصّلابي، الجوهر الثمين بمعرفة دولة المرابطين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، الطبعة الأولى، 2003، ص 23-40).

لقد كان عبد الله بن ياسين يقف بعقيدته على النقيض من إيديولوجيات مغرب القبائل والطوائف (عقيدة الخوارج، التشيع، الوثنيات…)، كما أن عقيدته كانت تعكس في حقيقتها حاجة كامنة إلى توحيد الإقطاعات المحلية في إقطاع مركزي يشكل البنية التحتية لدولة مركزية، ستصبح إمبراطورية فيما بعد. هذا، ولم تكن هذه العقيدة لتنتشر وتجد صداها بدون خبرة قبلية، وبدون خبرة سياسية وعسكرية فيما بعد. هذا هو الدور التاريخي للزعيم السياسي، وهنا تتجلى حاجة الزعيم الديني لخبرته.

3-الشأن الديني في مغرب المرينيين وما بعدهم

قبل تولي الوطاسيين حكم المغرب، دخلوا في حلف الزاوية القادرية، للتمكن من أخرى، هي الزاوية الشاذلية (كانت تمثل المرينيين). وكذلك كان، حتى ظهرت زوايا جديدة تعبر عن بنى محلية تواجه نظيرتها المركزية. فتداعى السعديون ممثلين بالزاوية الجزولية على الوطاسيين، فهزموهم. وبعد فترة زمنٍ، انهزم السعديون أنفسهم بعد نزوح العلويين عليهم، تمثلهم الزاوية التازية. (عبد السلام الموذن، الدولة المغربية: قضايا نظرية).

4-العلويون وخدمة الشريعة

حرص السلاطين العلويون، أيما حرص، على خدمة الشرعية الإسلامية، في خصوصيتها المغربية.

ومن نماذجهم في ذلك، نجد المولى إسماعيل ناصر السنة، ملتزم غرز الفقه، مقرِّب الأئمة وأهل العلم.

فمن اهتمام المولى إسماعيل بالسنة، وبالضبط بصحيح البخاري، فقد سمى جيشه الأقوى (بلغ عددهم 150 ألف جندي) بجيش “عبيد البخاري”. يقول أحمد خالد الناصري: “وأما سبب تسمية هذا الجيش بعبيد البخاري، فإن المولى إسماعيل لما جمعهم وظفر بمراده بعصبيتهم واستغنى بهم عن الانتصار بالقبائل بعضهم على بعض، حمد الله تعالى وأثنى عليه، وجمع أعيانهم وأحضر نسخة من صحيح البخاري، وقال لهم أنا وأنتم عبد لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعه المجموع في هذا الكتاب، فكل ما أمر به نفعله، وكل ما نهى عنه نتركه، وعليه نقاتل، فعاهدوه على ذلك، وأمر بالاحتفاظ بتلك النسخة وأمرهم أن يحملوها حال ركوبهم، ويقدموها أمام حروبهم، كتابوت بني إسرائيل. وما زال الأمر على ذلك إلى هذا العهد، فلهذا قيل لهم عبيد البخاري”.

وقد كان السلطان المولى إسماعيل حريصا على ضبط القضاة أحكام الفقه، فبها يحكمون وعليها معتمدهم. ومن شدة حرصه على ذلك، فقد بلغ به الأمر إلى أن سجنهم ذات مرة.

يقول الناصري: “وفي هذه السنة (1094هـ)، أمر السلطان بالقبض على جميع القضاة وامتحنوا ووصفوا بالجهل، وسجنوا في مشور فاس الجديد، حتى يتعلموا ما لا بد منه من أحكام ما هم مدفوعون إليه، ثم أخرجوا أيام المولد إلى مكناسة فهددوا بها أيضا، حتى أمر بحبس بعضهم، ثم أطلقوا معزولين”. وفي ذلك عبرة لم تولى القضاء، وقد نسي أحكام الفقه أو زهد فيها وأهملها حيث تكون مطلوبة.

وقد كان السلطان حريصا على اختيار من يؤمه في صلواته، ومن ذلك اصطحابه، لما حل بمنطقة “آدخسان”، أتقى فقهائها بغرض الإمامة. يقول الناصري: ” يقول صاحب “البستان”: وفي هذه المرة، نقل معه جدنا الفقيه الأستاذ علي بن إبراهيم بأولاده إلى مكناسة، وسبب ذلك أنه لما نزل بآدخسان واجتمع عليه الاشراف، قال لهم: دلوني على رجل صاحب فقه ودين يؤمني في الصلوات، فقالوا له: ليس بهذا الجبل أتقى من سيدي علي بن إبراهيم، فأتوا به، فكان إمامه في المحلة. ولما قفل (إلى مكناسة)، أخذه معه”. (أحمد بن خالد الناصري، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، تحقيق وتعليق جعفر الناصري ومحمد الناصري، الجزء السابع، دار الكتاب، 1997)

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *